• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

بقلم: شريف منصور

أدى استشراء الفساد والمحسوبية والأزمات الاقتصادية وتغول الأجهزة الأمنية وزيادة القمع بشكل غير مسبوق، وتحكم فئة من رجال الأعمال المقربين من دوائر الحكم في مقدرات الوطن، في إطار التحالف بين المال والسلطة، ومحاولات الدفع بجمال مبارك نجل المخلوع حسني مبارك لوراثة والده في السلطة وبقاء حسني مبارك في السلطة لأكثر من عقدين من الزمان، أدى هذا كله إلى تبلور حالة شعبية رافضة لسياسات النظام الحاكم وعلى رأسه مبارك قبل اندلاع ثورة 25 يناير.

بيئة ثورة 25 يناير

يذكر الجميع كيف بدأت مطالب التغيير والإصلاح في التبلور، مع تشكل حركات وجبهات وتيارات في الجامعات والنقابات وفي أوساط الشباب وبعض مؤسسات الدولة، مثل حركة استقلال الجامعة المعروفة بحركة 9 مارس وتيار استقلال القضاء. كما سعت بعض القوى والأحزاب إلى تأسيس الحركة المصرية من أجل التغيير "كفاية".

ظهرت بعد ذلك حركة السادس من أبريل تفاعلاً مع حراك عمال المحلة ثم الجمعية الوطنية للتغيير التي تشكلت عام 2010 من عدد من الأحزاب والتيارات وممثلين عن المجتمع المدني والشباب، وقد أصدرت عريضة تُطالب بالتغيير والعمل على إقامة نظام سياسي يقوم على الديمقراطية الحقيقية والعدالة الاجتماعية عبر إجراء انتخابات حرة ونزيهة دون إقصاء بالإضافة لعدة مطالب أخرى وقّع عيها أكثر من مليون مصري، كما ظهرت أيضاً مئات الحركات الإحتجاجية الفئوية المطالبة بإصلاح الأحوال المعيشية والإقتصادية.

هذا التدافع الكبير شكّل حالة شعبية رافضة لسياسات النظام كانت هي الشرارة التي أشعلت ثورة 25 من يناير المجيدة التي خلعت مبارك والتأسيس لحالة ديمقراطية لم تدم طويلاً بسبب الانقلاب العسكري عليها في الثالث من تموز (يوليو) عام 2013، وما سبقه من انقسام وتباعد وتراشق بين مكونات الحركة الشعبية والوطنية بفعل القراءات الخاطئة للمشهد من كافة مكونات هذه الحركة.

وضع كارثي

وبالنظر إلى الواقع الذي تعيشه مصر الآن، بعد قرابة ست سنوات من الانقلاب العسكري الغاشم وسيطرة الجيش بقيادة السيسي وبشكل كامل وغير مسبوق على المشهد السياسي والاقتصادي والإعلامي وكل مفاصل الدولة، سنجد أن الأوضاع في مصر أسوأ بكثير جداً مما كانت عليه في عهد حسني مبارك وتحديداً السنوات التي سبقت اندلاع الثورة، فالفساد والقمع والسلطوية واستباحة الدماء والأموال والأعراض وتدمير مقدرات الوطن والعبث بمستقبله والتفريط في أمنه القومي لم يحدث من قبل في تاريخ مصر الحديث.

الأوضاع في مصر اليوم أسوأ بكثير جداً مما كانت عليه في عهد حسني مبارك

ولعل التفريط في جزيرتي تيران وصنافير وإفراغ شمال سيناء من أهلها وكارثة سد النهضة والتنازل عن ثروات مصر في شرق المتوسط وإغراق مصر في فخ الديون وإخضاعها لعدوها التاريخي والرئيسي إسرائيل، وسجن عشرات الآلاف من المعتقلين السياسيين الرافضين للحكم العسكري، ورهن مقدرات مصر للسعودية والإمارات، وإهدار المليارات في مشاريع لا طائل منها، وحالة الفقر والعوز التي تحياها قطاعات كبيرة من الشعب المصري خير شاهد على الحضيض الذي تعيشه مصر في عهد السيسي وسلطته العسكرية التي تحكم بالحديد والنار.

