بقلم: قطب العربي
لم نعد بحاجة بعد اليوم للتدليل على تلك الخيانة التي تجسدت واقعا من قبل في العديد من المواقف والقرارات والتصريحات.
اعترافات عبد الفتاح السيسي لبرنامج 60 دقيقة في قناة CBS الأمريكية بشأن تعاونه مع جيش الاحتلال الإسرائيلي في سيناء هو سيد الأدلة على خيانته لوطنه.
لم نعد بحاجة بعد اليوم للتدليل على تلك الخيانة التي تجسدت واقعا من قبل في العديد من المواقف والقرارات والتصريحات والتي كان أشهرها التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير (ظاهريا للملكة العربية السعودية بينما كان التنازل في الحقيقة للكيان الصهيوني) ..
وقل مثل ذلك عن منح ألف كيلو متر لمشروع نيوم السياحي السعودي من أرض سيناء، وقل مثل ذلك وأكثر منه عن تهجير أهل سيناء، وتدمير منازلهم وزراعاتهم لإخلاء مساحات واسعة من الأراضي الملاصقة للشريط الحدودي تمهيدا لتنفيذ صفقة القرن التي وعد السيسي الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بمساعدته في تنفيذها.
السيسي الذي أكد في حواره (الفضيحة) أن التعاون مع إسرائيل حاليا هو الأوثق على الإطلاق كان يتجه بحديثه للرأي العام الأمريكي محاولا كسب تعاطفه بعد أن فقد شعبيته في مصر ..
وقد صورت له شركة العلاقات العامة التي دفع لها الملايين من أموال الشعب المصري لتحسين صورته أن إعلان تعاونه -الذي ظل سريا من قبل- مع جيش الاحتلال الإسرائيلي هو الذي سيكسبه تعاطف الرأي العام الأمريكي والغربي.
لكن الشركة لم تنتبه أن هذا الكلام يمثل صدمة للرأي العام المصري والعربي الذي فشلت جهود عقود ماضية في إجباره على التطبيع مع الكيان الصهيوني، وحين أدرك بعض المحيطين بالسيسي هذا الفخ فإنهم سارعوا بطلب وقف بث البرنامج، وهو مالم تستجب له القناة الأمريكية.
هاهو السيسي متلبسا بالخيانة إذن، ومن أوسع أبوابها، وباعترافه بـ”عضمة لسانه”، وهو ما يستوجب محاكمته بتهمة الخيانة العظمى، وهي التهمة التي يُحاكم بها ظلما أول رئيس مدني منتخب بزعم التعاون مع حركة حماس التي تقاوم الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية.
وبطبيعة الحال لن يمكن محاكمة السيسي بينما هو في قصر الاتحادية ، لكن التهمة لن تسقط بالتقادم، وحتما ستأتي لحظة الحساب على خيانة الوطن، والإساءة للقوات المسلحة التي ورطها السيسي في تعاون عملياتي مع جيش الاحتلال الإسرائيلي في سيناء، وهو الجيش ذاته التي قامت عقيدته العسكرية على اعتبار الكيان الصهيوني عدوا.
كما أن الإعلان عن هذا التعاون يعني أن الجيش المصري منفردا عجز عن تحقيق مهمة القضاء على الإرهاب في سيناء ضد ألف مسلح فقط، واحتاج لدعم جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي وصفه السيسي نفسه من قبل بأنه يشبه السيارة المرسيدس بينما وصف الجيش المصري بأنه يشبه السيارة السيات، وهو ما مثل إهانة بالغة أيضا للجيش المصري الذي يفاخر بأنه ضمن أهم عشرة جيوش عالميا.
بمباركة إسرائيلية
التعاون العسكري بين نظام السيسي والكيان الصهيوني قائم منذ اليوم الأول لانقلابه على السلطة الشرعية في 3 يوليو 2013 وهو الانقلاب الذي تم بمباركة إسرائيلية اعترف بها رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو شخصيا.
لكن السيسي ورجاله ظلوا حريصين على إخفاء هذا التعاون الآثم، وظلوا يروجون للشعب المصري أن مصر تتعرض لمؤامرة صهيونية عالمية!!!
لأنهم يدركون مشاعر الشعب تجاه الصهاينة، والتي فشلت كل محاولات تطويعها نحو التطبيع، إذ كان مشهد إحراق العلم الإسرائيلي تقليدا ثابتا في المظاهرات المصرية قبل ثورة 25 يناير، كما كان مشهد اعتلاء سطح السفارة الإسرائيلية في القاهرة خلال أيام الثورة، وإنزال العلم الإسرائيلي وإحلال العلم الفلسطيني محله كاشفا لتجذر العداء الشعبي المصري للمشروع الصهيوني.
