بسم الله الرحمن الرحيم
"هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله"
طلبت منه بينما هو واقف أمامي خالٍ من المشاعر وقلب هجرته الأحاسيس أن أتمكن من لقاء أخي ورفيق دربي وزميل حبساتي السابقة والحالية أ.د. محمد وهدان لمواساته في ابنه ورفاقه الثمانية الذين لقوا ربهم فجر ذلك اليوم فرفض قائلاً : ابقى عزيه برة !! (لعلها بشرة خير إن شاء الله) وذكرته بالشرع والدين والخلق والإنسانية فرفض بإصرار ليدلل لي أن هناك بشراً تحولوا إلى مجرد آلات لا تهزها المواقف ولا تؤثر فيها الأحداث، قلوبهم كالحجارة أو أشد قسوة!! هكذا صنعهم الانقلاب ..
ذاك هو ضابط الأمن الوطني الذي حضر إلى السجن ليرى بنفسه ردود فعلنا إثر تلقينا نبأ تنفيذ أحكام الإعدام لتسعة من أبنائنا الشباب الرجال كان أحدهم "أحمد الدجوي" قضى بيننا في عنبرنا عدة أشهر وكان مثال المسلم الصابر المحتسب لربه تعالى لا يخرج من زنزانته أبداً التي أغلقها الحراس تماماً طوال إقامته .. فماذا وجد ذلك الضابط؟
لم يجد إلا سكينة ألقاها الله في قلوبنا وثباتا أفرغه علينا و حمدا لله تلهج به ألسنتنا هاتفة " هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله" ودعاءً خالصا أن يتقبل الله هؤلاء الأطهار في ركب الشهداء الذين قضوا على يد الإنقلابيين و أكملوا عدة أكثر من أربعين على أعواد المشانق منهم خمسة عشر فقط خلال أقل من أسبوعين ، وجد يقينا ورضى ترجمةً لقوله تعالى "وما زادهم إلا إيمانا و تسليما" وقدوتنا في ذلك "رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا" (في عنبرنا 10 يلبسون ملابس الإعدام) وشعارنا هو "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله و اليوم الآخر وذكر الله كثيرا" ..
لقد أسفر الانقلاب العسكري منذ ساعاته الأولى عن دموية شديدة إذ بدأت المذابح بالمصلين فجرا أمام الحرس الجمهوري يوم 8-7-2013 ثم توالت أمام المنصة ووصلت ذروتها في 14-8-2013 في مذبحتي رابعة والنهضة ولم تتوقف .. رمسيس ومسجد الفتح وفي مختلف المحافظات وحتى الآن ..
لقد استخدم الإنقلاب الشرطة و النيابة ووظف القضاء الذي أنشأ دوائر استثنائية لمحاكمة رافضي الإنقلاب وهم الذين منحهم الشعب المصري ثقته دائما في كل انتخابات تمت بعد ثورة 25 يناير بنزاهة شهدها العالم وأصدر هؤلاء القضاة المئات من أحكام الإعدام .
وبالرغم من بيانات الشجب والإدانة الصادرة من الأمم المتحدة وهيئات حقوق الإنسان والمظاهرات المنددة في كل أنحاء العالم إلا أن رعاة الإنقلاب دوليا وإقليميا استمروا بإمداده بالسلاح الذي يقتل به المتظاهرين والمال الذي يتدفق عليه ليستمر في موالاة العدو الصهيوني قدوته في المذابح وشريكه في القتل.
وتصاعد الرفض للإنقلاب وتآكلت شعبية قائده فلجأ وأعوانه إلى آلية الخطف والإختفاء القسري والتعذيب البشع ثم التصفيات الجسدية خارج إطار القانون متصورا أنه بذلك يحقق الردع للرافضين للا+نقلاب فأزهق عشرات الأرواح الطاهرة البريئة جهارا نهارا في أعقاب كل حادث يعجز قائد الإنقلاب وأجهزته الفاشلة في كشف غموضه خشية أن تهتز صورته أمام أسياده الذين مكنوا له وعينوه رئيسا لأكبر بلد عربي فيقتل العشرات ممن تحت يده بالمعتقلات وزنازين الأمن الوطني التي لا رقابة عليها كي يظهر بمظهر المسيطر على مقاليد الأمور بالزيف و الإجرام ومع ذلك يغض رعاته وممولوه الطرف عن تلك الجرائم البشعة.
