بقلم: شريف منصور
يُدرك السيسي وسلطته العسكرية ومن جاؤوا به إلى سدة الحكم عبر الانقلاب العسكري في الثالث من تموز/ يوليو عام 2013، من الداعمين الإقليميين والدوليين، وخاصة إسرائيل التي تحتضنه، أنه يُعاني أزمة شرعية لن تُحل لا بانتخابات مزورة ولا ببرلمان مصنوع على أعين الأجهزة الأمنية أو تعديلات على الدستور، حتى لو بقي في الحكم أمداً بعيدا؛ لأن وصف المنقلب الذي اغتصب الحكم وجاء على ظهر الدبابة وسفك الدماء سيبقى يلاحقه في كل زمان ومكان. لذلك، كان لزاماً على من جاؤوا به أن يبحثوا له عن شرعية يسوّقونه بها داخلياً وخارجياً، لتبرير بقائه جاثماً علة أنفاس الشعب المصري إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا. وهذه الشرعية هي "الحرب على الإرهاب"، حتى لو اخترعوا له إرهاباً خاصا به كي يبقى.
وهذا هو المبرر الذي بدأ السيسي وسلطته العسكرية في ترسيخه بعد الانقلاب العسكري مباشرة، وتحديداً يوم السادس والعشرين من تموز/ يوليو عام 2013، عندما خرج في خطاب مباشر مرتديا بزته العسكرية ونظارته السوداء مطالباً الشعب بمنحه تفويضاً وأمرا لمواجهة "الإرهاب المحتمل!!" لاحظوا معي "الإرهاب المحتمل"! وللمفارقة، هو لايزال يُذكر الناس بهذا التفويض المشؤوم إلى الآن، ويستند إليه في قمعه وبطشه وإجرامه. هذه العبارة (الحرب على الإرهاب) هي العبارة السحرية التي يستخدمها السيسي ويلوكها منذ قرابة ست سنوات إلى الآن، وهو ما انفك يكررها ويكررها في كل حواراته وخطاباته ولقاءاته؛ لأنه يدرك أنه من غير هذه العبارة لا يساوي شيئا ولا قيمة له، ولن يبقى في الحكم دقيقة واحدة بدونها. لذلك، فالسيسي والإرهاب صنوان مرتبطان لا يفترقان.. فسيبقي الإرهاب ما بقي السيسي ولن ينتهي إلا بنهايته؛ لأنه الشرعية الوحيدة التي يستند عليها في بقائه واستمراره.
واستطاع السيسي، أو من يخططون له، الحصول على الدعم الدولي والإقليمي، والتسويق له كمنقذ وحام للسواحل الجنوبية للبحر المتوسط من خلال هذه القاعدة، فلا يترك السيسي مناسبة في الخارج أو في لقاءاته مع قادة الدول أو في المؤتمرات والحوارات التلفزيونية؛ إلا ويؤكد على أنه يحارب "الإرهاب والتطرف الديني" ويكافح "الهجرة غير الشرعية" ويحفظ "أمن إسرائيل". ولاحظوا لقاءات السيسي مع أي زعيم أو رئيس أجنبي أو في أي مؤتمر خارجي أو داخلي، ستجدونه يكرر ويؤكد على هذه العبارات.. ونجح نجاحاً باهراً في تسويق نفسه لدى الغرب، واكتسب شرعية بقائه من خلالها لأنه لا يمتلك سواها، ما يعني ببساطة أنه يكتسب شرعيته لدى الخارج من هذه العبارة (الحرب على الإرهاب والتطرف الديني ومكافحة الهجرة غير الشرعية وحفظ أمن إسرائيل).
وينبغي هنا أن نفرق بين بين خطاب الداخل وخطاب الخارج، فخطاب السيسي الداخلي في ما يتعلق بالأوضاع الإقتصادية والإجتماعية والسياسية؛ هو خطاب مفكك ومليء بالهرتلة والتهديد والوعيد والاستخفاف بالشعب وآلامه ومشكلاته. وأعتقد أنه خطاب القصد منه قهر الشعب وإحباطه وتيئيسه، ليخاف من التغيير وعواقبه. أما خطاب الخارج، فمحدد وواضح بهذه العبارة، بل وذهب السيسي لحد تحريض الغرب على الإسلام والمسلمين ليحذو حذوه في التضييق والتنكيل بالمسلمين، وتماهى معه في وصم الإسلام بالإرهاب، كما فعل في مؤتمر ميونيخ للأمن، دون مراعاة لمشاعر مسلمي مصر والعالم.
ذهب السيسي لحد تحريض الغرب على الإسلام والمسلمين ليحذو حذوه في التضييق والتنكيل بالمسلمين، وتماهى معه في وصم الإسلام بالإرهاب، كما فعل في مؤتمر ميونيخ للأمن
وإذا يممنا وجهنا شطر المعارضين والمناهضين للسيسي وحكمه العسكري، فإنه طوال قرابة ست سنوات لم يتمكنوا من توحيد خطاب أو قاعدة مشتركة يخاطبوا بها الداخل أو الخارج، وهو ما أدى إلى تراجع رقعة المؤيدين لهم ولقضيتهم العادلة من حكومات العالم ومؤسساته؛ لأنه لا بد أن يكون هناك خطاب واضح وواحد ينطلق من أرضية مشتركة تُعلي مصلحة الوطن والشعب والهوية فوق أي اعتبارات أخرى، وهذا الخطاب يحتاج أن يكون خطاب تعبئة ضد الاستبداد والحكم السلطوي في الداخل، وخطاب طمأنة للخارج. فالثوار وأصحاب المشروع الوطني تجمعهم المبادئ وتفرقهم البرامج.
الخلاصة، أن السيسي وسلطته العسكرية وأبواقه الإعلامية لديهم خطاب واحد وواضح يكررونه عشرات بل مئات المرات؛ لكسب الدعم الإقليمي والدولي، ولإشعار العالم أنه بحاجة دائمة وماسة للسيسي الذي يواجه الإرهاب والتطرف، ويحفظ أمن إسرائيل. أما المعارضة، فلا تمتلك حتى الآن خطابا جامعا واحداً واضحاً، وكل مجموعة تصدِر خطابها هي، لذلك تفقد كل يوم مساحات تأييد، وإذا استمرت على هذا النهج ستضمحل وتندثر وتضيع القضية المصرية، ويتمكن الحكم العسكري ويترسخ أكثر وأكثر. ولهذا، على الجميع إدراك هذا البعد وعلاجه والاجتماع على كلمة سواء، لمصلحة مصر وشعبها، وحتى لا يسوء الوضع أكثر وأكثر.
أضف تعليقك