بقلم عامر شماخ
إذا كانت ثورات الربيع العربي لم تكلل بالنجاح سوى فى دولة واحدة، هى تونس، وهى التى أطلقت الشرارة الثورية إلى باقى دول المنطقة -فهل نجحت فى المقابل الثورات التى أجهضتها فيما يُعرف بـ«الثورات المضادة»؟ دعونا نتأمل الواقع ونحلله لنحكم: هل نجحت هذه الثورات أم فشلت؟ وما دلائل نجاحها؟ وما أمارات فشلها.
فى الحقيقة أن البلاد العربية التى شهدت مواجهة بين الطرفين لا زالت تعانى الأمرّين، رغم مرور ثمانى سنوات على انطلاق ثورات الربيع العربى، ولا يزال الصراع مشتعلاً فى غالبية هذه الدول وبشكل صريح فلم يحسم لأحد الطرفين، وحتى الدول التى ليس بها صراع صريح ومواجهة علنية فإنها تعانى تخبطًا وتوترًا وفوضى ينزع عنها صفة الدولة، بل باعتراف قادة الثورات المضادة أنفسهم فإن بلادهم «أشباه دول» وليست دولاً مستقرة أو ذات سيادة.
نقِّل عينيك حيث شئت وأخبرنى: أي دولة من دول الثورات المضادة قد استقرت أوضاعها أو خمدت قلاقلها؟ لا تزال الحرب مستعرة فى سوريا وقد أكلت الأخضر واليابس، ولا زال النظام الدموى يستجدى الاعتراف به، وصار اليمن عشرين بلدًا يعانى المجاعة والدمار، والأمر نفسه فى ليبيا، حتى مصر التى يعتبرونها قد تفادت بالانقلاب العسكرى ما وقع فى البلاد الأخرى؛ فإنى أراها في وضع هو الأصعب، وأن أيامها حبلى بالفاجعات إن لم يتداركها الله برحمته.
كان الربيع العربى حلمًا جميلاً، عاش أهله يخططون بمستقبل واعد بعد عقود من التخلف والفساد، كان الأمل فى حكم ديمقراطى رشيد، وتداول للسلطة، واستقرار سياسى، ونمو اقتصادى، وسلام اجتماعى.. لكن تبخرت كل هذه الأحلام مع ظهور (العفريت) المسمى الثورات المضادة التى كان يهدف مشعلوها الردة إلى عالم الفساد وأجواء التخلف التى لا يحيون إلا فيها، ناهيك عن أن هذا هو هدف أعداء الأمة الذين اتفقوا على أن هزيمتها لن تكون بالمواجهة المسلحة وهى أمة الجهاد، وهو فريضتها الماضية إلى يوم القيامة، إنما تكون هزيمتها بتولى أجلافها وفساقها مقاليد الحكم ومقود البلاد. من أجل ذلك كان الصراع بين الشعوب من جهة وتلك الطغمة الباغية من جهة أخرى، ولو أنهم جاءوا تلبية لاستدعاء الشعب لهم -كما يدّعون- لاستقرت لهم الأمور، ولخطوا فى سبيل التقدم والحضارة خطوات وخطوات.
ليس هناك إذًا دليل واحد على أن الثورات المضادة قد حالفها النجاح؛ فليس هناك استقرار سياسى، بل قل: ليست هناك حياة سياسية من الأساس، بل جيوش فى مواجهة الشعوب، وديكتاتورية واستبداد، وقتل وسجون وتعذيب، ومصادرات واغتصابات ومحاكمات ملفقة. ولو حالفها النجاح لكان هناك اقتصاد مستقر، وليس كما نرى من عوز وبطالة، وغلاء وتضخم واقتراض من الشرق والغرب، كما ليس هناك سلم بين الناس، ولا أمن اجتماعى، والخوف هو سيد الموقف، الشعب يخاف الجيش، والجيش يخاف الشعب، والناس يتعاملون مع أنفسهم على حذر، والانقسام يضرب الأمن القومى فى مقتل، وكل الطرق تؤدى إلى زوال ما يعرف بـ”المواطنة والانتماء”.
ولو كان في المنقلبين على ثورات الشعوب رجل رشيد لحسموا الأمر، ولاعترفوا بالواقع لعلمهم أن لن يكون لهم الغلبة على شعوب طلّقت السخرة، وكفرت بالاستبداد بعدما ذاقت طعم الحرية والكرامة وعلمت أن تلك هى فطرة الله التى فطر الناس عليها.. لكن يبدو أن من يقودون هذه الثورات الحرام قد فقدوا عقولهم فلم يفكروا سوى فى الانتقام ممن يريدون الفكاك من أسر استبدادهم وفسادهم، بل يرونهم شوكة فى حلوقهم يلّحون فى الخلاص منها ولو بأى ثمن. وهذا تفكير عقيم وجهل وغباء، فإن رغبات الشعوب لا توقفها قوة، ومطالب الأحرار لا محالة متحققة ولو بعد حين.
أرى أن الشعوب لم تستسلم للمنقلبين حتى الساعة، ولن تستسلم، وأراها عصية عليهم، واعية تمامًا فلم تعد تنخدع بما يسوّقونه لنجاحات وهمية ووعود كاذبة، وأرى معسكر المعارضين لهم يزداد عددًا وعدة، فى حين يخسرون هم كل يوم أرضًا جديدة؛ فيلجئون إلى تصفية الخصوم، ويوجهون موارد الدول إلى شراء الأسلحة وبناء السجون لمواجهة هذا الخصم العنيد، وهكذا يسيرون خبط عشواء من دون رؤية، في أجواء خانقة تبحث أثناءها الشعوب المقهورة عن مخلّص لما أصابها من كوارث على يد هؤلاء العاقّين.
أضف تعليقك