بقلم: عز الدين الكومي
لا يخرج أحد من السجن إلا بفرمان من السجان؛ لأنه لا بد من تطبيق قانون السجن على كل المصريين سواء كان وزيرا أو خفيرًا، دعّم الطاغية أو عارضه.
القرار يمنع سفر كبار العاملين بالدولة، من رئيس الوزراء والوزراء ونوابهم ورؤساء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية، لمهام عمل بالخارج إلا بإذن مسبق من قائد الانقلاب.
وقد نص القرار في المادة الأولى، على أن “يكون الترخيص بالسفر للخارج في مهام رسمية أو لأعمال تتعلق بالوظيفة بقرار من رئيس الجمهورية، لكل من رئيس الوزراء ونواب رئيس الوزراء ووزراء الدفاع والداخلية والخارجية والعدل ورؤساء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية والأمنية ونوابهم، وأن نص القرار يسري على كل من يشغل وظيفة أو يعين في منصب بدرجة رئيس مجلس وزراء أو نائب رئيس مجلس وزراء”.
وقد ذهب أهل التحليل فى تحليلاتهم مذاهب شتى فى تناولهم لآثار هذا الفرمان، الذى يشبه تصرفات الحاكم بأمر الله الشاذة، الذى حرم على المصريين أكل الملوخية والجرجير، وأجبرهم على العمل ليلا والنوم نهارا.
فقال البعض ربما يكون المقصود من هذا الفرمان شيخ الأزهر لتصفية حسابات معه؛ بسبب مواقفه الأخيرة التى أغضبت قائد الانقلاب، حتى يجبره على الاستقالة، ولكن بعد إهانته وإذلاله.
ولكن الأمر لا يخرج عن كونه حالة من حالات جنون العظمة، وحكم المستبد، الذى يسعى لفرض سيطرته، وجمع كل السلطات فى يده، أو أنه نوع من التسلط والتحكم والهيمنة المطلقة على الحكومة والهيئات المستقلة والرقابية، وإهانة منصب شيخ الأزهر بإجباره على الحصول على إذن قبل السفر.
رغم مشاركته في مشهد 3 يوليو 2013، عندما ظهر وهو على يسار قائد الانقلاب، وهو يتلو بيان الانقلاب بعزل أول رئيس مدني منتخب ديمقراطياً في البلاد، الدكتورمحمد مرسي، من منصبه.
لكن فى المقابل لم يشمل الفرمان حظر السفر على بابا الكنيسة، لأنه يعلم أن أمريكا لا تقبل بإهانة تواضروس.
يا دولة من بقايا الظّلم طاف بها
عادي الفناء فأمسى نجمها غربا
زولي فما كنتِ إلّا غمرة ً كشفت
عن النّفوس وإلّا مأتماً حُجبا
زولي إلى مغرقٍ في البعد مُنقطع
لا يستطيع له مستعتبٌ طلبا
عناية الله لا تُبقي على دولٍ
يلقى الخلائق منها الويل والحربا
ترى الشّعوب عبيداً لا ذمام لها
يبني المعاقل مُغترّاً بمنعتها
ويحشد القذف الفوهاء والقضبا
ويجلب الصّافنات الجرد يطربه
صهيلها ويعدّ الجحفل اللّجبا
حتّى إذا انتفضت بالشّعب ثورته
أذلّه ما احتوى منها وما جلبا
إن مزبلة التاريخ تنتظر كل مغرور متجبر متكبر، يرى من تجبروا قبله وكيف كانت مصائرهم فى الماضى والحاضر، من هلاك فرعون حتى زوال عروش طواغيت العرب، ومع ذلك يظل مستكبرا معاندا، وكأنه يعيش فى كوكب آخر، وكأنه ضمن لنفسه ثبات ملكه واستمرار حكمه، ونسى قول الله تعالى: ( وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ) ، حتى مع هذا الوعيد الشديد الذى يقرع قلوب الظالمين، الذين اغتروا بإمهال الله لهم، وأنه تركهم يتقلبون في البلاد آمنين مطمئنين، فظنوا أن هذا لحسن حالهم،وطيب صنيعهم، أورضى من الله عن حالهم، لكن هيهات فإن الله يملي للظالم ويمهله ليزداد إثما، حتى إذا أخذه لم يفلته.
ولنا العبرة فى قصة الفاروق العادل- رضى الله عنه- عندما بعث كسرى رسوله الهرمزان ليفاوض عمر رضي الله عنه، فلم يجد له قصرا!.
فأين مجلس الشورى ومقر الملك والرئاسة؟! لا يوجد، قالوا له: في المسجد، فدلوه على المسجد ولم يجده، فبدأ يتجول في المدينة بحثا عن عمر، ليجده أحدهم نائما تحت ظل شجرة، نومة يحسده عليها حكام هذه الأيام، بل يتمناها كل ملك لم يعدل بين رعيته في القديم والحديث.
حضر الهرمزان ووقف عند رأس عمر وقال قولته الشهيرة: حكمت فعدلت فأمنت فنمت!!
وعندما كتب أحد الولاة لعمر بن عبد العزيز يطلب منه أموالا ليبني سورا لتحصين المدينة، فقال له عمر: حصنها بالعدل، ونقِّ طرقها من الظلم.
وأخيراً يقول ابن القيم رحمه الله:
“سبحان الله كم بكت في تنعم الظالم عين أرملة واحترقت كبد يتيم وجرت دمعة مسكين، كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون ولتعلمن نبأه بعد حين، ما أبيض لون رغيفهم حتى أسود لون ضعيفهم، وما سمنت أجسامهم حتى انتحلت أجسام ما استأثروا عليه، لا تحتقر دعاء المظلوم فشرر قلبه محمول بعجيج صوته إلى سقف بيتك، ويحك نبال أدعيته مصيبة وإن تأخر الوقت، قوسه قلبه المقروح ووتره سواد الليل وأستاذه صاحب لأنصرنك ولو بعد حين، وقد رأيت ولكن لست تعتبر، احذر عداوة من ينام وطرفه باك يقلب وجهه في السماء يرمي سهاما ما لها غرض سوى الأحشاء منك، فربما ولعلها إذا كانت راحة اللذة تثمر ثمرة العقوبة لم يحسن تناولها، ما تساوي لذة سنة غم ساعة فكيف والأمر بالعكس”.
أضف تعليقك