محمد ثابت
في مثل هذه الأيام منذ ثماني سنوات، بدأ حلم ثوري مصري مستمر؛ شاء مَنْ شاء من الطغاة أو المتشائمين، على بعد المسافة بينهما.
في مثل هذه الأيام، تدحرجت ثمرة تعاون المصريين واجتماعهم والتفافهم حول بعضهم بعضا، ولدت الثمرة وتدحرجت وتلألأت فوق رؤوس الجميع في 11 من شباط/ فبراير 2011م.
لم يكن وقوع الثمرة عفويا أو عشوائيا (حاشا لله) في الأرض أو في السماء:
أما في الأرض فقد كانت جهتان تحاولان السيطرة عليها وبث بذورها من بعد في رحم الأرض، كي تزهر تاريخا مقبلا لعشرات السنوات أو مئات.
الجهة الأُولى والأَولى بالثورة والأشد حرصا عليها كانت الثوار؛ توحدوا دون أن يتعرفوا إلى بعضهم البعض، أو يتفقوا على الوحدة ولمّ الشمل، ولكن أضناهم وأجهدهم وأقلقهم مرور آلاف الأيام والليالي من القهر والظلم وانعدام الأمن داخل بلدهم الرائد في تعليم العالم الحضارة.
كلهم كانوا يتمنون عهدا جديدا يعامل فيه على أنه إنسان من الطراز الأول، لا من بقايا الأمم والشعوب كما كان يحرص "حسني مبارك" وسابقوه.
وفي لحظة فريدة منفلتة من بين أيدي طبائع الشعوب وعاداتها وحب الارتكان وقبول الراحة وطلب الثبات والاستقرار، في لحظة عزيمة تاريخية مصرية معدودة على مدار التاريخ، استطاع طوفان المصريين المتلهب المتفجر من الإسلاميين والعلمانيين وغيرهم.. استطاع إقالة "مبارك".
لكن الثمرة التي ظن المصريون أنهم أسقطوها بمفردهم كان هناك من أعانهم دون أن يدروا على العصف بها؛ فقد اتفق الجيش من جانبه على ضرورة إزاحة "مبارك" كيلا يأتي ابنه "جمال" (المدني) صاحب العزف المنفرد.. أو الذي لا يفهم كيف يكون عسكريا، أو لا يستطيع بمعنى أصح.. الثمرة التي أوقعها الجيش كان ينتظر تدحرجها إليه ثانية.
لم يفهم الثوار الذين غادروا الميدان أن أوان وزمان الأحلام أوان وزمان بالغ القصر، ويحتاج شيئا من تكاتف واتحاد وتؤازر غير قليل.. انفضوا وتركوا الكفاح وبدأوا النزاع حول الثمرة التي لم تسقط في حجرهم من الأساس، وإنما أرادها الجيش في وحدته العسكرية من جديد.
ومع الأيام ازداد تشرذم وخلاف وجنوح الثوار إلى اليمين المتطرف واليسار البائع لأي شيء وكل شيء من أجل مجرد "لعاعة"، أو مصلحة يظن أنها ستسقط في حِجره. ومع الأيام ازداد الخلاف وقويت الأحلام، سواء في داخل نفس الثوار أو الفلول أو العسكريين.. الجميع نسي دماء الشهداء التي سالت عالية هادرة.. الجميع ظن أنه يستطيع السيطرة دون الآخرين.
وحده السلاح استطاع الحكم والسيطرة في أكثر من دولة ومجتمع عربي أوان ثورة يناير المصرية أو على مدار التاريخ، فلما يختلف المصلحون ويباغتون بالأهواء والمطامع، وتضيع أحلام الائتلاف والتماسك، يبدأ السلاح في حصد الجميع، وقد كانوا من قبل عمل السلاح والانقلاب في القوم؛ مخلصين واعين منتبهين حذروا وحاولوا (من الذين وصولوا لسدة الحكم أو من غيرهم)، لكن العدد لم يكن كافيا، وصدى الصوت لم يصل على النحو الكافي. وكان رب العزة قضى من قبل في سننه الكونية أن الذين يُعدون أكثر يملكون ولو كانوا أعداء لله، حتى يتساوى البشر في الدنيا، فيحكم بينهم ربهم في الآخرة!
أما والجميع اليوم في التيه.. فإن حلم الثورة لم يبرح الأرض بعد بشرط أن يتوحدوا ويتجردوا ويفكروا في حل، ولو اقتضى الأمر خطوة كتلك التي يتخذها كل قائد شجاع لما يرى جيشه يتوارى إلى الوراء فيوقف المعركة، ويبدأ مسيرة الإصلاح في صفوفه وتوعية الصفوف المحايدة، والإعذار إلى الصفوف المعادية. وقد فعلها أحب الخلق وسيدهم لدى خالقهم (الرسول صلى الله عليه وسلم) في صلح الحديبية وفتح مكة؛ ثم أقر سيف الله المسلول "خالد بن الوليد" في غزوة مؤتة على سحبه الجيش.
أما عن طريق الوصول إلى الحل، فيتكاتف من أجله الجميع من جميع الصفوف، وكذلك يتعاورون حمل الحلم إلى أرض الواقع، كيما يضيع عشرات الآلاف آخرين مقابل لحظة إفاقة واحدة مقبلة.
اللهم يسر لقومي طريق الوحدة والتجمع وحب أهاليهم في مصر، سواء أكانوا في داخلها أو خارجها!
اللهم يسّر للثوار العرب جميعا حلم الحفاظ على ثورتهم التي حدثت أو التي يشتهونها.. وأعنا جميعا في الحفاظ على مسيرة ومعركة الوعي.. وخذل عنا أعداءنا.
أضف تعليقك