مقال بقلم عز الدين الكومي
قالت دار إفتاء الدم: إن جماعة الإخوان الإرهابية استعملوا التقية واستحلوا الكذب. ثمانون عامًا أو يزيد لم تقدموا لأمتكم إلا الإرهاب والقتل وتزييف الحقائق، ومهما بلغتم من إجرام وإرهاب فلن يثنينا إرهابكم وبغيكم عن مقاومة شركم وجهاد عدوانكم، ومهما مارستم من دجل وكذب فلن نتوقف عن فضح كذبكم وتفنيد ضلالكم.
من يقرأ هذا الهراء لا يجد فرقًا كبيرًا بين إعلام مُسيلمة الكذاب وبين إفتاء الدم من أصحاب العمائم النجسة الملطخة بدماء الأبرياء. ومن باب الذكرى التي تنفع المؤمنين كما قال تعالى: [وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ]، ما قاله علماء السلطة وعملاء الشرطة، وسبق أن قاله شيخ الأزهر “حسن مأمون” وقالته هيئة كبار العلماء، وقالته دار إفتاء عبد الناصر، فقد قالوا أكثر من ذلك، ولكنهم أفضوا إلى ما قدموا من نفاق وتملق للطاغية، وبقيت جماعة الإخوان المسلمين، وتُرجمت كتب الشهيد سيد قطب إلى كل لغات العالم!.
كما أصدر “محمد عبد اللطيف السبكي”، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر، تقريرًا رد فيه على سيد قطب في كتابه “معالم في الطريق”، بناء على طلب “حسن مأمون”، شيخ الأزهر. وجاء في تقرير السبكي أن “سيد قطب قد استباح باسم الدين أن يستفز البسطاء إلى ما يرفضه الدين من مطاردة الحكام، مهما يكن في ذلك من إراقة الدماء والفتك بالأبرياء وتخريب العمران وترويع المجتمع وتصدع الأمن وإشعال الفتن في صورة سيئة لا يعلم مداها إلا الله”.
وقد انتصب الشيخ علي الطنطاوي، رحمه الله، ليرد على “حسن مأمون” وعصابته من علماء الفتنة الذين باعوا دينهم بدنيا غيرهم، قائلاً: إنْ مات شيخ الأزهر الشيخ عبد الرحمن تاج فليس أول شيخ يموت، ولقد مضى من قبله أئمة فُحولٌ كانوا مصابيح الهدى وكانوا بحار العلم، وكانوا في ثباتهم على الحق جبالا لا تزول حتى تزول عن مطارحها الجبال، ولكنه أول شيخ للأزهر يموت ونفسُه “حيَّة” تسعى!.
إن مَن قبله مات ودُفن، وهذا عاش ولُعن، فما مات في جسده الفاني، ولكن مات قلبُه ومات ضميره ومات إيمانه، وباع الآجلة بالعاجلة، وآثر الدنيا على الآخرة، وفضّل رضا جمال عبد الناصر على رضا الربّ الناصر لأوليائه، القاهر فوق أعدائه، الجبار الذي لا يشاركه كبرياءه أحدٌ إلا قصمه، فحكَمَ- جازاه الله- بتكفير صفوة المؤمنين في هذا العصر، الإخوان المسلمين، الشباب الذين نشئوا في طاعة الله، وبشّرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم ممّن يظلهم عرش الله يوم لا ظل إلا ظله. شباب عرفوا الإسلام وتمسكوا به، أمّوا المساجد على حين يؤم أترابهم الملاهي والمراقص، وصفّوا أقدامهم في هدآت الليل على حين يسهر أولئك في الخزي والعار، وناجَوا ربهم في خلوات الأسحار على حين ينام أولئك نوم العَجْماوات، وحملوا- في سبيل الله- مِن ظلم الظالمين ما تنطحن تحته الرواسي، فما لانوا ولا استكانوا، ولا كفروا بالله مُذ آمنوا به، ولا ضاقوا بمحن الأيام منذ استعذبوا لذائذ الطاعات.
وجاء في بيانه (الذي أذاعته محطة مصر) بالآيات محرَّفات عن مواضعها، والأحاديث مَسوقةً غيرَ مساقها، ليوهم عامة المصريين أنه يدافع عن الدين ويتكلم بلسان العلم، فلم يسعني والله السكوت وأنا أعلم أن الساكت عن الحق شيطان أخرس، وأن على المسلم أن يقول الحق ولو على نفسه أو صديقه أو زميله، وخفت إن سكتنا جميعا ولم نَرُدّ على هذا الدعيّ المفتري أن يعمّنا الله بعذاب من عنده.
