بقلم: عامر شماخ
هذا سؤال يلقيه من فقدوا العزم وظنوا أن الأيام على وتيرة واحدة، وتصوروا أن المعالى بالتمنى فلم يريدوا أن يبذلوا صبرًا ولا جهدًا، وقد فُتنوا بما قال خصوم الثورة من أنها لن تتكرر، وثقوا بما قالوا ولم يثقوا بما قال الله والرسول؛ ونسوا أن لله قدرًا وناموسًا هما رهن مشيئته؛ فإن شاء أبقى وإن شاء أهلك.
لا يزال أنصار الثورة المضادة يهيلون على ثورتنا التراب؛ ليصرفوا عنها أصحاب الإرادات الضعيفة والأجيال الصغيرة، فيراهنون على أن لن تقوم لها قائمة، وهذا ضد قوانين السماء؛ إذ التغيير واقع لا محالة إذا كثر الخبث، ويراهنون على انشغال الناس بلقمة العيش و(تربية العيال)؛ من أجل ذلك فإنهم يزيدون عليهم كل يوم أعباء جديدة فيدور المساكين فى رحى الشقاء ليل نهار فليس هناك متسع لرفاهية السياسة، ويراهنون على كرّ الأيام وما يتبعها من نسيان، وما يقع فيها من أحداث تطغى على حدث الثورة…
غير أن كل ذلك لن يُنسى الناس ذلك اليوم الأغرّ، وتلك الأيام التى تلته؛ ذلك أنها لم تكن حفلاً واختتم، أو سوقًا وانفضّ، بل كانت صاعقة على المفسدين، هزت أركانهم، وقطعت أوصالهم، وتركت آثارها التى لا تمحى من نفس كل أبىّ. وإذا كانت الأمم القديمة تؤرخ لنفسها بالأحداث الجليلة فالحال نفسه يتكرر مع 25 يناير 2011 إذ صار المصريون يؤرخون به؛ دلالة على أن الثورة لا زالت فى أعماقهم رغم مرور السنين وتعاقب الأيام.
وإذا كان من فقدوا العزم يقنطوننا من روح الله بادعاءات مثل الثوار فى السجون ولا أحد يعمل للثورة أو يهتم بها، أو أن ما تحقق ضاع ولن يعود، وأن البلد تراجع مائة خطوة للوراء ومن المحال أن يمتلأ ميدان التحرير بالثوار مرة أخرى -نقول: إن هذا ما يراهن عليه أعداء الثورة؛ أن تصلوا لتلك الحالة من اليأس والإحباط، فتفقدوا الرغبة فى كل شىء، حتى فى الثورة التى اعتقدتم يومًا أنها تستحق بذل النفس والمال؛ وهذه حرب نفسية تعتمد على هزيمة الخصم من داخله، وإرهاقه بالأقوال والشائعات، وتزييف الواقع وتضخيم قوتهم وإمكاناتهم، وهذه أمور لا تفتُّ فى عضد الصادقين، الواعين السالكين دروب النضال والجهاد ضد سارقى الوطن ناهبى الثروات وكلاء الصهاينة فى بلادنا.
مهما بدت الثورة المضادة مسيطرة على مقدرات البلاد والعباد، ومهما بدا الناس منشغلين عن الخروج على الظالمين المجرمين، ورغم تعثر الربيع العربى وعدم نجاحه فى إتمام ثوراته فى بلادنا المنكوبة -رغم كل ذلك يبقى التطور الرائع فى وعى جماهيرنا العربية المسلمة، التى باتت تفرّق بين الحق والباطل، والصح والغلط، وهو وعى صار متجذرًا، ولم يزل يتطور حتى تستعرّ النار تحت الرماد، وحتى يبقى وهج الثورة وتطلعاتها فى نفوس السواد الأعظم من الشعب، وحتى تتوارثها الأجيال الصغيرة التى يراهن أعداء الثورة على تربيتها على أعينهم وتفريغ أدمغتهم مما يمتّ للسياسة والسياسيين بصلة.
ستبقى الأجواء مشحونة، والأوضاع متوترة ولن ينعم بلد مما أجهضت فيه الثورة باستقرار؛ إلا أن يتحقق حلم اليقظة المسكون فى باطن كل عربى، ولسوف يتحقق عاجلاً أو آجلاً، إنهم لا يحلمون بمعصية ولا تداعبهم مشاهد الإثم، إنما يحلمون بأن يكون بلدهم أحسن البلدان، وألا يُحرموا من حق من حقوق الإنسان مما تقرر فى أعراف الناس، وسيتحول هذا الحلم إلى رغبة ملحة فى الجهاد لأجل تنفيذه على أرض الواقع: عزة وكرامة وعدالة اجتماعية.
فليراهن خصوم الثورة على كل شىء، ونحن نراهن على قدرة الله وقوته، وعدله وقسطه، وفضله ورحمته ولا مجال للمقارنة بين الفريقين. نعم هم يسيطرون، وينتقمون، ويمنعون ويمنحون كأنهم قادرون على الأرض؛ لكن هل راجعوا التاريخ القريب وقد سكنوا مساكن الذين ظلموا وتبين لهم كيف فعل الله بهم؟ فإن لم يكونوا أهلاً للموعظة فإن أجل الله الذى إذا جاء لا يؤخر هو خير واعظ؛ فمن ظنوا أنهم مانعتهم حصونهم أتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف فى قلوبهم الرعب، وهم عُرضة لأن يكونوا مثلاً يُضرب فيمن أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر…
ستبقى ثورة يناير فجرًا يلوح فى الأفق، يتراءى لكل من يتوق إلى الكرامة والحرية، ولن يغيب هذا الفجر أبدًا ما بقى الناس على عهد الثورة وأيمانها، واثقين أنهم على الحق وأن خصومهم على الباطل، وأن الحق منتصر، وأن الباطل منخذل، ولن يطول عهد هذا الباطل الكاذب المنتفش.
أضف تعليقك