بقلم: مصطفى جاويش
صدر مؤخرا مؤشر "إنديغو ويلنس" للرفاه حيث تصدرت كندا قائمة الدول الأكثر صحة في العالم، في حين جاءت دولتان عربيتان هما مصر والعراق ضمن أسوأ عشرين دولة أداء في تصنيف الصحة العالمية الذي أورد نتائجه موقع بيزنس إنسايدر نقلا عن دورية "غلوبال بيرس بيكتيف" المعنية بأبحاث ودراسات الرعاية الصحية.
وحدد التصنيف العالمي الجديد لعام 2019 أفضل الدول التي يتمتع رعاياها بالصحة في مقابل دول لا يحظى مواطنوها برعاية صحية جيدة. ويعتبر مؤشر "إنديغو ويلنس" للرفاه -الذي جمع البيانات الخاصة بهذا التصنيف- واحدا من أكثر المؤشرات شمولا، إذ يغطي 191 دولة حول العالم.. وعزا المؤشر احتلال مصر لهذا المركز المتأخر إلى قلة الإنفاق الحكومي على الرعاية الصحية وارتفاع خطر الإصابة بداء السكري، ومعدلات البدانة.
واستند المؤشر الدولي في تصنيفه على 10 معايير هي: مستوى الحياة الصحية، ارتفاع ضغط الدم، مستويات السكر في الدم، البدانة (السمنة)، الاكتئاب، السعادة، تعاطي الكحول، استخدام التبغ، الخمول، الإنفاق الحكومي على الرعاية الصحية.
وركز المؤشر بالنسبة لمصر على معايير الإنفاق الحكومي على الصحة ونسبة انتشار أمراض السكر والسمنة بين المواطنين. ولكن بنظرة شمولية لجميع المعايير العشرة نجد أن مصر قد حققت تراجعا ملحوظا في معظمها وذلك على النحو التالي:
أولا: تدني الإنفاق الحكومي على الصحة ؛ نص دستور 2014 على ضرورة أن لا يقل نصيب الصحة عن 3 % من إجمالي الناتج المحلى وبحيث يرتفع تدريجيا ليصل إلى المستوى العالمي، ومن المعروف أن دول العالم تنفق على الصحة بمعدل يتراوح بين 7 إلى 15 % من موازنها السنوية.
ولكن الواقع المصري كان متناقضا بحيث أن نصيب الصحة في الموازنة العامة للدولة للعام الحالي 18/2019 بلغ 61.2 مليار جنيه منه 16 مليار جنيه مخصصات المياه والصرف الصحي، وبذلك تكون نسبة الصحة الفعلية هي 1.2 % فقط مما يعنى أقل من ثلث النسبة المقررة عام 2014 وبالتالي فهي تقل كثيرا عن النسبة المتوقعة بعد مرور خمس سنوات من اعتماد دستور 2014.
وقد انعكس هذا التدني في الإنفاق الحكومي على الصحة بصورة كبيرة على المستشفيات الحكومية والتي ينقصها التطوير والتحديث والإمداد بالتجهيزات الطبية والأدوية الضرورية لإنقاذ حياة المرضى، وجدير الإشارة إلى تقرير المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية الذي أعلن فيه أن 61 % من المصريين غير راضين عن الخدمة الصحية.
ثانيا: انتشار مرض السكرى والذى يشكل واحدا من أكبر التحديات الصحية في مصر حيث يبلغ عدد المصابين 8.2 ملايين مريض، وتحتل مصر المرتبة الثامنة عالميا من حيث انتشار مرض السكرى، والذى يتسبب مع غيره من الأمراض المزمنة والغير المعدية في نسبة 60 % من الوفيات سنويا.
ثالثا: زيادة نسبة البدانة (السمنة) أعلنت وزيرة الصحة المصرية في مؤتمر حضره السيسي أنه من بين 17 مليون مواطنا مصريًا خضعوا للمسح الطبي الشامل، يوجد 75% يعانون من زيادة الوزن، بينما 25% فقط يتمتعون بأجساد صحية، وهو ما يعني أن النسبة الإجمالية بعد انتهاء المسح قد تتعدى نصف المصريين مصابون بالسمنة.
وتؤيد الأرقام السابقة دراسة طبية نشرتها مجلة "نيو إنغلاند الطبية" في وقت سابق من العام 2018، تشير إلى أن 19 مليون مصري مصاب بالسمنة، وأن مصر تتصدر نسبة البدناء البالغين، بواقع 35% من إجمالي السكان مصاب، بينما 3.6 ملايين، أو 10.2% من عدد الأطفال المصريين، يعانون من السمنة المفرطة.
وتشكل السمنة تهديداً خطيراً للصحة العامة في مصر؛ حيث تتسبب في تنامي أمراض مثل السكري، وأمراض القلب والأوعية الدموية، وترجع زيادة الوزن بين المصريين لاسيما الشباب إلى تدني مستوى المعيشة وتردي معدلات الدخول، التي لا تمكن غالبية الأسر من الاشتراك في أندية رياضية أو تناول أطعمة متنوعة.
