يقول الخبر إن وكالة الأنباء الإيطالية “أنسا” نقلت أن السلطات الإيطالية بصدد ضم سبعة من منتسبي الأمن الوطني المصري، الأسبوع القادم، إلى التحقيق؛ على خلفية قتل الباحث الإيطالي “جوليو ريجيني”.
وقرر رئيس مجلس النواب الإيطالي “روبيرو فيكو” تعليق العلاقات مع مجلس النواب المصري على خلفية القضية، حتى التوصل إلى “نقطة تحول حقيقية” في التحقيقات ومحاكمة حاسمة.
النائب العام المصري ووزارة الداخلية في حالة خرس، ولم يعلق أحد منهما على التقارير الصحفية الإيطالية.
قرار الاتهام الإيطالي سيضم ضباطا من الشرطة ومن الاستخبارات المصرية، بعد أن تمكنت الشرطة الإيطالية من تحديدهم.
أسرة الباحث المغدور؛ هددت بنشر ما لديها من صور لجثته المشوهة، ما لم تكشف مصر حقيقة مقتله.
وبالطبع، أصدر ما يسمى بالبرلمان المصري بيانا استنكر فيه القفز على نتائج التحقيقات، وأكد على التمسك بسيادة القانون وعدم التأثير أو التدخل في عمل سلطات التحقيق، لا سيما وأن الإجراءات الأحادية لا تحقق مصلحة البلدين، ولا تخدم جهود كشف الحقيقة والوصول للعدالة.
هذه خلاصة الأخبار المتداولة في الموضوع هذه الأيام.
الحضور الطاغي لقضية الشهيد “جمال خاشقجي” في الإعلام العالمي، وفي أذهان المتابعين للشأن العام، دفع البعض لمحاولة مقارنة أو توقع ما يمكن أن يحدث في قضية “ريجيني”.
والحقيقة، إن قضية “ريجيني” برغم أهميتها ومأساويتها، إلا أنها من الصعب أن تكون ملفا ضاغطا على رئيس جمهورية الأمر الواقع في مصر عبد الفتاح “سيسي” ونظامه، مثلما كانت قضية خاشقجي ضاغطة على “ابن سلمان” ومملكته.
صحيح أن كليهما اغتيال “غير ذكي”، ولكن هناك فروق كبيرة بين الجريمتين.
وليس ذلك تقليلا من جريمة قتل “ريجيني”، بل هو إنسان نتعاطف معه، ومع أسرته، ونتمنى أن تظهر حقيقة ما حدث له، وأن يعاقب مرتكبها أيا كان.
إن الفارق الأهم بين الجريمتين هي أن القتلة في جريمة “خاشقجي” سعوديون ارتكبوا جريمتهم خارج بلادهم!
صحيح أنهم قتلوا مواطنا سعوديا، ولكن المشكلة الكبرى في هذا الأمر هو أن ذلك تم خارج المملكة، وداخل القنصلية السعودية.
ولو أن هذه الجريمة قد تمت في المملكة (حتى لو كان المقتول شخصا هاما أو يحمل الجنسية الأمريكية أو غيرها) لمرّ الأمر، ولكان من الصعب إثبات أن الجريمة قد حدثت أصلا.
أما المغدور “ريجيني” فسيظل قاتله الحقيقي بعيدا عن يد العدالة؛ لأنه ارتكب جريمته بقتلة مصريين في مصر.
المقتول إيطالي، ولكن الجريمة تمت داخل الأراضي المصرية، ولن يتمكن الإيطاليون من محاسبة الجناة الحقيقيين، ولن يطالبوا بمحاكمتهم في إيطاليا أساسا، فالطلب نفسه غير منطقي.
من أهم الفروق بين الجريمتين هو تعذر إثبات أن القتل في حالة ريجيني قد صدر من رتبة عليا، وسيكون من السهل أن يتم إلصاق التهمة برتبة صغرى، أو متوسطة، بعكس جريمة خاشقجي الذي تواترت فيها الأدلة على تورط ولي العهد.
الغباء هو القاسم المشترك بين الجريمتين.. غباء قاتلي “خاشقجي” ظهر في التخطيط والتنفيذ للجريمة البشعة، وغباء قتلة “ريجيني” ظهر في محاولة إخفاء القاتل.
فقد تفتق ذهن السادة في الأجهزة الأمنية في مصر عن مسرحية العصابة التي قتلت “ريجيني” من أجل السرقة، وظهرت المسرحية المضحكة المبكية، وقتلت “العصابة” كلها، واكتشفت معها متعلقات المرحوم!
الغريب أن أحدا من الأجهزة الأمنية لم يقدم لأي شكل من أشكال المساءلة بعد اتضاح كذب هذه الرواية، فهناك خمسة مواطنين مصريين قد قتلوا ظلما بالرصاص “الميري” الحي بدم بارد، بعد أن اعترفت الأجهزة الأمنية بأن “ريجيني” كان في حيازتها!
سلوك “المكابرة والإنكار” متفق عليه بين الأنظمة العربية جميعها، ملكية وجمهورية!
ظل قاتل “خاشقجي” ينكر وينكر، وظل قاتل “ريجيني” في حالة إنكار متواصل كذلك… وفي النهاية اضطر القاتلان للتراجع والاعتراف بعد أن أُمسِكا بالجرم المشهود، ولولا ذلك لكانا حتى اليوم في حالة إنكار، تماما مثلما ينكر السيد “سيسي” والسيد “ابن سلمان” آلاف الانتهاكات التي تجري في سجونهما كل يوم.
إن نهاية “ابن سلمان” من الممكن جدا أن تكون بسبب جريمته النكراء في القنصلية في اسطنبول، أما السيد “سيسي” فسوف يتمكن من دفع “جزية” ما للإيطاليين، أو تقديم بعض الأكباش فداء وشراء لمزيد من الوقت في السلطة، حتى تأتي نهايته المحتومة على يد المصريين.
هل يساوم الإيطاليون على دم “ريجيني”؟
قد يساوم السياسيون بالطبع… ولكن سيكون من الصعب إقحام القضاء الإيطالي في معادلة المساومة بسلاسة، ولكن في النهاية سيتم إغلاق الملف بثمن سياسي ما يدفعه النظام المصري صاغرا.
أما ملف “خاشقجي” فهو ملف مفتوح من ناحية الوقت، ومن ناحية الاحتمالات، و”ابن سلمان” مهما حضر من مؤتمرات، ومهما ضرب كفا بكف مع رؤساء، ومهما تظاهر بالقوة أمام الكاميرات… فسيظل – لفترة غير قصيرة – مهددا بالإزاحة من موقعه، وهو أمر ليس بصعب في بلادنا التي يجلس فيها المسؤولون بلا مؤهلات، وبلا ظهير شعبي، بل بقوة السلاح، ومن يتربع بالسلاح… ما أسهل أن يزال بأي طريقة… وكذلك بالسلاح!
أضف تعليقك