• الصلاة القادمة

    العصر 13:46

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم.. ممدوح الولي

يفرض المصرف المركزي المصري على البنوك الخاضعة لإشرافه؛ إيداع نسبة 14 في المئة من مجمل الودائع لديها في المصرف المركزي، كاحتياطي إلزامي بلا عائد، حتى يتمكن المركزي من خلال تلك الأموال التدخل لمعاونة أي بنك يمكن أن يتعرض لمشاكل في السيولة أو غيرها.

وفي حزيران/ يونيو 2017، بلغت تلك الودائع الإلزامية في المصرف المركزي 234 مليار جنيه، مما يعنى أن توظيف المصرف لجزء من تلك الأموال في أي إستثمار يمكن أن يحقق له عوائد مجزية.

لكن المفاجأة أن العام المالي 2017/2018، الذي بدأ من تموز/ يوليو 2017 وحتى حزيران/ يونيو 2018، أسفر عن تحقيق المصرف المركزي خسائر تخطت 33 مليار جنيه مصري، كفرق بين المصروفات البالغة أكثر من 165 مليار جنيه والإيرادات البالغة 132 مليار جنيه.

وهذه خسائر غير مسبوقة في ضوء البيانات المتاحة والتي تمتد إلى سبع سنوات مالية ماضية، حيث استمرت الأرباح في النمو التدريجي منذ العام المالي 2011/2012، حين بلغت أكثر من 13 مليار جنيه، وحتى العام المالي 2015/ 2016 حين بلغت حوالي 30 مليار جنيه.

لكن في العام المالي 2016 /2017، تراجعت تلك الأرباح إلى أقل من 13 مليار جنيه، وهو العام المالي الذي شهد تعويم الجنيه المصري في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، والذي تسبب في موجة تضخم عالية، فأراد محافظ المصرف المركزي المصري تخفيف حدة التضخم من خلال سحب الأموال من السوق.

وكانت الوسيلة لذلك دفع البنوك الحكومية الثلاث (الأهلي المصري، ومصر، والقاهرة) لإصدار شهادات ادخار بعائد 20 في المئة للشهادات البالغة مدتها 18 شهرا، وبعائد 16 في المئة للشهادات البالغة مدتها ثلاث سنوات.

تكلفة 24 في المئة وعائد 14 في المئة

وقامت بعض البنوك الخاصة بإصدار شهادات ادخار مماثلة حتى لا يهرب عملاؤها إلى البنوك ذات العائد المرتفع، لكن معظمها تراجعت عن ذلك سريعا حتى أن بعضها تراجع بعد أسبوع واحد، بينما استمرت البنوك الحكومية الثلاثة في تلقى الاكتتابات بتلك الشهادات حتى شباط/ فبراير 2018، حيث خفض المصرف المركزي سعر الفائدة.

لكن تلك البنوك الحكومية لم تجد مجالا لتوظيف حصيلة تلك الشهادات، والتي بلغت حوالي 800 مليار جنيه، خاصة أن التكلفة عليها لم تكن فقط 20 في المئة والتي يحصل عليها مشترو الشهادة، بل وصلت التكلفة إلى 24 في المئة نتيجة إيداع نسبة 14 في المئة من حصيلة بيع الشهادات في المصرف المركزي بلا عائد. وكان أعلى مجال متاح لتوظيف حصيلة البيع هو أذون الخزانة المصرية، بعائد صاف بلغ حوالي 14 في المئة بعد الضريبة، مما يعني خسارة حوالي 10 في المئة نتيجة العوائد المرتفعة.

وهذا الأمر الذي أدى إلى تراجع أرباح بنك القاهرة عام 2017 مقارنة بعام 2016، وانخفاض أرباح البنك الأهلي المصري من أكثر من 13 مليار جنيه ي العام المالي 2016/2017، إلى حوالي 9.5 مليار جنيه، حسب تصريحات كبار المسؤولين فيه، وتراجعت أرباح بنك مصر خلال نفس الفترة، حسب تصريحات مسؤوليه، لكن كلا البنكين لم ينشرا قوائمهما المالية عن العام المالي الماضي المنتهي في حزيران/ يونيو حتى الآن.