أما الشعب المصري الصابر الواعي فيرفض تلك الجرائم وبإشارات واضحة تظهر عبر وسائل التواصل الإجتماعي أو الروح الشعبية عبر النكات والأغاني والحوارات في الشارع والتي يكبح تطورها ويؤخر انفجارها آلة الحديد والنار وسياسة التنكيل ببعض هؤلاء والتي أوغل فيها النظام فزج بالمدونين والممثلين والمنشدين والمعارضين بالسجون فهل توقف الأمر عند هذا الحد؟ لقد لجأ الإنقلاب إلى سياسة القتل الأبيض تجاه الشرفاء المحبوسين في سجون الطاغية وهو قتل بطيء بإهمال علاج المرضى وعدم عرضهم على الإستشاريين المتخصصين وحرمانهم من أساسيات الحياة وأبسط حقوقهم والتعرض للشمس أوالحركة خارج الزنازين الإنفرادية الضيقة أو الطعام المتوع الكافي ولو على نفقتهم ومنعهم من الزيارات ل3 سنوات والقيود على إدخال الأدوية لهم من خارج السجن إلا بصعوبة وتكون النتيجة المباشرة هو تدهور الحالة الصحية التي تؤدي إلى الوفاة للمرضى وكبار السن أو أصحاب الإحتياجات الخاصة.
ويكفي أن نذكر فقط أننا ودعنا خلال شهور قليلة بسجن العقرب أربعة من رجالات مصر الذين قضى معظمهم في سجون مصر سنوات طويلة في عهد مبارك ولم يتحملوا شهوراً قليلة في سجون الإنقلاب وهم:
د. فريد إسماعيل (النائب السابق) وأ.عصام دربالة (رئيس شورى الجماعة الإسلامية) وأ. نبيل المغربي (أشهر سجين سياسي لمدة ثلاثين عاما) ومرجان سالم (القيادي في جماعة الجهاد) وجميعهم تم إهمال علاجهم حتى قضوا نحبهم وكان آخرهم د.محمد مدني الذي مات محروما من حقه في العلاج بمعهد الأورام وحرمانه من لم شمله مع أولاده الثلاثة المحبوسين وهو ما تقضي به الأعراف الإنسانية و اللوائح والمواثيق الدولية.
وهو نفس ما يتعرض له الآن الدكتور محمد البلتاجي أستاذ الطب والذي تعرض وأسرته لضغوط إجرامية متوالية منذ استشهاد ابنته أسماء في مذبحة رابعة وظهرت عليه مؤخرا أعراض مرضية خطيرة من فقد القدرة على النطق في نوبات متكررة وسقط في رسغه الأيمن وثقل في حركة الساق وحالة أرق شديدة وأعراض أخرى وبالرغم من مرور أسابيع إلا أن السلطات تتباطأ في إجراء الفحوص المحتم إجراؤها في هذه الحالات ولم يتم صرف قرص دواء واحد طوال هذه الفترة وطالب زملاؤه بلم شمله مع ابنه أنس المحبوس في تهمة جديدة في حبس انفرادي أيضا بعد أن برأته محكمة النقض بعد خمس سنوات ليتسنى له خدمة أبيه المحبوس انفراديا أيضا وتم رفض أن يرافقه في محبسه الإنفرادي ولو مؤقتا أي من زملائه ورفقائه للسهر عليه ورعايته!
