• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: وائل قنديل

هل يحتاج عبد الفتاح السيسي تعديلًا دستوريًا، كي يبقى في السلطة، ولا يغادرها إلا على ظهره، بحيث يكون تاريخ انتهاء رئاسته هو اليوم الأخير في عمره؟

لا أظن أن هذا الهاجس يشغل عبدالفتاح السيسي، كونه يدرك، إلى حد اليقين، أنه لا يوجد أدنى تهديد لسلطانه، عبر الآليات السياسية (الانتخابات)، إذ يعرف كيف يصنع شكلًا انتخابيًا، يمرّ به من مدة إلى مدة، كما يعلم جيدًا أنه قضى على أية ملامح، أو احتمالات حياةٍ سياسية، تقوم على المنافسة.

السؤال هنا: لماذا هذه الرغبة المتأججة لدى السيسي للعبث بالدستور وإعادة هندسته؟ الشاهد أن الجنرال المهيمن على السلطة، بانقلاب عسكري مكتمل، لا يزال مسكونًا بهاجسٍ وحيدٍ، يقول له إن الخطر الوحيد الذي يمكّن أن يهدّد عرشه هو ثورة شعبية، على غرار ما حدث في 2011، وبالتالي من المهم اتخاذ ما يلزم، لتدمير أية احتمالات ثورة.

وبالنظر إلى أحدث رسائل السيسي، الموجهة أمس بعلم الوصول، عبر ذراعه الإعلامي المقرب، ومؤلف أحلامه المبكرة، في صحيفة أخبار اليوم، فإن مربط الفرس في تعديل الدستور هو فك الارتباط بين ثورة يناير 2011 وانقلاب 30 يونيو 2013، وهو الارتباط التي تجسّده فقرة مقتضبة في الدستور الحالي، تعترف ب "25 يناير" ثورة شعبية.

يقول السيسي على لسان صائغ أحلامه في أخبار اليوم ما يلي: أرى أن المصلحة العليا للبلاد التى أحسبها مهدّدة اعتباراً من شتاء 2021/ 2022، تقتضى إضافة مادة إلى الدستور تنص على إنشاء مجلس انتقالي، مدته خمس سنوات، تبدأ مع انتهاء فترة رئاسة السيسي، هو مجلس حماية الدولة وأهداف الثورة. على أن يترأس المجلس عبدالفتاح السيسي بوصفه مؤسس نظام 30 يونيو، ومطلق بيان الثالث من يوليو".

هذه الفقرة تصنع من السيسي رئيسًا للرؤساء، أو تضعه فوق منصب الرئاسة مدى الحياة، والرئيس الأعلى لنظام الحكم، حيث تشرح الفقرة التالية لها الأمر، بنصها على "ويتولى المجلس كمهمة رئيسية له اتخاذ التدابير الضرورية عند تعرّض الدولة لمخاطر، تستهدف تقويضها أو الخروج على مبادئ ثورة 30 يونيو".

هنا يتضح الهدف الأول لتعديل الدستور، وهو المحو التام لثورة 25 يناير من التاريخ المصري، والإعلان صراحة أن ما جرى في 30 يونيو/ حزيران 2013 كان انقلابًا عسكريًا، قامت به القوات المسلحة، من أجل عسكرة الحكم في البلاد إلى الأبد، ومن ثم توجيه الرسالة الأهم إلى من يتمسّكون بحلم التغيير الديمقراطي، تقول إن على من يفكّر في التغيير أن يخوض صراعًا مع الجيش. ولا يتركنا السيسي للتخمينات هنا، إذ يتبع ذلك بفقرة شديدة الوضوح، يقول فيها نصًا "ليست بدعة تنفرد بها مصر، إذا استحدثت مادة جديدة، أو أضيفت فقرة إلى المادة 200 الخاصة بمهام القوات المسلحة، تنص على أنها هي الحارس على مبادئ ثورة الثلاثين من يونيو، وأهداف بيان الثالث من يوليو".

يبقى الهدف النهائي هنا هو حشد القوات المسلحة لوظيفتها الجديدة، في توقيتٍ له دلالته الصريحة، قبل أن نستهل يناير/ كانون ثاني شهر الثورة، وهي إعلان الحرب على أي مطالب للتغيير، يعتقد أصحابها أنه في الإمكان اجتراح معجزة ثورة يناير مرة أخرى.

وبالنظر إلى المشاهد الأخيرة في 2018، ستجد أن السيسي أنهاه بذلك العرض المثير لحسني مبارك في قاعة المحكمة، مدليًا بشهادته الزور على ثورة يناير، باعتبارها مخططًا أجنبيًا، في إطار مؤامرة على مصر، ثم استدعاء فزاعة الإرهاب، لتضرب في قلب القاهرة مجدّدًا، مع الربط بين يناير والإرهاب، ومن ثم صناعة المناخ الأمثل لكي يفصح عما ينتوي الإقدام عليه، لكي يحمي البلاد من العدو (الثورة) بتوريط المؤسسة العسكرية على نحوٍ أعمق للحرب على دعوات التغيير الديمقراطي، وكأنه يستلهم التجربة السورية في محاربة الثورة.

باختصار، لا يخرج مضمون رسالة السيسي في 2019 عن أنه لا تغيير إلا بانقلاب عسكري جديد.

أضف تعليقك