زيادة التكلفة وتراجع العوائد

وحاول البنك المركزي، المتسبب في طرح تلك الشهادات ذات العائد المرتفع، امتصاص السيولة من البنوك من خلال أدوات السوق المفتوحة لديه بأسعار فائدة عالية، وهكذا تصاعدت الأرصدة المستحقة للبنوك بالعملة المحلية لديه من 260 مليار جنيه في نهاية حزيران/ يونيو 2016، أي قبل قرار تعويم الجنيه ورفع الفائدة، إلى 643 مليار جنيه في حزيران/ يونيو 2017 ثم إلى 960 مليار جنيه بنهاية حزيران/ يونيو 2018، وزادت كذلك الأرصدة المستحقة للبنوك بالعملات الأجنبية من ما يعادل 244 مليار جنيه في حزيران/ يونيو 2016 إلى 471 مليار في حزيران/ يونيو 2018.

وقد انعكس هذا الأمر على زيادة تكلفة تلك الودائع التي وجهتها البنوك إلى المركزي؛ من 22 مليار جنيه في العام المالي المنتهى في حزيران/ يونيو 2016، إلى 60 مليار جنيه في العام المالي المنتهي في حزيران/ يونيو 2017، ثم إلى 129 مليار جنيه في العام المالي المنتهي في حزيران/ يونيو 2018.

وعلى الجانب الآخر، لم يستطع المصرف المركزي أن يوظف تلك الأموال المتزايدة لديه، في مجالات تحقق عوائد كافية لتغطية ما يدفعه من عوائد للبنوك، بل على العكس، اتجهت عوائد القروض والأرصدة لدى المصرف المركزي إلى التراجع، من 30 مليار جنيه في العام المالي المنتهي في حزيران/ يونيو 2016، إلى 20.5 مليار جنيه في العام المالي التالي، ثم إلى أقل من 12 مليار في العام المالي المنتهى في حزيران/ يونيو 2018.

توظيفات لموجودات بلا عوائد

وهذا تسبب في الخسارة الضخمة التي تخطت 33 مليار جنيه، وساهم في ذلك أن توظيفات أصول المصرف المركزي خلال العام المالي الأخير، تضمنت أكثر من 71 مليار جنيه، كحسابات جارية وسندات حكومية بلا عائد، إضافة إلى قروض وودائع مساندة للبنوك وفروق تقييم أرصدة بالعملات الأجنبية في حساب وزارة المالية لديه، لتصل جملة الأصول التي لا تحصل على عائد إلى 362 مليار جنيه، وهو ما يمثل نسبة 18 في المئة من مجمل الموجودات.

كما أن نسبة توظيفات المصرف المركزي في الأذون والسندات الأجنبية من الموجودات بلغت 26 في المئة، وهي توظيفات تدر عوائد منخفضة كثيرا عن نسب العوائد التي يدفعها المصرف المركزي للبنوك المحلية، واقتصر التوظيف في الأذون والسندات المحلية ذات العائد المرتفع على نسبة 32 في المئة من الموجودات، مع الأخذ بالاعتبار أن هذا العائد بعد خصم الضرائب لا يغطي نسب العائد التي يدفعها المصرف المركزي للبنوك.

وهكذا تسبب لجوء محافظ البنك المركزي إلى الرفع الكبير للفائدة في مشاكل جسيمة للبنوك العامة، سيظل أثرها ممتدا حتى آب/ أغسطس من العام الحالي، وهو موعد استحاق شهادات الثلاث سنوات، وكذلك تراجع أرباح المصرف المركزي في العام المالي 2016/2017، ثم تحوله للخسارة في العام المالي 2017/2018، رغم نصح كثير من الخبراء له في البداية بأن التضخم المصري ليس ناتجا عن تخمة بالسيولة، والتي أراد المحافظ سحبها برفع الفائدة، ولكنه ناجم عن عوامل تخص تكلفة المنتجات. بل إن رفع الفائدة زاد من أعباء التكلفة على الشركات المنتجة، والتي قامت بتحميلها على المستهلكين بالنهاية، أي أن رفع الفائدة زاد التضخم في النهاية.

لكنه في ضوء الأوضاع المصرية وانسداد المناخ السياسي، لا يوجد برلمان يمكنه مساءلة المحافظ، أو إعلام اقتصادي يمكنه مراجعته، أو مراكز بحثية مستقلة تستطيع كشف خطئه، أو مسؤولون لديهم دراية بالشأن الاقتصادي أو مخالفة النغمة السائدة التي لا تتحدث سوى عن الإنجازات، ليدفع المجتمع ثمن تصرفات المحافظ القادم من خلفية غير اقتصادية أو تجارية.

أضف تعليقك