• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم عمرو دراج

يوم السبت السادس عشر من شباط/ فبراير قتل في شبه جزيرة سيناء خمسة عشر من أفضل جنود مصر، حيث استهدف المتمردون حاجزا أمنيا، وبعد تبادل لإطلاق النار لقي ضابط حتفه وقتل معه أربعة عشر جنديا برتبة ضابط صف. 

لم تكن تلك سوى واحدة فقط من المآسي التي انتكبت بها البلاد مؤخرا، وما هي إلا الدليل الأخير على أنه لا يبدو أن "الحرب الخفية" التي يشنها في سيناء الجنرال السيسي، الذي تحول إلى رئيس، وهي حرب في ظاهرها تستهدف إنهاء التمرد، تحقق النتائج المرجوة منها. فلقد استمرت هذه العملية الكبيرة – التي تحظى بموافقة ومباركة ومساندة الجيش الإسرائيلي – لما يزيد عن سنة. ومع ذلك فما يزال المتمردون، الذين تقدر أعدادهم من قبل مصادر مختلفة بأنهم يتراوحون ما بين ثمانمائة وألف ومائتين، قادرين على شن هجمات مميتة على درجة عالية من الكفاءة (ربما تجاوز عدد من يقول المتحدث العسكري بأنه تمت تصفيتهم من الإرهابيين العدد الحقيقي للمتمردين). 

وهذا يثير سؤالا حول ما إذا كان السيسي قادرا على التعامل مع الصراع. وكان السيسي في شهر تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2017 قد أمر رئيس أركانه بوضع حد للتمرد خلال ثلاثة شهور.

بعد مضي خمسة عشر شهرا لا يوجد ما يشير إلى أن أي تقدم قد أحرز في هذا المجال. ولعل ما يبعث على القلق هو احتمال أن يكون السيسي راغبا في استمرار الصراع، وهو احتمال كبير، لأن بإمكانه أن يستمر في الزعم أمام الجمهور المصري وأمام المجتمع الدولي بأنه يحارب الإرهاب ويتصدى له بكل شجاعة. 

وبهذه الطريقة بإمكانه أن يبرر حاجة مصر إلى "رجل قوي"، إلى زعيم يقود دفة الأمور بحزم، بمعنى آخر، إلى شخص بإمكانه ضمان الاستقرار. والآن بإمكانه أن يقول إن الوقت ليس مناسبا لمناقشة حقوق الإنسان أو الديمقراطية، فثمة مسائل أهم لابد من التصدي لها. 

فما كان من الغرب، سواء عن سذاجة أو عن قصد، سوى تصديق روايته والتساوق معها. والمرة تلو الأخرى، يختار الزعماء الغربيون إما مباركة نظام السيسي أو القبول به ضمنا. قد يتصدى إيمانويل ماكرون للسيسي لفظيا بشأن القمع، ولكن فرنسا مستمرة في بيع الأسلحة لمصر وفي توقيع اتفاقيات التعاون معها. يعتقد كثيرون بأن الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى القاهرة، إنما أريد منها إعطاء السيسي الضوء الأخضر لفعل ما يشاء على الساحة المحلية. وفعلا، تم خلال الأسبوعين اللذين عقبا تلك الزيارة إعدام خمسة عشر مصريا بريئا. 

إن من نافلة القول إن هذا القبول الدولي يصبح أيسر وأكثر استساغة لدى الرأي العام، طالما أن السيسي يحارب ذلك العدو الكوني الكبير: "الإرهابي".

في مؤتمر الأمن في ميونيخ في وقت مبكر من هذا الشهر بذل السيسي قصارى جهده لتأكيد الحاجة إلى "فعل عالمي" ضد التطرف، وقال: "لقد دعونا العالم منذ عام 2014 إلى التصدي لاستخدام التكنولوجيا في تجنيد الإرهابيين. فالناس يتم الإيقاع بهم بواسطة الخطاب المتطرف ليجلبوا القتل إلى العالم".

وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها شخصيات ونشطاء المعارضة – بما في ذلك ما أقوم به أنا شخصيا– لمنع الزعماء الأوروبيين من قبول ضيافة السيسي، إلا أن الميل نحو التساهل معه استمر في افتتاح قمة الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية.

فوجود دونالد تاسك وتيريزا ماي وأنغيلا ميركل وغيرهم في شرم الشيخ، وفر المزيد من الشرعية للرجل الذي يتحمل المسؤولية عن أسوأ أزمة حقوق إنسان تشهدها مصر في تاريخها المعاصر. والأكثر من ذلك أنه مباشرة بعد قتل تسعة من السجناء السياسيين قبل أقل من أسبوع، توحي مشاركة هؤلاء بوجود حالة من اللامبالاة التامة لدى الاتحاد الأوروبي والغرب إزاء الدكتاتورية في العالم العربي. 

ثمة مفارقة مرة في أن يقوم الرجل المسؤول عن عدد لا يحصى من انتهاكات حقوق الإنسان، ناهيك عن التسبب في سقوط قوة إقليمية عظمى في البؤس والفقر، بدعوة العالم إلى محاربة الإرهاب. فالخبراء يجمعون على أن ما يجري في سيناء ليس إرهابا وإنما حركة تمرد، تنتهج وسائل متباينة وفطرية من العنف السياسي جذوره اجتماعية. ولذلك فإن التصدي لها يتطلب مقاربات مختلفة. ومع ذلك، ولو افترضنا أنه فعلا يريد إنهاء الصراع، إلا أن السيسي ماض في حل هذه المشكلة عبر استخدام القوة "الوحشية" فقط لا غير. 

لا تقتصر النتيجة على أنه يخفق في التقليل من انعدام الاستقرار في سيناء، وإنما يزيد من سعار المشكلة. يستخدم جيشه المتخم القوة المفرطة بشكل روتيني، فيعتقل النساء ويعذبهن، ويخلي الأرض من سكانها، ويجبرهم على الهجرة، ويدمر البيوت ويمارس القتل خارج القانون، وغير ذلك من أشكال الترهيب والقسوة. وفي كل مرة يقع فيها حدث مثل ذلك الذي وقع يوم السبت، يرد عليه الجيش بقتل المزيد من المدنيين. 

ليس المقصود القول بأن جلب الاستقرار إلى سيناء أمر يسير. فعندما كنت وزيرا في حكومة محمد مرسي، تقدمنا باستراتيجية من أربع نقاط لحل المشكلة (التي لم تكن بالحدة التي هي عليها اليوم). تضمنت الاستراتيجية بالإضافة إلى الإجراءات الأمنية، مراقبة الحدود والحوار الديني والاجتماعي بالإضافة إلى التنمية، التي ربما كانت النقطة الأهم. يعتقد أهل سيناء أنهم لا يعاملون كمواطنين مصريين، ولهذا السبب سعينا إلى الاستثمار بكثافة في تطوير البنى التحتية. 

تمكنت حينما كنت وزيرا للتخطيط من توفير 4.4 مليار جنيه مصري (أي ما يعادل 221 مليون يورو) لتمويل المدارس والشوارع وشبكات المياه والمجاري واستصلاح الأراضي الزراعية. إلا أن انقلاب عام 2013 قضى على تلك الخطة.

ومنذ أن استولى السيسي على السلطة طغى التوحش وتفاقمت المشكلة لتصبح مأساة حقيقية. على الرغم من زعمه عكس ذلك، والواقعية السياسية الخرقاء التي يمارسها الزعماء الغربيون بهذا الصدد، فإن السيسي لا يصلح ضامنا للاستقرار، وما من شك في أن عجزه وفقدانه للأهلية والكفاءة إنما يضمن بقاء مصر، وسيناء بشكل خاص، في حالة من الاضطراب المتزايد.

أضف تعليقك