بقلم عامر شماخ
يقود عدد من المثقفين هذه الأيام ما يشبه الحملة لمنع تعديل الدستور الذى ألمح إليه إعلام النظام ودهاقنته لمدِّ فترة الرئاسة. وشكر الله سعى هؤلاء المثقفين فقد أدّوا ما عليهم وزادوا، لكن ألم يسألوا أنفسهم ماذا فعل الدستور الحالى الذى يصرّون على عدم تعديله؟ لقد ديس الدستور والقانون، وانتُهكت القواعد والأعراف، ووالله لو كنا قبيلة عراة فى السافانا الإفريقية ما جرى لنا مثلما جرى منذ انقلاب 2013 وحتى الآن.
يا سادة!! ماذا يفعل الدستور، عُدِّل أم لم يُعدَّل، فى بلد يحكمه عصابة لا تعترف بشىء اسمه دستور، وهى كما نسفته فى 3/7 واستهانت بإرادة مائة مليون مواطن، لا حرج الآن وهى على رأس السلطة أن تنسفه مرة أخرى وثالثة ورابعة؟ إن الذى لا يعترف بأهمية التعليم ويقلل من ضرورة دراسات الجدوى للمشروعات الحكومية الجديدة لا يعرف معنى الدولة ولا النظام ولا السياسة ولا الحكومات، ومن باب أولى لا يعرف قيمة الدستور والقانون، وهذا ما دفعه لارتكاب ما ارتكب من جرائم القتل الجماعى والاغتصاب والتعذيب ومصادرة الأموال، وتلك منهيات الدستور والقانون، ولو علم أن فى هذا الدستور مواد تعاقب مرتكب هذه الأفعال ما ارتكبها، لكنه يجهل كل ذلك؛ ليس لعمى فى بصره وعجز عن القراءة ولكن استهانة واستخفافًا بمن يحكمهم.
الحقيقة أننا بلد ليس له دستور، ولا يحكمه قانون، سوى قانون العسكر، وهو قانون غاب، الغلبة فيه لمن يحمل السلاح ويمتلك القوة ولا حرج أمامه فى قتل من يشاء وترك من يشاء، وما الدستور عندهم إلا خدعة يسكتون بها (التيارات المدنية)، يقولون لهم: تريدون دستورًا؟ ها هو الدستور، ثم يتناجون فيما بينهم: (خليهم يتسلوا)، وهكذا يدَعون الموهومين منشغلين بالدستور ومواده، وينفذون هم ما تمليه عليهم ضمائرهم الخربة ونفوسهم المريضة من الفتك بالملايين، وتهيئة الظروف والملابسات –على طريقتهم- لمنع الخروج عليهم أو المطالبة بإبعادهم عن السلطة.
تعديل الدساتير فى الدول المحترمة والأمم الراقية يكون بإرادة الشعب وليس لرغبة حاكم، ويكون لمصلحة عامة وليست خاصة، ويهدف إلى التوسعة على الناس فى معاشهم وحرياتهم وتنقلاتهم، أما عند العسكر فيكون نسفًا لما تبقى من حريات، ووأدًا لحقوق المواطنين، وتقنينًا للديكتاتورية والاستبداد، وما أسهل أن ينسفوا دستورًا ويأتوا بآخر أسوأ منه، هذا ديدنهم وتلك صناعتهم؛ فما دخل العسكر بلدًا إلا أفسدوا ماءه وهواءه، وما حلوا بقرية إلا جعلوا أعزة أهلها أذلة.
وأبشركم بأنه ستنظم الحملات المأجورة خلال الفترة المقبلة التى تدعو إلى ضرورة وحتمية وأهمية تمديد ولاية (الرئيس) وإلا أصبحنا مثل سوريا والعراق وليبيا واليمن؛ فهو من أنقذ مصر من الضياع، وقد وضع روحه على كفه، وخاطر بنفسه، وكان عُرضة للموت فى أية لحظة، ثم إن ثمانى سنوات ليس كافية لاستكمال مسيرته البهية فى النهوض والإصلاح؛ فهو بحاجة إلى مثلها ليخرجنا من الظلمات إلى النور، ومن الغم إلى الحبور.. ثم تبادر الأصنام التى فى البرلمان بإقرار المادة التى تعدل الدستور بالإجماع، وتثنى على من سيُعَدَّل له الدستور، يقولون لولاه ما كنا ولا عشنا ولا صرنا.
سيان إذًا أن يُعدَّل الدستور أو لا يُعدَّل، أو يتم إلغاؤه من الأساس ونظل بدون دستور؛ فهذا دستور ميِّت، وقوانين ليست لها قيمة، ولو كان لها قيمة ما تعطلت هيئات الدولة ومؤسساتها القضائية فى مصر المحروسة وخضعت خضوعًا تامًا للحاكم العسكرى، وما سُجن عشرات الألوف دون تهم، وما قُتل نحو عشرة آلاف شخص إلا أن يقولوا ربى الله دون أن يقتص من القتلة. هؤلاء طائفة لا يستحيون من الله وهو معهم، ويستحيون من (ترامب) و(نتنياهو) وأؤكد: السبب الوحيد الذى يمكن أن يؤخر التعديل أو يمنعه هو عدم رغبة الراعى الأمريكى أو الأخ الصهيونى، وخلاف هذين فهؤلاء لا يشغلهم أحد، ولولا سخرية يخشونها لأوقفوا الدستور نهائيًا ولقالوا: ماذ يفعل الدستور فى (بلد ضايع).
أضف تعليقك