ويؤكد هذا التوجه ما ذهبت إليه دراسة طبيبة أجراها باحثون بريطانيون، وامتدت لأكثر من 55 عاماً، حيث وجدت أن مستويات السمنة تتزايد كلما زاد الفقر، إذ يميل آباء أطفال الطبقات الدنيا إلى تقديم طعام أرخص وغني بالدهون أكثر وأسرع في عملية الطهي لأطفالهم.
رابعا: انتشار مرض ارتفاع ضغط الدم والذي يعتبر من أكثر الأمراض انتشارًا في مصر، ووفقًا لدراسة مصرية أخيرة تبين أنه يصيب 40 % من السكان.
وتزداد معدلات الإصابة مع تقدم الأشخاص في السن، إذ يُصاب حوالي 50% من الأشخاص بهذا المرض بعد الستين كما تبين أيضًا حسب الدراسة المصرية أن حوالي ثلثي مرضى الضغط لا يعرفون إصابتهم بهذا المرض بسبب طبيعته الصامتة.، ولهذا فقد تم تسميته بالقاتل الصامت.
خامسا: انتشار التدخين: حيث تؤكد الإحصائيات أن 43 % من المصريين مدخنون، منهم 80% يتعاطون سجائر مصنعة، في حين يتناول 20% منهم "الشيشة".
والخطورة كان في انتشار التدخين بين الأطفال وذلك حسب البحث الذى أعدته الأمانة العامة للصحة النفسية، حيث تبلغ نسبة معدلات التدخين في المدارس 10% من الطلبة والطالبات، الذين جربوا التدخين، منهم 5.5% يدخنون الشيشة، و1.9% السيجارة الإلكترونية والآخرون يدخنون السجائر العادية. ومن جهته، يشير المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية إلى أنّ تدخين السجائر في سنّ صغيرة يمثل مشكلة اجتماعية خطيرة، لافتاً إلى أنّ أكثر من 75 في المائة من هؤلاء المدخنين الأطفال يستمرون في العادة السيئة. و من الأسباب النفسية والاجتماعية التي تؤدي للتدخين، غياب القدوة، وفقدان دور الأسرة، والتفكك الأسري، والضغوط النفسية والاجتماعية على الأطفال، فضلاً عن غياب الدور المدرسي الكبير في الحفاظ على النشء خلال مراحل تعليمه الأولى.
سادسا: انتشار الاكتئاب حيث يعانى المصريون من مشاكل نفسية بنسبة 30 % من الشعب بدرجاتها وهذا يعنى أن 30 مليون مصري عندهم مشاكل نفسية ونصفهم مصابون بالاكتئاب، في حين أن من يخضعون للعلاج لا تتجاوز نسبتهم 0.4 % فقط منهم وذلك بحسب بيانات المسح القومي للصحة النفسية لعام 2018.
سابعا: تراجع مؤشر السعادة: احتلّت مصر المركز 137 من أصل 156 دولة حول العالم في مؤشر السعادة العالمي لعام 2019.
ثامنا: زيادة نسبة الخمول؛ وانتشار الخمول له أسباب نفسيّة مثل الاكتئاب والإصابة ببعض الأمراض مثل أمراضِ فقر الدم (الأنيميا) المنتشرة بين المصريين، وأمراض الكبِد بأنواعها المختلفة و الإصابة بنقص بعض العناصِر الغذائيّة.
ورغم الدعايات الإعلامية المستمرة حول المبادرات الرئاسية لمواجهة المشاكل الصحية إلا أنها ترتكز في التمويل على القروض مثل مبادرة 100 مليون صحة والممولة بقرض 429 مليون دولار من البنك الدولي، أو على التبرعات مثل مشروع مكافحة العمى وتمويله من صندوق تحيا مصر، وهذه المصادر الغير حكومية للتمويل لا تضمن استدامة تقديم الخدمة الصحية المطلوبة بصورة جيدة.
كما أن تناول نتائج المسح الميداني حول البدانة (السمنة) أصبح مثارا للسخرية بسبب حديث السيسي حول "الكرش" وتسطيح المشكلة رغم خطورتها وتعدد أنواعها، خاصة وأن أسباب السمنة من أهمها الفقر والذي يبلغ نسبته رسميا 28% من المصريين وينتج عنه سوء التغذية، والسبب الهام الآخر هو قلة ممارسة الرياضة لعدم وجود ملاعب بالمدارس ومحاولات الحكومة المستمرة نحو غلق الساحات الرياضية الشعبية، ومن المتوقع استمرار تدهور الوضع الصحي في مصر لعدم وجود أية مظاهر لخطوات جادة نحو مواجهة تلك المشاكل بصورة واقعية وبتمويل يضمن الاستدامة والاستمرارية.
أضف تعليقك