بقلم: عز الدين الكومي
يقولون دايما إن الفكرة تواجه بالفكرة، والحجة بالحجة، ولا يفل الحديد إلا الحديد، ولكن الأمر يختلف بالنسبة للثورات، فالثورات لا تواجه بالقمع والقهر، ولكن بإصلاح وتغيير الأسباب التى من أجلها اندلعت الثورة، ولكن فى ثورات الربيع العربى، وبدعم إقليمى ودولى تم مواجهة الثورات بمزيد من القمع والقتل، والآلة الإعلامية تبث الأكاذيب، بأن تلك الثورات كانت مؤمراة لزعزعة الإستقرار، حتى لانكون مثل سوريا والعراق.
وأصحاب نظرية أن الثورة كانت مؤامرة، يدللون على ذلك بأن أمريكا تآمرت على حسني مبارك- الكنز الاسترتيجى للصهاينة- والسؤال هنا كيف تتآمر أمريكا على أحد عملائها المخلصين؟ وأن أمريكا دربت مجموعة من الشباب على التظاهر للإطاحة بنظام حسنى مبارك، هل التظاهر والهتاف يحتاج إلى تدريب وعمل بروفات؟.
ولعلم هؤلاء أن أمريكا، التى يزعمون أنها صاحبة مؤامرة ثورة يناير، وبحسب تصريحات “هيلارى كلنتون”وزيرة الخارجية الأمريكية، أن أمريكا ظلت داعمة لنظام مبارك حتى آخر لحظة.
ولم تتحرك الولايات المتحدة لدعم الثورة إلا بعد أن تيقنت بأن بقاء نظام مبارك أصبح مستحيلا، الأمر الذى أغضب كلاً من الصهاينة والملك عبدالله،فمارسا ضغوطاً عدة على “أوباما” حتى تستمر أمريكا فى مساندة نظام مبارك .
ثم أن الشباب الذى خرج فى يناير كان غاضبا من تفشى الفساد ، الذي انتشر الفساد في كافة نواحي الدولة ، فقامت الثورة ضده لاقتلاعه فضلاً عن اشتداد القبضة الأمنية ، وتزوير انتخابات 2010 ،ولذا كانت المطالب محصورة فى عيش حرية عدالة اجتماعية ، وعندما انضمت الجموع الشعب للثورة فى الشارع تغير الهتاف إلى “الشعب يريد إسقاط النظام”.
ولقد أدت ثورة يناير،إلى انتشار الفكر الثوري الشعبي للمطالبة بالإصلاح والتغيير ، وكان القاسم المشترك بين كل الثورات والاحتجاجات هو الشعار “الشعب يريد إسقاط النظام” وذلك لفشل هذه الأنظمة العسكرية القمعية فى إيجاد حلول للمشاكل المتراكة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولايعنيهم سوى الإستمرار على الكرسى، واستخدام ألة القمع وتزوير إرادة الشعوب وإفقارها وإذلالها .
وما يمكن قوله هنا ، أنه بالرغم من مرور ثمانى سنوات من عمر الثورة إلا أنها ما زالت حية نابضة في قلوب المصريين، وسوف تتوالى موجات المد الثورى ولن تتوقف، لأن أهداف الثورة لم تتحقق بعد.
وإذا كانت الثورة قامت لرفض الظلم والاستبداد، ومحاربة الفساد وإهدار الحقوق والحريات، فنحن بعد 8 سنوات نجد أن الوضع أصبح مأساويا ، حيث نعيش حالة من حالات تسلط الشرطة والأمن وهو السبب المباشر لاندلاع ثورة يناير ، مع ازدياد معدلات الإختفاء القسرى والقتل خارج إطار القانون، والموت البطيئ الذى يواجه ألاف المعتقلين فى السجون والمعتقلات وأماكن الإحتجاز ، فضلا عن ازدياد معدلات الفقر وارتفاع الأسعار والأزمات الاقتصادية الطاحنة.
ناهيك عن بيع الأرض والعرض وبيع مقدرات الشعب والتنازل عن حقوق مصر التاريخية فى مياه النيل والتنازل عن الغاز ، والارتماء فى أحضان الصهاينة، وبراءة كل رموز الفساد فى العهد المباركى الفاسد.
ولكن ما يحسب للثورة أنها كسرت حاجز الخوف الذى كان يستغله الحكام، فى إرهاب وتخويف الشعب.
كما أن عرت الأنظمة البالية ، التى أوجدتها “سايكس بيكو”، فى ظل استقلال وهمى مع بقاء وكلاء المستعمر يحكمون البلاد بالوكالة، مع بقاء الهيمنة والتبعية السياسية للدول الاستعمارية مستمرة.
وبالرغم من الدعاية المضادة، من الإعلام الفاجر لإحباط الشعب، بأن الثورة كانت مؤامرة ، وأن مانعانيه اليوم من غلاء الأسعار والأزمات الاقتصادية كانت بسبب الثورة.
ومن أعظم انجازات الثورة أنها كشفت تحالف الثورة المضادة، من جيش وشرطة وقضاء وإعلام ومرتزقة النظام ، هذا التحالف سعى منذ اللحظة الأولى لإفشال الثورة والقضاء عليها.
فضلا عن ذلك أن عملية تغيير النظام العسكرى الذى جثم على صدر الشعب لمدة ستتة عقود من الحكم الجبرى العسكرى، لايمكن أن يتم تغييره بين عشية وضحاها ، لكن كما يقول المثل أن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة ، وقدبدأت الخطوة فى يناير ووسوف يتبعها خطوات كثيرة بعد سقوط كافة الأقنعة.
الثورة عرت المؤسسة العسكرية التى تعتبر الحكم المدنى خطراً على مصالحها وإمبراطوريتها الاقتصادية وزعزعة لسيطرتها على البلاد منذ انقلاب يوليو 1952، والتى وجدت فى الثورة فرصة للتخلص من شخص مبارك الساعى لتوريث ابنه السلطة، ولكنها أرجأت صراعها مع الشعب حتى، حتى تأتى فرصة مواتية فيتم لها ماأردت، للعودة إلى الحكم بذات الطريقة التى كان يتبعها نظام مبارك وأسوأ.
ويكفى ثورة يناير شرفاً، أن قادة العالم تغنوا بها:فقد قال أوباما:
يجب أن نربى أبناءنا ليصبحوا كشباب مصر.
وقال رئيس الوزراء الإيطالى: لاجديد فى مصر فقد صنع المصريون التاريخ كالعادة.
وقال رئيس وزراء النرويج : اليوم كلنا مصريون.
وقال رئيس وزراء النمسا:شعب مصر أعظم شعوب الأرض ويستحق جائزة نوبل للسلام.
وقال رئيس وزراء بريطانيا : يجب أن ندرس الثورة المصرية فى المدارس.
وقالت شبكة سى إن إن الإخبارية: لأول مرة فى التاريخ نرى شعبا يقوم بثورة،ثم ينظف الشوارع بعدها.
لذلك لا سبيل أمام الثوار، إلا توحيد الصفوف من أجل تحقيق الهدف بإسقاط الانقلاب وإنهاء حكم العسكر، بعدما استوعب الثواردرساً قاسياً لقنهم إياه العسكر، عندما انخدعوا بدعايات العسكر وشعارات الشؤون المعنوية والثورة المضادة؟
أضف تعليقك