• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانيتين

 

بقلم: عامر شماخ

ما بين ليلة وضحاها تحولت دار الإفتاء المصرية إلى موقع لبث الفرقة وإيقاع العداوة بين المسلمين، بل دعت -ضمنيًّا- إلى قتل أعضاء جماعة الإخوان؛ باعتبارهم على حد قولها: «خوارج العصر أعداء مصر».

دخلت إلى صفحة الدار بعدما علمت أنها تنشر كل بضع ساعات «بوستًا» جديدًا وأفلامًا كرتونية تحرض فيها على الجماعة؛ وهالنى كم وفجاجة ما يُنشر، وتأكدت أنها ليست فتاوى -وهذا هو أصل عمل الدار- بل نصوص ركيكة مليئة باتهامات مرسلة؛ تهدف إلى الفتنة والبلبلة.

وقد لفت نظرى ردود الأفعال الغاضبة على هذا الفعل المنافى للموضوعية والعقل ولما يجب أن يكون عليه علماء الإسلام الورعين، وتساءلت: ألا يوجد من علماء الدار -وهم كُثُر- من يعذر إلى الله ويتبرأ من هذه الورطة التى أوقعتهم فيها رئاستهم؟ ثم استدركت أن تلك الرئاسة هى من أعطت –من قبل- أحكام القضاة صك القتل لمن تم إعدامهم فلم ينطق يومها أحدهم؛ ومن ثم فقد «وقعت الفاس فى الراس» ويحمل جميعهم الآن وزر ما وقع ويقع..

وقد جاءت هذه الحملة موازية لحالة الغضب الشعبى للتسعة الذين عُلِّقوا على المشنقة، ومن ضمن عملها أيضًا -حسب رأى ثقات- أن تكون مقدمة لمزيد من الإعدامات وعلى رأسهم القيادات، وقد تطلب ذلك مزيدًا من الفُجر والكذب والتنكر للأخلاق والأعراف، وبالفعل تشعر بأن من كتب هذه «البوستات» ومن نشرها متتابعة على هذه الصورة -متبلد العقل والشعور، لا يمتُّ للإفتاء بصلة؛ كأنه -كما قال كثير من المعلقين- فرد شرطة، أو ضابط صغير على أقصى تقدير.

ويعلم الله أننى لازمت القرآن منذ زمن؛ فما فقهت معانى عدد من الآيات إلا بعد ما رأيت ما نشره هؤلاء المساكين، وقد رثيت لحالهم، كبيرهم وصغيرهم، بعد تجنيدهم لصالح الظالمين وقد كفَّروا وفسَّقوا المسلمين، وحرضوا على قتلهم، وزرعوا الفتنة فى المجتمع، ودعوا إلى التعاون على الإثم والعدوان بدل التعاون على البر والتقوى كما أمر الدين. وتخيلت لو أن الناس صدقتهم أو لو أن الأجواء مهيأة لتنفيذ فتنتهم؛ ماذا سيكون حجم الدماء، لولا أن الله سلّم وعلم الناس أنهم كاذبون، وقد انقلب السحر على الساحر، ومن نكث فإنما ينكث على نفسه.

من الأكاذيب التي نشرتها الدار: «جماعة الإخوان الإرهابية تجسسوا على أوطانهم، وتحالفوا مع أعداء بلادهم»، «جماعة الإخوان الإرهابية خوارج العصر أعداء مصر، نشروا الدمار والخراب باسم إقامة الدين»، ويعلم الله -وهم أنفسهم يعلمون- أنهم كاذبون، وأن الإخوان لم يكونوا يومًا إرهابيين، ولم يتجسسوا على بلدهم، ولم يتحالفوا مع عدو ولم ينشروا خرابًا ولا دمارًا كما يدّعون، وأما الخوارج فهم من يكفِّرون المسلمين من دون دليل ويخرجونهم من الملة بفتوى من مثل فتاواهم التى يبيعون بها دينهم بثمن قليل.

لقد تناسى «المشايخ!!» سعيهم لنيل رضى من يكفرونهم، عام 2012 يوم حكموا مصر، وهرولتهم إلى مكاتبهم لنيل منصب أو لعاعة من لعاعات الدنيا، وتناسوا رأى الأزهر وعلمائه الثقات فى الجماعة التى يحرضون على قتل أعضائها، وتناسوا لقاء شيخ الأزهر الحالى (أحمد الطيب) برأس الجماعة (د. محمد بديع) فى 3/5/2011 وقد رحب الشيخ بالمرشد ووفده وقال فى نهاية اللقاء: «إن الجماعة لم تكن غائبة عن الأزهر؛ فهى متواجدة داخل مؤسسة الأزهر بقوة، كما أن نصف أعضائها أزهريون. وليس هناك أى حرب بين الأزهر والإخوان، وإنما الجو العام أتاح للناس أن يلتقوا، وواجب العلماء أن يلتقوا ويتفقوا»..

تناسوا هذا اللقاء كما تناسوا رأى مجمع البحوث الإسلامية فى الجماعة، فى أكثر من موقف، وكيف يثنى أعضاؤه عليها الثناء الطيب، كرأيه فى القضية رقم 6309 لسنة 2006 إدارى كفر الزيات، وفى القضية 1681 لسنة 2006 إدارى طلخا؛ حيث حضّت اللجنة المكونة من أعضاء المجمع لفحص كتب الجماعة ضمن أحراز القضيتين على نشر هذه الكتب؛ لما فيها من فائدة ونفع عظيم للمسلمين، وقد خصّت كتاب «الدعوة فريضة شرعية وضرورة بشرية» والذى يدعو المواطنين إلى الانضمام للجماعة؛ بأنه «يثرى الفكر الإسلامى ويبعث فيه الحركة، وقائم على المجادلة بالحسنى»، وتكرر الأمر بالثناء على عدد كبير من كتب الجماعة وفكرها ومبادئها كما حدث فى مارس 2010، وفى هذه المرة كان من بين الكتب كتاب «الإسلام هو الحل» لمرشد الجماعة الخامس مصطفى مشهور؛ الذى حظى بتقريز اللجنة المشكّلة من المجمع لمراجعته.

والمقام ليس مقام البحث عن شرعية للجماعة؛ فهذا أمر معلوم بالضرورة لمن يملك أدنى درجات الوعى، كما يكفى الجماعة رأى علماء الأمة الثقات بها؛ ولأنه معلوم أن الأزهر يمثل الإسلام الوسطى وأن الإخوان يمثلون الجانب الحركى الذى يحمل هذه الفكرة سلوكًا وعملا فى وسط المجتمع -إنما المقام مقام تحذير من هذا المنزلق وما يستتبعه من خراب وضياع، وتنبيه لخطورة التجارة بالدين والتلاعب بآيات القرآن وأخبار السنة؛ لما فى ذلك من استهزاء بالشرع والتهوين من مكانته فى قلوب الناس؛ ذلك أن العلماء (الحقيقيين) هم ورثة الأنبياء، فلا يكذبون ولا يغشون، ولا يفتون إلا بما يملكون عليه الدليل، ولا ينحازون لظالم فإن فعلوا فقد جروا على أنفسهم العقاب الذى أنزله الله على الفسدة من أحبار بنى إسرائيل.

 


 

أضف تعليقك