بقلم: وائل قنديل
ماذا لو دعا بشار الأسد الشعب السوري إلى الاحتشاد والكفاح، دفاعًا عن الجولان المحتل؟ من سيلبي النداء وسورية منقوصة من 13 مليونًا من أبنائها، هم عدد النازحين من إجرام بشار، يتوزّعون لجوءً حول العالم، بحسب آخر إحصاءات متداولة في العام 2018؟.
وفقًا للأرقام المنشورة على موقع مركز "بيو" للأبحاث، وهو مركز بحثي أميركي، يشتغل على مجال أبحاث الشعوب، في العام الماضي، فإن 60% من عدد سكان سورية قبل الحرب، نازحون ومهجّرون، خارجيًا وداخليًا، وهي نسبة نزوح لم تشهدها دولةٌ من قبل خلال العقود الأخيرة.
وتوضح الدراسة التي نشرها المركز أن أكثر من ستة ملايين و300 ألف سوري، أي حوالي 49% من عدد المهجرين قد نزحوا داخليا، بينما، وكما تفصل الدراسة، هناك أكثر من خمسة ملايين سوري لجأوا إلى الدول المجاورة في تلك المنطقة: تركيا (3.4 ملايين) ولبنان (مليون) والأردن (660 ألفا) والعراق (250 ألف) يمثلون حوالي 41% من عدد اللاجئين السوريين المنتشرين في العالم. وهناك أكثر من 150 ألفا يعيشون في دول شمال إفريقيا مثل مصر (130 ألفا) وليبيا، أما أوروبا فيعيش فيها حوالي مليون سوري، كلاجئين أو طالبي لجوء: ألمانيا (530 ألفا يمثلون خامس أكبر نسبة لاجئين في العالم) والسويد (110 آلاف) والنمسا (50 ألفا) بالإضافة إلى نحو مائة ألف سوري في أميركا الشمالية.
السؤال الأهم هنا: هل يمكن لشخصٍ فعل في بلده كل هذه الأفاعيل أن يكون معنيًا بالجولان؟ هل يمكن أن يكون مشغولًا بإنهاء احتلال أرضه من أنزل بشعبه مئات أضعاف ما قام به الاحتلال الصهيوني؟. قبل ذلك، هل بشار الأسد لا يزال يرى الكيان الصهيوني عدوًا؟.
بشار الأسد مثل كثيرين من أعضاء النظام الرسمي العربي، حرّروا أنفسهم من قيود التاريخ والجغرافيا، وصاروا يتعجّلون إعادة صياغة العلاقة مع الكيان الصهيوني. ربط بعضهم نفسه به بحبلٍ سري لا ينفصم، وآخرون يتسابقون على مد الجسور. وهؤلاء وأولئك باتوا يعتبرون دونالد ترامب مصدر السلطات، وحامي العروش، أمره نافذٌ وكلمته قانون، حتى وإن تسربل بعضُهم بأرديةٍ مهترئة من عبارات الشجب والاستنكار.
والشاهد أن بشار الأسد، وغيره من أكلة لحوم الثورات العربية، ملتزمون بناموس ترامب وإسرائيل: العدو هو، فقط، الربيع العربي، الذي وصموه بالإرهاب، وأعلنوه مرادفًا له، وما دام العالم، وفي طليعته الكيان الصهيوني، يحارب الإرهاب، بالتعريف الصهيوني الواضح، وبما أن العرب، من كارهي ربيع الشعوب، خادمون أوفياء لهذه المعركة، فإنهم راضون بالشراكة مع الصهيوني، ومحاربون تحت راياته.
وفي حالة الأسد تحديدًا، لا ينكر الدور الإسرائيلي في حماية عرشه، من خطر ثورة شعبه عليه، فكيف يرفع عينه في وجه دونالد ترامب، ولسان حال الأخير يقول: قتلنا لك الربيع، وأجهضنا الثورة عليك، فلا ثمن أقل من الجولان يا ابن الأسد".
وأكرر هنا إنه من المهم أن نتفق على معنى الوطن، وهو في ظني لا يقتصر على الحدود الجغرافية، بل قبل ذلك الوطن هو الإنسان، فمن يقتل الإنسان يبيد الوطن، ويدمر وجوده، ولكي تكون مؤهلًا للحفاظ على الوطن بحدوده الجغرافية، وسلامة أراضيه، عليك أولًا أن تحمي الوجود الإنساني فيه.. أن تحافظ، يا ابن حافظ، على الحدود الإنسانية للوطن، وضمان سلامة قواه الأخلاقية والعقلية.وبما أنك أهدرت ذلك كله، فإنك منحت صوتك، أو صمتك، لدونالد ترامب، لكي يقتطع من الوطن ويمنح إسرائيل، كي تشتري عرشك.
أضف تعليقك