• الصلاة القادمة

    العصر 13:46

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: سليم عزوز

تفوق “جو تيوب”، أو “يوسف حسين” على نفسه في حلقاته الأخيرة على “التلفزيون العربي”، وكان رأيي منذ البداية أن رباعي قناة “الجزيرة مباشر مصر”، ردها الله إلينا رداً جميلاً، لا يحتاج سوى للإمكانيات المالية لتكوين فرق عمل كبيرة، عندئذ سيتفوقون على “باسم يوسف” في عز مجده!

الرباعي هم “عطوة كنانة” أو “تامر جمال”، و”عبد الله الشريف”، و”محمد باكوس”، ويوسف حسين، والأخير انتقل إلى التلفزيون المذكور أعلاه، بعد إغلاق “الجزيرة مباشر مصر”، وقد وفرت له القناة الجديدة، الإمكانيات اللازمة لاعداد فريق عمل مناسب، فكانت مناسبة له للانطلاق إلى حيث يستحق، ثم كان شح المادة المستخدمة اختباراً حقيقياً لموهبته، واختباراً كذلك لفريق العمل، ودائماً تتجلى الموهبة في الظروف غير المواتية، فالمقال الذي يستهدف صاحب الموهبة، أن يمسح فيه بكرامة أحد بلاط الشوارع، مع خشيته من أن يقع تحت طائلة القانون، هو المقال الأكثر هجاء وألما من ذلك المكتوب بعيداً عن الضغط السياسي أو القانوني، ومع ضحية بلا دية!

كنت من قبل قد كتبت في هذه الزاوية، عند وقف كثير من الأذرع الإعلامية للسيسي عن العمل، أن هذا سيمثل أزمة لكثير من البرامج التي تقتات على إفرازات القوم وتمثل الأساس للفكاهة في هذه البرامج، ولو توقف دور مقدم البرامج على دور مذيع الربط بدون تعليق، لأدت هذه البرامج الغرض منها. وإن كان السيسي رحيماً بهم فلم يوقف الجميع وإنما أبقى على البعض من أذرعه، حتى لا يكون سبباً في إغلاق هذه البرامج الموجعة لنظام الحكم العسكري، ويظهر الوجع من الهجوم علىها، ومن القنوات التلفزيونية الأخرى مثل “الشرق” و”مكملين”، فلم يعد سراً أن برامج هذه القنوات وصلت إلى بيوت المصريين، بعد أن كانت المشاهدة تقتصر على الرافضين للانقلاب العسكري، وهذا الوصول يمكن أن تلمسه في “حملة الإبادة الاعلامية” التي نصبوها ضد “معتز مطر”، بمجرد توقف برنامجه لبضعة أيام، فقد انطلقوا يقولون كلاماً يعاقب عليه القانون، وإن كان لا قانون في دولة العسكر!

قالوا إن “معتز” دخل مستشفى في تركيا بعد اصابته بالجنون والإدمان ونحو هذا، وكان المستهدف أن يوحوا للمصريين أن المذيع الذي تشاهدونه بشغف “مجنون رسمي”. ولم يدروا أنهم قدموا خدمة لخصم آخر هو “أيمن نور” صاحب قناة “الشرق”، فمبلغ علمي أن خلافاً في أمر خاص بادارة القناة كان سبباً في توقف “معتز”، وأن هذا من شأنه أن يلزم “نور” بتقديم بعض التنازلات مقابل أن يعود “مطر” صاحب البرنامج “العمدة” في القناة، ومبلغ علمي أيضاً، أنه عاد بدون قيد أو شرط يرد بظهوره على هذا التشويه. محظوظ “أيمن نور” بخصومه، الذين يتصرفون كالدابة التي قتلت السيسي!

