دفع انتصار ثورة الجزائر ضد حكم الرئيس عبد العزيز بوتفيلقة، الربيع العربي إلى الواجهة من جديد، بعد نحو 8 سنوات من الموجة الأولى التي انطلقت عام 2010 للمطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة.
وحتى وقت متأخر من مساء الثلاثاء، خرج آلاف الجزائريين في احتفالات بالعاصمة ومدن أخرى، بعد ساعات من إعلان الرئيس عبد العزيز بوتقليقة، استقالته بعد حكم استمر 20 عاماً، وعقب أسابيع من الغضب الشعبي.
انطلق الربيع العربي من تونس عام 2010، ثم مر بمصر وليبيا واليمن وسوريا، وتعرض لـ"انتكاسات" في الدول الأربعة الأخيرة.
ففي ديسمبر 2010، شهدت تونس انطلاق احتجاجات لشعوب عربية ضاقت بالواقع الاقتصادي والسياسي في بلادها، بعدما أقدم الشاب التونسي محمد البوعزيزي، على حرقِ نفسهِ احتجاجًا على الظروف المعيشية القاسية التي يعيشها.
واشتعل آنذاك، فتيل الغضب، وتدحرجت كرته الشعبية بسلمية واضحة، وسط انتباه المنطقة العربية لمجريات جديدة جرت في مياه راكدة بالشقيقة بتونس، حتى دوي "بن علي رحل"، في إشارة لمغادرة رئيس البلاد زين العابدين بن علي، العاصمة في 14 يناير 2011، لينتصر الشعب.
وأفضت الأوضاع بتونس إلى سجال سياسي لم ينحرف لمواجهات مسلحة، أدى لتبادل السلطة وظهور حركات معارضة ورموز منفية في عهد "ابن على" في قلب السلطة وأتون المعارك السياسية بالبلاد.
بالمقابل، سرعان ما سرت روح الثورة في نفوس المصريين عام 2011، بعد أيام قليلة من انتصار الثورة في تونس برحيل "ابن علي".
فعلى نحو غير مسبوق، كانت شوارع القاهرة ومدن أخرى بالبلاد مسرحاً لغضب شعبي هادر رفعت فيه اللافتة ذاتها "ارحل"، ولكن هذه المرة أمام الرئيس حسني مبارك، الذي مكث في الحكم نحو 30 عاما.
وكما اقتلعت رياح "الربيع العربي" رأس النظام في تونس، فعلت أيضا في مصر بقبول مبارك التنحي ومنح السلطة مؤقتا لإدارة انتقالية يترأسها قائد الجيش، محمد حسين طنطاوي، وخرجت الجماهير تحتفل.
وتعثرت الثورة المصرية على مدار سنواتها الثمانية وذهبت الكثير من مطالبها أدراج الرياح، في ظل الانقلاب على الرئيس محمد مرسي (صيف 2013)، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا للبلاد.
وعادت السلطة مجددا بعيدا عن قوى "ثورة يناير" الذين تفرقوا حاليا بين المنفى والسجن، وسط مطالب شعبية طفت على السطح مجددا تطالب بالعدالة الاجتماعية وهو شعار الثورة التي نجت من الصراعات المسلحة.
وهبت نسائم الربيع في كل من ليبيا واليمن خلال الشهر ذاته، وبعدها بـ 30 يوما سرت في سوريا، على التوالي.
وخرجت شعوب الدول الثلاثة التي كانت تشتكي من "الاستبداد وتتوق للحرية" وهتفت بإسقاط أنظمة بلادها، قبل أن تنزلق هذه الدول في مواجهات شبه عسكرية ضد الثورات الشعبية.
خبت الهتافات السلمية تدريجيا وحل محلها صوت البارود، لتدخل ليبيا واليمن وسوريا إلى دائرة مفرغة من المواجهات المسلحة لم تخرج منها حتى يومنا هذا، أجبرت ملايين على خوضها، وملايين أخرى على مغادرة البلاد كلاجئين في أكثر من دولة، وآخرين على مواجهة مصير الفقر والأوبئة والاعتقالات والموت في بلادهم.
ومنذ 19 ديسمبر 2018، وهو الشهر ذاته الذي انطلقت به ثورة تونس قبل ثمانية أعوام، تشهد مدن سودانية احتجاجات منددة بالغلاء، ومطالبة بتنحي الرئيس عمر البشير، صاحبتها أعمال عنف أسفرت عن سقوط 32 قتيلا، وفق آخر إحصاء حكومي، فيما قالت منظمة العفو الدولية، في 11 فبراير الماضي، إن العدد بلغ 51 قتيلا.
وتحت ضغط الاحتجاجات التي يعتبرها النظام "محاولة لاستنساخ ربيع عربي"، أعلن البشير في 22 فبراير 2019 حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد لمدة عام، وحل حكومة الوفاق الوطني وحكومات الولايات، كما دعا البرلمان إلى تأجيل النظر في التعديلات الدستورية.
ومنذ إعلان ترشح الرئيس الجزائري (المستقيل)، عبد العزيز بوتفليقة، لولاية خامسة في 10 فبراير الماضي، بدأت احتجاجات شعبية ما لبثت أن تحولت في 22 من الشهر ذاته إلى انتفاضة شعبية.
وبعد أسابيع من الغضب الشعبي، أعلن بوتفليقة، الثلاثاء، إخطاره المجلس (المحكمة) الدستوري بتنحيه عن الحكم مباشرة بعد بيان لقيادة الجيش الجزائري تدعوه إلى التنحي الفوري استجابة لرغبة الشعب .
وكان بيان للرئاسة الجزائرية أعلن أن بوتفليقة سيعلن استقالته قبل نهاية ولايته الرابعة في 28 أبريل الجاري، وقبلها سيصدر قرارات هامة لم يذكرها، لكن قيادة الجيش والمعارضة رفضوا أي قرار منه وطالبوه بالرحيل.
أضف تعليقك