• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم.. عبد الحكيم حيدر

دائماً كنت أنظر لمحمد البلتاجي على أنه الروح الحرة داخل الإخوان المسلمين. الروح التي تنتقي مكانها جيداً، وكلمتها جيداً، وموقفها جيداً. روح تبحث عن العدل، ولا تحيد عن الحق. في فض الاعتصام في ميدان رابعة العدوية، وجّه الضباع رصاصهم في ساعات الصباح الأولى إلى جسد ابنته أسماء الوحيدة، كي يكون ألمه صاعقاً ومكلفاً من أول وهلة، فتحامل الرجل على حزنه وودعها. لم يكتف الضباع بدم أسماء، بل هرّبوها كذباً وزوجّوها في السودان. في عز قسوة الدم، تمارَس الأكاذيب من "سلطة كاملة" على دم طفلةٍ لحقت بخالقها (ما هذا العبط، يا ربي، حتى وإن التحف بجبروت؟)، ذلك كله كي يزيدوا من ألم البلتاجي، إلا أن الرجل صبر على ألمه، حتى تم تسليمه للمعتقل في يوم سخيف الفرح، وكأنهم قبضوا على لويس التاسع، أو أسروا قائد الأسطول الأميركي السادس.

بعد ذلك، بدأوا في أخذ كلمة من فم البلتاجي، واعتبروها دستورهم، وأن البلتاجي يعرف مكان "الإخوان" في سيناء واحداً واحداً. واستمرت مقولة البلتاجي تِترًا ثابتاً لقنوات ساويرس والنهار وكل القنوات الأخرى، وكأن البلتاجي صيدهم الوحيد والأثير الذي خططوا له، ثم حكموا على زوجته بالسجن ستة شهور، لأنها ضربت ضابطاً، ليس أمام بيت البلتاجي، أو عيادته التي حرقوها كاملاً، ولكن ضربته داخل جدران السجن، وهي في زيارةٍ للبلتاجي، فهربت خارج البلاد، ثم بدأوا في أولاده بالتناوب على السجون. كبر أولاد البلتاجي في السجون بعد استشهاد ابنته. والغريب أنهم وجدوا الرجل صامداً، وكرامته كما هي عصيّة عليهم، فدخلوا عليه بالأحكام، حتى وصلت سنوات سجنه إلى أكثر من 146 سنة. وهو في سجنه صامد، من دون أن يصلوا إلى أي جزءٍ من كرامته العصيّة كما حلموا من فض ميدان رابعة، حتى تعب قلب الرجل في سجنه، فأصيب بجلطة دماغية.

وعبد الفتاح السيسي ما زال يحسب في العشرة مليارات التي سيدخلها البنك (بالحسبة الجديدة) كي يغني البلاد والعباد عن الفائدة، ويترك السكك الحديد كما هي، فالرجل قال بلا خجل: "أهم شيء الفلوس"، ويحدث الانفجار في محطة مصر، ويخرج "شهداء عبقري الاقتصاد وقد حرقوا". وبقدرة الله، نجد الحاجة أم أشرف، بالعلم على رأسها بألوانه الثلاثة، والحجاب "على سنجة عشرة"، وبالأسطوانة نفسها. الغريب أن أم أشرف هي نفسها المتخصصة في شتم البلتاجي وسبّه، لأنها كما تقول "قريبة من عيادته في ميت حلفا".

الغريب أن أم أشرف لم تقل إن محمد البلتاجي حصل على الدكتوراه في تخصصه، ونال درجة الأستاذية أيضاً وقت فض ميدان رابعة، كما قال أحد الضباع من أسبوعين، من دون أن يعرف أن الترقي يتم بحثيّاً. وما المانع أن يقدّم البلتاجي بحثاً وينال الأستاذية في وقت "رابعة" (ونحن في وقت يحصل فيه الطالب على الدكتوراه بالمراسلة، كما حدث لسيد القمني مثلاً)، ولكنها الكراهية العبيطة والعمياء، وهذه لا حيلة في علاجها أبداً. لم تكتف أم أشرف بذلك، بل قالت عنه "إنه كان يعمل تمرجي عند حماه وهو اللي ملِّكه العيادة بتاعته"، وهذا هو مخ أم أشرف الذي يشبه السلطة التي تحرّكها تماماً، فالبلتاجي مجرّد تمرجي يعمل عند نسيبه، ونسيبه هو الذي ترك العيادة له، وكأن العيادة "دكان علف".

نحن أمام مسرحية ساذجة وعبيطة جداً، ولعلّ عقل البلتاجي قد تعب، لأن المعركة انعدم فيها شرف الخصومة، فآثر للعقل أن يهدأ ويرتاح بعيداً عن أم أشرف وأكاذيبها. السؤال المهم: هل استطاعوا أن ينالوا من روح البلتاجي وكرامته؟ الإجابة: لا. سلطة تسرق حكماً بالدبابة بعد القتل، وست عجوز تسرق "المراوح من المساجد"، تقف بالعلم على رأسها "على سنجة عشرة" وقت انفجار الجرار، وتلقي خطبتها العصماء "بالتلقين الخارجي"، ويظهر التلقين واضحاً في الفيديو، فمن أين جاءت؟ ومتى أعدّت العلم؟ ومن أتى بهذه العجوز بكل تلك السرعة؟

كان ذلك كله يحتّم على البلتاجي أن يضحك، وأن يبتسم على ما وصلنا إليه، وكيف يضحك ويبتسم، وهو الوحيد في سجنه، وزوجته مطاردة، وأولاده في السجون، وابنته صعدت روحها لله. له الله وحده، فكم تحمل هذا الرجل وكم تعب؟. ترفق به، يا الله، يا جابر كسور الروح، ويا من ترى الضباع وهي تحشو بنادقها بالرصاص وقلوبها بالمكيدة. ألف سلامة لعقل رجلٍ لم تنل من كرامته الضباع، ولا الرصاص.

أضف تعليقك