أكدت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن روح الربيع العربي لا تزال سارية كما أظهرت الاحتجاجات الكبيرة في الجزائر والسودان.
وأشارت في تقرير لها نشرته في عدد الأحد الأسبوعي بعنوان "الربيع العربي لم ينته بعد"، إلى أنه ربما يكون الربيع العربي قد خفت في مصر واليمن وليبيا بفعل خليط من القمع والعنف، فضلاً عن التدخل الإقليمي والدولي غير المسبوق، إلا أن الشعوب العربية لا تزال قادرة على إيجاد طرق سلمية للتعبير عن غضبها. ولن تجدي محاولات التخويف التي تمارسها السلطات لمنعهم من المطالبة بحقوقهم.
ورغم أن التقرير يمتدح الموجات الجديدة من الاحتجاجات في السودان والجزائر، معتبرًا أن الحراك الشعبي الذي بدأ قبل 8 سنوات لا يزال ملتهبًا ولن ينتهي قريبًا، إلا أن الملف المصري استحوذ على مساحة كبيرة.
وقالت المجلة: إنه رغم الانتهاكات الواضحة وواسعة المدى لحقوق الإنسان، لم يلمح أي من القادة الأوربيين الذين حضروا "قمة الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية" في فبراير أي تناقض بين القمع الواسع الذي يمارسه مضيفهم وبين ما تدعو الدول الأوروبية الالتزام به من قيم الحرية والديمقراطية.
وتابعت أنه في الوقت الذي كانت فيه سلطات (الانقلاب) المصرية مشغولة باعتقال الناشطين على خلفية إعلان رفضهم التعديلات الدستورية، صفق قادة أوروبا للسيسي وهو يذكرهم بالمشكلة الوحيدة التي تؤرقهم: الإرهاب. لم ينتقده أيُ من رئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك، أو المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أو رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي حول كون حكومة السيسي تحتجز النشطاء؛ حتى عندما قال لحضور القمة إن المعارضة السياسية السلمية “ظاهرة صحية ومقوم أساسي لأي حياة سياسية سليمة”.
وفي محض استنكارها للتقبل الأوروبي للسيسي، قالت إن أحدًا من ضيوفه الأوربيين لم يذكره بأنه اعتقل العام الماضي أي مرشح ذي فرصة فكر في الترشح لمنافسته على منصب الرئاسة، وبسبب ذلك لا يزال المرشح السابق الفريق سامي عنان والرئيس السابق لجهاز المركزي للمحاسبات هشام جنينة في السجن.
وذكرت أنه بينما كان السيسي يدّعي تقبله للمعارضة السلمية، ويصر أن مصر لها “ثقافة خاصة”، ليلمّح أن هناك مبررًا لانتهاك نظامه لحقوق الإنسان، كانت مشاركة قادة الاتحاد الأوروبي في القمة ببساطة بمثابة غطاء سياسي للسيسي، الذي يسعى إلى إثبات أنه حتى في الوقت الذي يتعرض فيه نظامه للانتقاد الشديد بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، فإنه ما زال يتمتع بدعم الحلفاء الدوليين البارزين
ودعت المجلة الأمريكية القادة الغربيين إلى إدراك أن لديهم فرصة لتغيير موقفهم والتوقف عن غض الطرف عن الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان في العالم العربي.
وتمثل موجة الاحتجاجات في السودان والجزائر فرصة للزعماء الغربيين لإعلان دعمهم للحراك الشعبي في البلدين، ذلك الحراك الذي ينتقص من شرعية الحكام المستبدين الطاعنين في السن.
واتهم الدعم الغربي للأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط بقصر النظر والفشل في التعلم من أخطاء الماضي، موضحا أنه على الرغم من أن بعض تلك الأنظمة العربية الاستبدادية قد تبدو مستقرة، إلا أنها ذات أسس هشة، مما يجعلها عرضة للانهيار المفاجئ، ويفتح الطريق أمام انتشار الفوضى في المنطقة.
وحذرت من أن مبيعات السلاح للأنظمة الاستبدادية لا تسهم إلا في مزيد من تأزيم الوضع السياسي والاقتصادي في المنطقة لتمكينها من المزيد من الانتهاك لحقوق الإنسان، مثل الذي جرى في مصر من استخدام للأسلحة الفرنسية في مواجهة الاحتجاجات السلمية، واستخدام القوات السعودية والإماراتية للأسلحة الأمريكية لتدمير اليمن.
واعتبر تقرير فورين بوليسي أن خطوة النظام الجزائري بترشيح بوتفليقة، الطاعن في السن بمثابة صدمة لملايين الجزائريين وأثارت احتجاجات في العاصمة وغيرها من المدن في جميع أنحاء البلاد.
ومثلما حدث في مصر في ٢٠١١، انطلقت دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي للتظاهر، ولبّى الدعوة عشرات الآلاف من الجزائريين الذين نزلوا إلى الشوارع محتجين على ترشح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، وعلى الفساد المستشري في البلاد.
وزادت حدة الاحتجاجات بانتظام، حتى وصلت يوم ١ مارس الماضي إلى ما وُصِفت بأنها “أكبر مظاهرات تشهدها البلاد منذ الربيع العربي قبل ٨ سنوات”.
وأوضحت المجلة الأمريكية أن للجزائر تاريخ صعب مع الديمقراطية؛ ففي التسعينيات، ألغى الجيش انتخابات برلمانية فاز فيها الإسلاميون، مما دفع البلاد إلى صراع عنيف، راح ضحيته أكثر من مئة ألف مواطن.
والتفت التقرير إلى السودان فقال إن رغم أن المتظاهرين الجزائريين واجهوا بعض العنف من قبل السلطات، إلا أنه لا يضاهي تمامًا مقدار العنف الذي قوبلت به مظاهرات المواطنين في السودان. على مدار الشهرين الماضيين، خرج عشرات الآلاف من المواطنين مطالبين بخلع الرئيس عمر البشير، استخدمت الشرطة الرصاص الحي والمطاطي في مواجهة المتظاهرين السلميين، مما أسفر عن قتل العشرات وإصابة المئات.
وفي نهايته قال تقرير “فورين بوليسي” إن العرب يواصلون البناء على الموجة الأولى من الانتفاضات العربية في ٢٠١١. ويبقى الحراك الشعبي السلمي هو الخيار الوحيد المتاح لمواصلة النضال من أجل الديمقراطية في المنطقة. سوف تستمر الثورة المضادة في العالم العربي في فقدان قوتها وستنهار في نهاية المطاف تحت وطأة هذه الحركات.
وشددت أن على الغرب أن يتعلم من أخطاء الماضي القريب، وأن يتخلى عن السياسات قصيرة النظر في دعمه للحكام المستبدين، بتبنى إستراتيجية طويلة الأمد، لتجنب الخسارة التي لا مفر منها إذا وقف على الجانب الخطأ من التاريخ، معترضًا طريق قادة الغد.
أضف تعليقك