• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

بقلم: شريف منصور

منذ حوالي ثلاثة أسابيع، وفي حلقة نقاشية بعنوان "الانتفاضات العربية بعد ثماني سنوات.. الدروس المستفادة لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط"، التي نظمها مركز التقدم الأمريكي في واشنطن، قالت السفيرة الأمريكية السابقة في القاهرة آن باترسون (2011-2013) إن الجيش المصري هو من أطاح بالرئيس محمد مرسي، وربما هو من سيُطيح بالسيسي في المستقبل. وذكرت أنها التقت بالسيسي عندما كان وزيراً للدفاع 32 مرة (في أقل من عام!!)، إلا أنها لم تُفصح عن تفاصيل ما دار في هذه اللقاءات الـ32! وقد كان لباترسون دور في الانقلاب على الرئيس مرسي، بحسب ما ذكره الصحفي عماد جاد، المتحدث الرسمي باسم جبهة الإنقاذ التي تشكلت نهاية عام 2012 لإسقاط حكم الرئيس المنتخب محمد مرسي.

عموماً، جاءت تصريحات باترسون في ظل احتدام الجدل حول التعديلات الدستورية التي يريدها السيسي لبقائه في الحكم مدى حياته. ومنذ عدة أيام، تحدث الحقوقي الدولي الفرنسي "فرانسوا دوروش" لموقع "عربي21"، أيضاً في مداخلة مع إحدى القنوات المصرية المعارضة، أن أمريكا وبعض الدول الأوروبية تُلمح حالياً بأن الجيش المصري قد ينقلب على السيسي خلال المرحلة المقبلة؛ نظراً لما وصفها بحالة التخبط والفشل والفاشية التي صارت سمة أساسيةً من سمات نظام السيسي الفردي السلطوي التعسفي، بحسب قوله. وأكد أنه لا أحد في أوروبا يُخفي استياءه من ممارسات السيسي، لذلك هناك رغبة غربية في التخلص من تبعات هذا النظام المتخبط، بحسب وصفه.

اللافت أن هذه الأحاديث عن سعي الجيش للإطاحة بالسيسي تأتي بالتزامن مع انتفاضة الشعب الجزائري الشقيق، رفضاً لترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة خامسة، وبالتزامن أيضاً مع هبّة الشعب السوداني ضد الرئيس عمر البشير، ومع حالة السخط من سعي السيسي لتعديلات دستورية تُبقيه جاثماً علي صدر الشعب المصري مدى حياته، وفي ظل حالة من التململ الشعبي ضد السيسي وممارساته التي أرهقت الشعب وأفقرته وأذلته، والتي برزت في خروج بعض المظاهرات الصغيرة والعفوية في بعض المحافظات المصرية، والتفاعل مع حملة #اطمن_انت_مش_لوحدك والصفارات وطرق الأواني.

هذه الأحاديث في اعتقادي ليست جديدة، ولا تبتعد كثيراً عن أحاديث وإشاعات مشابهة تلت الانقلاب العسكري في خضم المظاهرات والغضب الشعبي ضده، مثل "الانقلاب يترنح" و"السيسي مات" و"صدقي صبحي سيطيح بالسيسي" وغيرها، وهي غالباً ما تظهر في أوقات الغضب الشعبي وتوقُع الانفجار، والغرض منها بحسب قراءتي للمشهد منذ خمس سنوات؛ هو تفريغ شحنات الغضب الكامنة لدى الناس وخداعهم حتى لا يتحركوا في إطار أي فعل إيجابي على الأرض للإطاحة بالسيسي وحكمه العسكري، ولتثبيط همم الناس، وعزائمهم على اعتبار أن الجيش هو الذي سيتحرك في الوقت المناسب للإطاحة بالديكتاتور، وأنه سيقوم بما يُحتِمه عليه واجبه نيابة عن الشعب، فلماذا تُتعبون أنفسكم في التحرك و"الجيش هيقوم بالواجب"؟

وهذه الأحاديث المتجددة تجعلنا نطرح عدداً من الأسئلة:

أولاً: لماذا يُطيح الجيش بالسيسي وهو من مكّنه من السيطرة على كل مقدرات البلاد ويتحكم فيها ويتمتع بكل خيراتها، ويحتل مكانة فوق الدولة؟ بل إن التعديلات الدستورية التي يسعي السيسي لإقرارها تجعل من الجيش هو المسيطر الفعلي على الدولة، بنص الدستور والقانون.

ثانياً: ما الذي يجعل الغرب وأمريكا وأوروبا يتواصلون مع الجيش للإطاحة بالسيسي؛ وقد جرى الانقلاب الذي قام به والمذابح التي ارتكبها ويرتكبها كل يوم على أعينهم؟ فمنذ عدة أيام حضر قادة أوروبا بقضهم وقضيضهم مؤتمر شرم الشيخ؛ دعماً للسيسي وترسيخاً لحكمه، بعد أيام من تنفيذه حكم الإعدام بحق تسعة مصريين يعلم قادة أوروبا علم اليقين أنهم مظلومون.. بل ويؤكدون على أنهم في شراكة حقيقية مع السيسي الذي يحمي مصالحهم في محاربة الإرهاب ومكافحة الهجرة غير الشرعية.. هكذا بكل صراحة ودون مواربة. وها هو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يُوجه دعوة للسيسي من أجل حضور قمة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى القادمة التي تستضيفها فرنسا العام الحالي. فهل هذه مؤشرات تدل على سعيهم للإطاحة به أم مجرد أوهام؟

إن الحالة ربما الوحيدة التي تجعل الجيش يُضحي بالسيسي ويُطيح به هي تشكُل حالة شعبية واسعة رافضة للسيسي وسلطويته؛ تؤدي لخروج الجماهير إلى الشوارع ضده بكثافة، كما حدث مع مبارك، بما يهدد مصالح الجيش ويهدد مصالح الغرب إذا اضطربت الأوضاع. أما غير ذلك فمجرد أوهام وظنون لا تُغني من الحق شيئا، الغرض منها تفريغ غضب الجماهير في سراب.

فما الحل إذاً؟ الحل الوحيد هو الوحدة والالتقاء علي كلمة سواء، وإيجاد أرضية مشتركة يجتمع عليها معارضو السيسي ومناهضوه في الداخل والخارج، وفق استراتيجيات وخطط وأهداف وإجراءات واضحة؛ تحلحل الوضع في مصر من أجل الإطاحة بالسيسي. وكل الدلائل والمؤشرات تقول إن الشعب في حاجة لمن يرشده، وعلى استعداد تام للتجاوب مع أي حراك جاد واضح الأهداف والوسائل، من أجل تخليص البلاد من هذا البلاء.. والله أعلم.

أضف تعليقك