عمليات الجيش في سيناء ضد تنظيم داعش الإرهابي ممتدة على مدار السنوات الماضية، وقد جرد السيسي حملة شاملة (سيناء2018) منذ مطلع فبراير/شباط الماضي، وحدد لها مدة 3 أشهر للقضاء على الإرهاب في سيناء ..
وكان التكليف لقائدها على الهواء مباشرة أمام الراي العام، وقد انتهى العام 2018 دون انتهاء للحملة، إذ لا يكاد يمر أسبوع دون وقوع عملية مسلحة جديدة ضد قوات الجيش كان أحدثها مقتل وإصابة 5 مجندين في تفجير سيارة عسكرية في رفح الثلاثاء 8 يناير.
وقبل عامين من بدء الحملة الشاملة استعان نظام السيسي بقوات جيش الاحتلال الإسرائيلي سواء قواته الجوية أو عناصره المخابراتية، وهو ما أكدته صحيفة نيويورك تايمز يوم 3 فبراير إذ كشفت عن قيام الطيران الإسرائيلي بتوجيه أكثر من 100 ضربة جوية داخل الأراضي المصرية ضد الجماعات المسلحة في سيناء بموافقة عبد الفتاح السيسي شخصيا.
ورغم أن المتحدث العسكري نفى لوكالة سبوتنك الروسية هذا التقرير (لم ينفه بشكل رسمي على صفحته الرسمية) إلا أن عبد الفتاح السيسي عاد ليؤكده خلال حديثه لقناة CBS ، مدعيا أن القوات الجوية المصرية بحاجة للتعاون في طلعاتها الجوية التي تضطر أحيانا إلى دخول الأجواء الفلسطينية المحتلة، وهو بذلك يريد تبرئة أصدقائه الصهاينة من المساءلة القانونية عن قتل الأبرياء وتدمير ممتلكاتهم في سيناء.
لم يقتصر موقف السيسي على التعاون المباشر مع قوات الاحتلال وهو ما يمثل جريمة خيانة عظمى، إلا أنه يبذل جهودا مضنية لتطويع الشعب المصري مجددا للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وإعادة تشكيل الوعي المصري تجاه العدو، إذ كرر في 18 أبريل 2018 في ندوة تثقيفية للقوات المسلحة مقولته المفضلة بأن السلام أصبح فى وجدان المصريين محذرا من العودة إلى أجواء العداء التي كانت قائمة من قبل. كما كرر هذه اللغة الانهزامية في يوم 16مايو 2018 ـفي المؤتمر الخامس للشباب بأن مصر لا تستطيع أن تفعل شيئا لأنها صغيرة وضعيفة وبلا تأثير، تعليقا على القرار الأمريكي بنقل السفارة إلى القدس، وما تلاه من مذابح إسرائيلية للفلسطينيين على حدود قطاع غزة..
ومع تبادل الزيارات السرية للسيسي ونتنياهو سمحت السلطات المصرية لأول مرة للسفارة الإسرائيلية بالاحتفال علنا بما يسمى عيد الاستقلال (الذي هو يوم إعلان قيام كيانهم الغاصب على الأرض الفلسطينيية المحتلة) على مشارف ميدان التحرير (ميدان الثورة المصرية) في فندق الريتز كارلتون، وبحضور شخصيات موالية لنظام السيسي.
مفاخرة السيسي أمام الأمريكان بتعاونه العسكري مع جيش الاحتلال الصهيوني هي طعنة جديدة منه في قلوب المصريين الذين حافظوا على موقفهم الرافض للتطبيع منذ اتفاقية كامب ديفيد 1978 وحتى الآن. ودليلنا على ذلك عدم قدرة أي إسرائيلي التحرك بحرية في شوارع مصر خوفا على حياته.
كما لن تسمح له السلطات المصرية نفسها بالحركة إلا في ظل حراسة، ومهما فعل عبد الفتاح السيسي لتغيير عقيدة المصريين ( عسكريون ومدنيون) تجاه كيان غاصب فلن ينجح؛ فهو ليس أشطر من السادات أو مبارك، والجيل الحالي من المصريين ليس أقل وفاء لدماء شهدائنا في سيناء وبحر البقر والمنصورة، وليس أقل وفاء للقضية الفلسطينية عن الأجيال السابقة، والشارع بيننا.
أضف تعليقك