• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: ياسر أبو هلالة

كانت مثيرةً للاهتمام الحفاوة التي أحيطت بها ميزانية المملكة العربية السعودية هذا العام. خطب بشأنها الملك وولي عهده، وتدفقت سيول التهانئ من الأمراء والمسؤولين عليهما لإنجازها. مع أنه عمل الدولة، إن لم يكن العمل الوحيد لها الذي لا تقوم بدونه، وليس من وظيفةٍ دستوريةٍ للكونغرس الأميركي غيرها. والواقع أنه عملٌ يستحق الاهتمام، ولا يستحق الاحتفال بناء على المعايير التي وضعها ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، والذي تبوأ شأن الاقتصاد، حتى قبل إطاحته ولي العهد محمد بن نايف.

أمر الملك بتجديد تكلفة بدل المعيشة إلى حين الانتهاء من دراسة "نظام الحماية الاجتماعية" في المملكة، وستتكلف الحزمة حوالي 40 مليار ريال (10.7 مليارات دولار)، وفقا لوزارة المالية. وحسب موقع بلومبيرغ الاقتصادي، "من المرجح أيضا أن ينظر إلى توقيت القرار على أنه محاولة من حكام المملكة لدعم الدعم المحلي في أعقاب الاحتجاج الدولي على مقتل جمال خاشقجي في أكتوبر/ تشرين الأول". وستصل نفقات المملكة العربية السعودية إلى مستويات قياسية في عام 2019 ، مع خطط لزيادة الإنفاق الحكومي، بنسبة 7% لتصل إلى 295 مليار دولار، على الرغم من أن انخفاض أسعار النفط أجبر المملكة على تبني إجراءات التقشف.

وأعلن الملك سلمان الأرقام يوم الثلاثاء، قائلاً إن الحكومة تتوقع أن تزيد الإيرادات أكثر من 9% لتصل إلى 260 مليار دولار. وهذا يترك عجزًا متوقعًا قدره 35 مليار دولار، وهو أقل من السنوات السابقة.

تكشف أرقام الميزانية ارتباكا لا يقل عن ارتباك تخصيص شركة أرامكو الذي لم يخرج عن نطاق التصريحات والوعود، ففي وقتٍ رفع ولي العهد شعار التقشّف، واقتطع حقوقا للموظفين السعوديين، عادت سياسة الاسترضاء إلى هذه الميزانية، مع أن الأوضاع الاقتصادية، بوصف تقرير صحيفة فايننشال تايمز الذي أعده مراسلها من الرياض "متدهورة"، وأن قضية خاشقجي تهدّد "بتقويض خطط ولي العهد لتحديث المملكة بدعم من رؤوس الأموال والخبرات الأجنبية". وتكاد الصحافة الاقتصادية الغربية تجمع على أن استرضاء المواطنين، على خلاف ما تفرضه أرقام النمو الاقتصادي وضرورات الدولة، يرجع إلى محاولة تجاوز آثار جريمة الاغتيال المروعة للصحافي جمال خاشقجي، والتي هزّت عرش ولي العهد، وبات اسمه مطروحا للنقاش، خصوصا بعد إجماع الكونغرس الأميركي على تحميله المسؤولية عن الجريمة.

تساءلت صحيفة "واشنطن بوست" بشأن قدرة الأمير محمد بن سلمان "على جذب المستثمرين الأجانب للمساعدة في ضمان خططه، بعد قتل خاشقجي". وجاء في تقرير لشركة الاستخبارات الأميركية، ستراتفور، أنه إذا كان النمو لا يأتي إلا من الإنفاق الحكومي الكبير، بدلاً من نشاط القطاع الخاص، أو مستويات الاستهلاك العليا، فإن خطط المملكة لتنويع الاقتصاد لا تتمتع بفرصةٍ ضئيلة للنجاح على المدى القريب." وقد نجحت المملكة العربية السعودية فقط في جذب 1.4 مليار دولار في عام 2017، وهو الرقم الذي ذكر التقرير أنه كما في عدد من الدول الفقيرة في الشرق الأوسط، وأضاف "إن سمعة الأمير محمد بن سلمان المتغيرة باستمرار هي الدافع المباشر لهذا الغموض، وتساؤلات حول سيادة القانون، وأمن الاستثمارات، واستقرار الحكومة".

من يراقب الوضع السعودي بعد اغتيال خاشقجي يلحظ الارتباك بسهولة، فالدولة التي اختطّت الانفتاح، والحد من سلطة رجال الدين، أظهرت ولي العهد في مجلس الشورى محاطا بشيوخ الدين، لا الأمراء، ولا المسؤولين الحكوميين. وركزت كلمة والده الملك على دولة الشريعة والالتزام بتعاليمها. ثم تحول مشهد ولي العهد محاطا بوقار الشيوخ في الدرعية إلى خفّة الشباب الراقص الذي يندسّ بينهم لالتقاط صور السلفي، وهو مهرجانٌ ضرب في صميم الدعوة الوهابية، فالدرعية هي معقل الوهابية ورمز التشدد، وهي عنوان الشرعية.

هل تنجح سياسة الاسترضاء الاقتصادي في استرضاء السعوديين؟ ومن يسترضي اجتماعيا التيار المتدين أم غير المتدين؟ المؤكد أن سياسة الاسترضاء لا تنجح دائما، فثمّة أشياء لا تشترى عند كل البشر.

 

أضف تعليقك