الدفاتر القديمة

إزاء الشح الذي ترتب على توقف كثير من البرامج المنتجة للمادة الخام للفكاهة، التي تقتات عليها البرامج الساخرة، ومنها برنامج “يوسف حسين”، فقد لجأ طاقم الإعداد إلى عمل خلاق، من خلال البحث في “الدفاتر القديمة” للأذرع الإعلامية للسيسي، ليقدم للمشاهد مواقفهم المتناقضة، وكان “عمرو أديب” هو هدفه في الأسبوع الماضي، فنقل حجم التناقض في موقفه من مبارك؛ من مؤيد إلى معارض يتهمه بأنه أوقف برنامجه، وهو ما أعلنه بعد الثورة، في ما عُرف بظاهرة تجاوزناها الآن، وهي ظاهرة “المتحولون”، فكثير من الإعلاميين الذين عُرفوا بانحيازهم لمبارك، انطلقوا يهاجمونه وكل واحد بدأ يتحدث عن الظلم الذي وقع عليه في عهد مبارك، وقد كانوا من أبواقه، ليلتحقوا بقطار الثورة، فكيف لهؤلاء أن يكونوا موضع ثقة لنظام عبد الفتاح السيسي؟!
وعندما بدأت كفة الثورة هي الراجحة، فإن عمرو أديب انتقل من الهجوم عليها إلى النزول لميدان التحرير، وتم طرده من هناك، كما تم طرد لميس الحديدي، التي كانت مسؤولة الدعاية عن حملة مبارك للانتخابات الرئاسية الأخيرة، لكنها قدمت نفسها على أنها من شباب الثورة وشهدائها، ومن هنا انطلقت لتوجه بوصلتها وكانت تستضيف الثوار، وماذا يريد الثائر الأرعن أكثر من أن يظهر تلفزيونيا، فيخاطبها بـ “الأستاذة لميس”. وجمع “تامر أمين”، ألوان الطيف الثوري، لا ليشتبكوا مع العهد البائد، ولكن لاظهار الخلاف في ما بينهم!

الأذكى من بين هؤلاء هو محمود سعد، فهو كان من الذين يقدمون برنامج “البيت بيتك”، باشراف وزير الإعلام اختيار جمال مبارك، الوزير أنس الفقي، وهو البرنامج الذي كان منوطاً به التبشير بالتوريث عندما تحن ساعته والدفاع عن الحكم القائم، لكن بقيام الثورة، فقد توقف عن المشاركة في التقديم، حتى تتضح الرؤية، وتذكر ناصريته القديمة، لاحظ أنه لم يتقدم باستقالته، لكنه فقط توقف، ثم جاء لميدان التحرير، ليستقبل على أنه مفجر الثورة. وناصريته يستدعيها في وقت الأزمات، ثم سرعان ما يضعها في “دولاب ملابسه” انتظارا لحاجته إليها فيقوم بارتدائها!

“رد سجون”

لقد رصد برنامج “جو تيوب” أو “يوسف شو” ليوسف حسين هذا التناقض في المواقف لعمر أديب، ويبدو أنه لامس جرحاً غائراً لدى نجل الرئيس المخلوع علاء مبارك، فقام بنشر المقطع على صفحته على “تويتر”، بمناسبة ذكرى عزل والده وتخليه عن الحكم بقوة الدفع الثوري، وكانت فرصة لـ “أديب” اقتنصها ليقول في علاء مبارك ووالده ما قال مالك في الخمر، ليس على صفحته على “اليوتيوب”، ولكن في برنامجه على إحدى القنوات السعودية، التي التحق بها بعد تعاقده مع ممثل صاحب العمل “تركي آل الشيخ”، وقد علقنا على طريقة الوزير السعودي في التعامل مع المذكور، أنه يتصرف كتاجر مواشي نزل لسوق الجمال لشراء ناقة، فأغراه ماله وما كسب، فقرر شراء كل النياق التي كانت في السوق!

“عمرو” وصف “علاء مبارك” بأنه “رد سجون”، وهو توصيف فيه من الاهانة ما فيه، وقال إنه لم يبق أن يعلمه الأدب إلا واحد رد سجون، لكن علاء مبارك غرد بأنه لا يستهدف تعليمه الأدب، ولكن تعليمه الرجولة، ثم غمز ولمز، بأن الهجوم لم يأت من صفحة عمرو أديب، ولكن من قناة سعودية وصفها علاء بـ “المحترمة”!

منذ قيام الثورة ومبارك في حماية سعودية، تعمل من أجل ألا يتعرض للاهانة إلا بقدر ما تدفع به الضرورة، ولهذا أمضى فترة حبسه في المركز الطبي، بعيداً عن السجن طيلة فترة المجلس العسكري إلا لفترات قليلة، ولم يكن طبيعيا أن تستمر هذه المعاملة بعد انتخاب الرئيس مرسي، فأدخل للسجن، وعرض الملك عبد الله أن يدفع المطلوب مقابل خروج مبارك، ونُشر تصريح لوزير العدل أحمد مكي، علقت عليه بالادانة في حينه، بأن مبارك انتهى ومن ثم فلا معنى لسجنه، ومهد لفكرة الافراج عنه بمقابل رد ما نهب!