معارضة دون المستوى

لكن اللافت للانتباه أنه رغم هذه الكوارث والمصائب وهذا الحضيض الذي تعيشه البلاد، إلا أن المعارضة المصرية والمناهضين للحكم العسكري ليسوا على مستوى الحدث حتى الآن، فلم يقدموا تصوراً أو مشروعاً لحل الأزمة المصرية رغم الأخطار الوجودية المحدقة التي تهدد أمن الوطن ومستقبل شعبه وسلامة أراضيه. ورغم الشواهد الكثيرة والدلائل العميقة التي لا تُخطئها عين عن حالة السخط الشعبي المتصاعدة ضد السيسي وسلطته العسكرية، لا تزال المعارضة المصرية في الداخل والخارج غير قادرة حتى الآن على خلق حالة شعبية مُشابهة للحالة التي سبقت اندلاع ثورة 25 من يناير أو قريبة منها، رغم أن حالة مصر أسوأ وأكثر كارثية بعشرات المرات من تلك الفترة.

وهذا وضع محير فعلا، ويدفع للتساؤل عما إذا كانت هناك أية حلول قادرة على مواجهة هذا الوضع السياسي والاقتصادي والأمني المتدهور؟

مدخل التصحيح

قد يكون من الصعب الحديث عن حل مثالي ومتفق عليه بين المصريين، لكنني مع ذلك أعتقد أن صياغة مشروع وطني جامع لا يستثني أحداً في الداخل والخارج يكون على رأس أهدافه استعادة الحالة الثورية من أجل مواجهة هذا الحكم العسكري وإجبار الداعمين له إقليمياً ودولياً على مراجعة مواقفهم منه، هو المدخل الأهم لمواجهة الوضع الحالي. 

ولهذا المشروع دعائم تقوم على شعار إن سفينة الوطن تغرق ولا يمكن إنقاذ الوطن في ظل الانقسام السياسي والمجتمعي الحالي وأن الوطن للجميع وبالجميع، ويشمل البنود التالية: 

أولاً ـ تشكيل كيان جامع لكل أطراف الحركة الوطنية والشعبية المصرية في الداخل والخارج لايستثني أحداً يتبنى أهدافاً واضحة لا لبس فيها تُعلي المصلحة الوطنية على ما سواها.

ثانياً ـ يتوجه برسالة واضحة إلى الجيش المصري، الذي يحكم الآن، بأننا لا نُعاديه، وبأن مكانته وأهميته ليست في السياسة ولا في الحكم، الذي أفقده الكثير من هيبته وأثر على كفاءته بل في عودته إلى وظيفته الأساسية في حفظ أمن الوطن وحدوده وسلامة أراضيه، وأن توريطه في مستنقع السياسة والحكم عبر الإنقلاب العسكري، أضر به وأضعفه وهز صورته ومكانته لدى الشعب المصري والشعوب العربية، لذا فعليه الاستجابة لنداء العقل والمنطق من أجل مصلحته ومصلحة الوطن.

ثالثاً ـ إقامة نظام سياسي يقوم على الديمقراطية والعدالة الاجتماعية من خلال انتخابات حرة ونزيهة تشمل جميع المصريين وتحترم إرادتهم دون إقصاء.

رابعاً ـ إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين في السجون المصرية ورد اعتبارهم وتعويضهم.

خامساً ـ تشكيل هيئة وطنية مستقلة للعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية الشاملة.

سادساً ـ وضع تصور اقتصادي من عدد من الخبراء الاقتصاديين لإنقاذ الاقتصاد المصري من وضعه البائس والمتدهور.

سابعاً ـ توجيه كل الجهود السياسية والمجتمعية للعمل في هذا المشروع الوطني لإنقاذ البلاد اقتصادياً وإنهاء الانقسام السياسي والمجتمعي.

وحتى يكتسب هذا المشروع الوطني مشروعية لابد من موافقة الشعب عليه من خلال جمع توقيعات عليه عبر تدشين موقع إلكتروني أو أي وسيلة أخرى بشرط أن تراعي أمن وسلامة المواطن في ظل القمع والبطش والملاحقة الموجودة. 

هذه خطوة أعتقد أنها قد تُعيد إلى ثورة 25 من يناير روحها في ظل أوضاع إقليمية متغيرة، وبوادر موجة ربيع ثانية مع حراك الجزائر والسودان، والله المستعان.

أضف تعليقك