ولا أدري من هو الذي خدع شيخ الأزهر والنّفَرَ من علماء السوء الذين شاركوه خزيه، فأخبرهم أن في الإسلام “إكليروس”، وأن شيخ الأزهر كالبابا في القرون الوسطى، يُدخل الجنة ويحرم منها ويبيعها، ولم يعلم أن الإسلام ليس فيه رجال دين، وأن كل مسلم هو رجل الدين، وأن امرأة عجوزا ردّت على عمر، وما نافق عمر ولا زوّر، ولكن اجتهد فأخطأ. فلماذا لا أردّ على شيخ الأزهر، وهو لا يقاس بعمر ولا يدانيه ولا يوزن بشِراك نعله، وهو قد غيّر وبدل وكذب ونافق، وألزم نفسه قاعدة “من كفّرَ مسلماً فقد كفر”، فكيف بمن يكفّر الملايين من صفوة المسلمين؟.
ولو فرضنا (وهو فرض لا يلزم ولا يثبت حقاً) أن الاشتراك في السعي لقلب الحكم في مصر كفر، فكيف حكم بالتكفير قبل صدور الحكم من هذه المحكمة العجيبة، وكيف عمّمه على الإخوان المسلمين جميعا في آفاق الأرض وهم ملايين وملايين، من كل شاب رجلُه خيرٌ من رأس الشيخ المنافق، وقفاه أفضل من وجهه، وساعة منه في طاعته وعبادته خير من عُمْر في النفاق؟!.
وأين شيخ الأزهر؟ وما له خرس عن إنكار المنكرات في مصر: عن الفجور المعلَن، عن الفسق البادي، عن الخمور والشرور، عمّا أحدثه هؤلاء الحاكمون من ألوان المعاصي، من إبعاد الصالحين وإدناء الراقصات والراقصين؟ ما له لم يجد- هو وصحبه هيئة كبار العلماء- ما يثير غضبهم إلا أن يكون في الدنيا هؤلاء الملايين من الشباب المؤمنين الصالحين المصلحين؟.
أنا أعرف مصر من خمس وعشرين سنة، وأعرفها الآن، وأشهد أن ليس فيها من خير جَدَّ إلا كان مصدره دعوة الإخوان. وهل كان فيها من قبلُ شبابٌ يملئون المساجد، وطلابٌ يقومون الليل ويتلون القرآن، ويتزاحمون على الطاعات تزاحم غيرهم على الراقصات والسينمات؟
وما أنا من الإخوان في قيود السجلات، ولكني منهم في العقيدة والدين. وقد عوّدني الله أن لا أقول إلا الحق، وأن أجهر به إن خرس عنه ضِعاف الإيمان أو صرّح علماء السوء بغيره، كهؤلاء الذين كتبوا هذا البيان. هؤلاء الذين اغترّوا حين سَمّاهم الحاكمون “هيئة كبار العلماء”، وعطس إبليس في مناخرهم وزيّنَ لهم الجاه والمنصب، فبذلوا في سبيله كل شيء، حتى الدين، فجعلوا علمهم مطيّة يصلون به إلى قلب كل حاكم.
قرروا بالأمس أن فاروق من أشراف المسلمين وأنه من نسل الرسول صلوات الله عليه، ذلك لمّا كان فاروق هو الملك الذي يعطي المناصب والرتب، فلما زال لم يستحوا أن يجعلوه شيطاناً مَريداً، بعد أن جعلوه الملك الصالح المصلح والشريف الحسيب النسيب! وهم اليوم يقررون كفر الإخوان (أستغفر الله من رواية هذا الهذر)، ولئن عاد الإخوان غداً وصار لهم الأمر عادوا يتزلفون إليهم ويجعلونهم الهادين المهديين، وسترَون.
شِنْشِنة عرفناها من أَخْزَم وخُلُق في الصَّغار ألفناه وعرفناه. أما الإخوان فقد أثبتت الأيام أنهم صفوة المسلمين في هذا العصر، وأنهم كالذهب المصفَّى لا تزيده النار إلا صفاء. فيا أيها الإخوان: اصبروا واثبتوا، فإنه إن كان شيخ الأزهر عليكم فإن الأمة الإسلامية كلها معكم، والله معكم، ومن كان مع الله فلا يبالِ أحداً.
اصبروا آل عمّار، موعدكم الجنة!
وبعد، فهذه تعزية بشيخ الأزهر وهيئة كبار العلماء. لقد ماتوا، فلا تذكروا بعد اليوم شيخ الأزهر ولا هيئة كبار العلماء! ولو أنهم ماتوا ودُفنوا لكان خيرا لهم، ولكن ماتت ضمائرهم وماتت قلوبهم، فنطقت ألسنتهم بهذا البيان الذي رضي عنه عبد الناصر وصحبه، وغضب عليهم من أجله الناس جميعا والملائكة، وغضب عليهم الله المنتقم الجبار.
أضف تعليقك