لا نستبعد أن يكون عماد أديب قد وجد في ما فعله علاء مبارك فرصة للنيل منه، واستكمالا لمهمة بدأت بالهجوم على شقيقه الأصغر جمال مبارك من قبل صحافي آخر متحول هو ياسر رزق، والذي هاجمه واتهمه في مقال منشور بأنه وراء قيام الثورة بسوء أفعاله وسعيه لأن يرث حكم أبيه، وكان لافتاً أن ياسر نفسه كان من الفرقة الإعلامية التي تم تشكيلها لهذه المناسبة.

تحذير آل مبارك

كان الأخوان مبارك بعد خروجهما من السجن، يذهبان للأماكن الشعبية فيستقبلان بحفاوة بالغة، وهذا ما أزعج السيسي، فكان حكم الادانة في قضية واحدة هي القصور الرئاسية، بما من شأنه أن يمنع “نمو الأسرة” سياسياً، وجمال هو المستهدف لأنه لم يُعرف عن علاء طموحاً سياسياً، وإن كان ظهوره الإعلامي المكثف في نهاية حكم أبيه، دفعني للكتابة، هل انتقل إليه الاختيار، لا سيما وأن الابن الأصغر لمبارك، جامد الملامح، لم يتمكن المصريون من هضمه أو قبوله على العكس من الإبن الأكبر، الذي بدا مختلفاً، وكانت بداية المداخلات التلفزيونية بمؤثر إنساني هو وفاة نجله، واستمر حتى فتنة مباراة مصر والجزائر في السودان!

ومع وجود هذه العقبة القانونية، التي تحول دون أن يترشح جمال مبارك للرئاسة مثلاً، قام ياسر رزق بتحذيره من مغبة لقاء الناس، وطالبه بالتوقف عن ذلك، وكتبت أن التحذير من السيسي نفسه، وأن رزق ليس أكثر من ناقل أمين لهذا التحذير، ويبدو أن هذا ما فهمه جمال مبارك فالتزم حدوده ووسعه بيته تماما كما طلب رزق، وقد قام علاء ببعض المهام الاجتماعية منفرداً، ومنها تقديم العزاء في والد محمد أبو تريكة، ثم توقف نشاطه على صفحته على “تويتر”، لكن المدهش أنه يقابل بمؤيدين كثر!

والتحذير الذي أطلق ضد جمال مبارك كان بعد تقديم البعض رؤية قانونية بأن اسقاط هذا المانع القانوني له من العمل السياسي (ترشيحا وانتخاباً) يكون بقرار من البرلمان يمكن أن يقدم عليه إذا دعت الضرورة لذلك، ورغم صعوبة الاقدام على هذه الخطوة، من برلمان تم اختياره بعناية من الأجهزة الأمنية، فإن السيسي الذي خان رئيسه، يخشى الخيانة دائماً فيسد الثغرات!
اللافت في هذه الحرب الدائرة بين “علاء” و”عمرو”، أن حجم التعاطف الواسع مع الأول، فلا أحد أبدى تعاطفه مع عمرو أديب، وهذا ما سيخيف السيسي أكثر كشخص يخيفه الهواء العليل!
ومهما يكن فإن قادم الأيام سيكشف عن ما إذا كانت السعودية في العهد الجديد طرفاً في الأزمة، أم أنها محلية استغلت منبراً سعودياً، لكن اللافت هو أن عمرو في معرض إساءته لعلاء، أدان السيسي معه، عندما سأل نجل المخلوع عن مبلغ الـ 70 مليون دولار الموجودة باسمه في بنوك سويسرا، فاته أن مسؤولا سويسرياً نشف ريقه وهو يطالب السلطات المصرية باسترجاع أموال مبارك المهربة من بنوكهم، لكن لا حياة لمن تنادي، فلماذا لم يهتم السيسي؟!

لا بأس، فهذه الأزمة كلها من تحت رأس برنامج “يوسف حسين”، ولعلها الفتيل الذي أشعل أزمة كانت مكتومة تنتظر اللحظة! وجاءت اللحظة!

أضف تعليقك