شهد العام القضائي الحالي 2018-2019، استقالة أكثر من 40 قاضياً وعضو نيابة عامة لأسباب مختلفة، لكنها مُجمعة على الغضب من طريقة تسيير مرفق العدالة، وتدخّلات حكومة الانقلاب المستمرة في عمل القضاة".
وأكدت مصادر قضائية، لصحيفة العربي الجديد، أن "النيابة العامة تشهد في عهد النائب العام الحالي نبيل صادق أكبر موجة استقالات".
وعكست الاستقالات حقيقة أن المجتمع القضائي مليء بالغضب جراء ممارسات وخطوات نظام الانقلاب في سبيل السيطرة التامة على السلطة القضائية، بدءاً من إصدار القانون الذي منح السيسي سلطة اختيار رؤساء الهيئات القضائية في أبريل 2017، وصولاً إلى التعديلات الدستورية التي عصفت باستقلالية المحكمة الدستورية العليا ومجلس الدولة، وأعادت تشكيل المجلس الأعلى للهيئات القضائية برئاسة السيسي والذي سيديره فعلياً وزير العدل حسام عبد الرحيم، حارماً الهيئات من استقلالية مخصصاتها المالية معدا إياها تحت رحمة الوزارة.
وبينت المصادر أن الاستقالات التي شهدتها النيابة العامة في عهد النائب العام الحالي نبيل صادق، تعد أكبر موجة استقالات، ربما في تاريخها، لأسباب عدة، أبرزها ضيق شباب النيابة بتلقي التعليمات المباشرة من رؤسائهم بصورة تتعارض مع ضميرهم المهني ونصوص القانون، وعدم قدرتهم على العمل بالحرية المهنية اللازمة للقاضي، بزعم أن النيابة العامة وظيفة تراتبية ويعود فيها القرار للمناصب العليا.
ويعد السبب الثاني وراء استقالات النيابة، هو رفض طلبات العديد من القضاة الشباب السفر إلى الخارج لحضور دورات تدريبية وتعليمية في مجالات مختلفة من القانون، أو محاولة السيطرة على القضاة الذين يسافرون خارج البلاد لحضور تلك الدورات بواسطة الأمن.
والسبب الثالث هو التضييق على القضاة والضغط عليهم لتحقيق أرقام كبيرة في إنجاز القضايا، وهذا السبب يعكس مشاكل بشأن سياسة جديدة في المحاكم، هي وضع هدف رقمي محدد لكل دائرة من القضايا للفصل فيها خلال السنة القضائية التي تمتد من أكتوبر إلى يونيو.
وأوضحت المصادر أن هذه السياسة لم تكن من أفكار وزير العدل أو مجلس القضاء الأعلى، بل بتعليمات من السيسي شخصياً، ولا يشرف على تنفيذها التفتيش القضائي في الوزارة، والمختص أساساً بمتابعة عمل القضاة ومسلكهم داخل وخارج المحاكم، بل تختص به لجان من الرقابة الإدارية ومجلس الوزراء.
أما على مستوى الدرجة العليا، وهي محكمة النقض، والتي تورطت أخيراً في تأييد العديد من أحكام الإعدام في قضايا العنف السياسي، فكشفت المصادر عن تنامي الاتجاه بين القضاة لترك العمل في الدوائر الجنائية، والانتقال للعمل في الدوائر المدنية، احتجاجاً على سياسة المحكمة المتشددة، والتعديلات التشريعية التي باتت تؤدي إلى صدور الحكم من دون قناعة كاملة بتحقق العدالة، وهروباً من الضغوط التي تمارس على القضاة لإنهاء قضايا بعينها على عجالة.
والتزم القضاة بشكل عام، الصمت إزاء مشروع التعديلات الدستورية الجديدة التي تسلّط رقابة السيسي على القضاء وتسلب كل المكاسب التي حصل عليها القضاة بعد ثورة 2011 والتي تصب معظمها في صالح دعم ضمانات العدالة.
أضف تعليقك