ولأنهم يستبقون تنفيذ حكم الإعدام (صدر ضده 2 إعدام ، 230 سنة سجن) بآلية القتل البطيء والآن وقد مرت قرابة 6 سنوات على الإنقلاب وأيقن الإنقلابيون أن كل خططهم لكسر إرادة الرافضين للإنقلاب وإخضاع الشعب باءت بالفشل الذريع بينما تواصل بفضل الله وتثبيته صمود الإخوان والرافضين معهم في تحالف واسع داعم لشرعية ولم ينثنوا لوعيد أو تهديد ولم يستدرجوا لإغراء وبدا للقوى الوطنية والثورية مدى ما وصل إليه التفريط في سيادة الوطن ومقدراته وبيع أرض وإغراق البلاد في ديون والتزامات إقليمية ودولية تصادر حق الأجيال القادمة وأملها في أي تحسن أو مستقبل مشرق وترهن سيادة مصر للعدو الصهيوني ورعاته الإقليميين والدوليين، كما أدركت كثير من القوى التي انخدعت في الإنقلاب وساندته خطأها وأنها (أكلت يوم أكل الثور الأبيض) فدارت الدورة عليها وبدأ رئيس الإنقلاب في تصفيتهم والتخلص منه حتى لا يبقى إلا هو وطعمته والكرسي فقط، حتى طال رئيس الأكان الذي كان يؤدي له التحية العسكرية وتخلص من شركائه في الإنقلاب عسكريين وسياسيين وشرطة وتم حبس بعضهم وخرج البعض الآخر إلى خارج البلاد وبينما لاذ أكثرهم بالصمت انطلقت أفواه وأقلام آخرين لتفضح مؤامرة 30-6 ممن شارك في صناعة السيناريو والتمثيل والإخراج!!
اليوم بدا واضحا أن ما حققته ثورة 25 يناير وشعب مصر وكل قواه الحية من انجازات في عنفوان الثورة والسنة التي حكم فيها الرئيس الشرعي الدكتور محمد مرسي من انتخابات حرة وإلغاء الطوارئ ومنع التعذيب وإطلاق حرية الإعلام والدستور الذي وضعه الشعب عبر ممثليه المنتخبين والقضاء المستقل وبدايات العدالة الإجتماعية قد ذهب أدراج الرياح بفعل الثورة المضادة والإنقلاب وعادت البلاد إلى أسوء مما كانت عليه في عهد مبارك بكثير وما أمر التعديلات الدستورية بغريب لأنها تعيد للأذهان قصة السادات ومبارك وأحلامهم للاستمرار في الحكم حتى النفس الأخير.
ولا يعتبر قائد الإنقلاب بما جرت به مقادير و سنن الله الجارية فإن الله القادر الخبير المطلع على الخفايا و الأسرار والذي حفظ مصر على مدار القرون المتوالية لتكون حصنا للعرب والمسلمين سيحفظها من كل تدبير ومكر سيء وطالما بقي في مصر شباب واع طاهر ورجال ونساء أوفياء لعهدهم مع الله وأمناء مع ثورتهم المباركة رغم المحنة وقسوتها و الإعدامات وإجرامها يذكرون للشعب الذي أعطاهم ثقته أنهم على العهد يجددون سيرة المجاهدين على مر العصور وها هو رئيس البلاد الشرعي ثابت صامد لا يلين رغم الحبس الإنفرادي طيلة 6 سنوات حُرم خلالها من لقاء أهله و الإطمئنان عليهم وأبسط حقوقه كإنسان ناهيك عن مكانته كرئيس منتخب ورفقة إخوانه معه. وها هي أسر الشهداء الأبرار (نحسبهم كذلك ولا نزكيهم على الله) والمحبوسين والمنفيين تظهر ما أراده الله لهم من الكرامة فيودعون الشهداء بالزغاريد ويوزعون الحلوى على شهود الجنازات ويتلقون التهاني بارتقاء الشهداء بديلا عن العزاء ويزفون أبناءهم إلى جنات الخلد والحور العين رحمة من الله وفضل وكأنهم يوجهون نداء إلى كل القوى الإسلامية والثورية والوطنية أن تؤجل خلافاتها الثانوية وتركز على هدف وحيد لتفعيل دعوة الاصطفاف الوطني عاجلا من أجل إنقاذ الوطن وإزاحة كابوس الإنقلاب و أن يكون شعارهم (ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا) ليحيا كل المصريين في وطن حر مستقل بكرامة وعزة.
"و يقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا"
أضف تعليقك