• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم الأستاذ مصطفى مشهور

اتفق علماء السيرة على أن معجزة الإسراء والمعراج كانت بعد ذهاب النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى الطائف، وردهم له الرد المنكر، حتى إن النبي- صلى الله عليه وسلم- ليَعتبر هذا اليوم أشدَّ من أهوال يوم أحد وما كان فيه، فقد ثبت في صحيح البخاري أن السيدة “عائشة”- رضي الله عنها- قالت: يا رسول الله: هل أتى عليك يوم أشدّ من يوم أحد؟ قال:
“لقد لقيتُ من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على “ابن عبد ياليل بن عبد كلال” فلم يُجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بـ”قرن الثعالب”، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها “جبريل” فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا به عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال، فسلم عليّ ثم قال:
يا “محمد”، فما شئتَ؟ إن شئتَ أن أطبق عليهم الأخشبين… فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: “بل أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم من يعبده وحده لا يشرك به شيئًا”.

ولقد تضرع الرسول- صلى الله عليه وسلم- إلى الله عقب خروجه من الطائف، وشكا إليه ضعف قوته وفقد النصير والمعين والوزير، فأمدَّه الله بحسن التدبير لدخول مكة آمنًا، ثم كان التكريم والترويح عن النفس والأُنس بلقاء الله في الإسراء والمعراج.

إن الأحداث التي وقعت في مكة ومحاولة حصار الدعوة في مهدها، ووقوف قريش حجَر عثرة في الطريق، وموقفه- صلى الله عليه وسلم- الصَّلب، عرَّضه لعواصف عاتية وشديدة من البغضاء والافتراء، وأنزل بالمؤمنين أشد ألوان الابتلاء، فما ذاقوا طعم الراحة منذ آمنوا به، وما استراحوا لحظة من ليل أو نهار>

إن رؤية النبي- صلى الله عليه وسلم- لجانب من آيات الله في ملكوت السماوات والأرض له دلالاته القوية في تهوين شأن الكفر والكافرين، وتصغير جموعهم، واليقين في أن مآلهم وعقباهم إلى زوال…. (فقه السيرة).

ولقد صرحت الآيات إلى الحكمة من الإسراء، وهي أن المولى- سبحانه- يريد أن يُرِي عبده بعض آياته، فقال: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ (الإسراء:1).

ثم صرحت آيات المعراج في سورة النجم أن الرسول- صلوات الله وسلامه عليه- رأى بالفعل هذه الآيات الكبرى، قال تعالى: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى* مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى* وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى* عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى* ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى* وَهُوَ بِالأُفُقِ الأعْلَى* ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى* فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى* فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى* مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى* أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى* وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى* عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى* عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى* إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى* مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى* لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾ (النجم:1-18)

يقول بعض المفسرين في التعليق على هذا المطلع من السورة: نعيش لحظات في ذلك الأفق الوضيء الطليق المرفوف الذي عاشه موكب “محمد”- صلى الله عليه وسلم- ونرفرف بأجنحة النور المنطلقة إلى ذلك الملأ الأعلى، نعيش لحظات مع قلب “محمد”- صلى الله عليه وسلم- مكشوفةٌ عنه الحجب، مُزاحَةٌ عنه الأستار، يتلقَّى من الملأ الأعلى يسمع ويرى، ويحفظ ما وعى، وهي لحظات خُصَّ بها ذلك القلب المصفَّى، ولكن الله يمنُّ على عباده، فيصف لهم هذه اللحظات وصفًا موحيًا مؤثرًا، يصفها لهم خطوة خطوة، ومشهدًا مشهدًا، وحالةً حالةً حتى لكأنهم مشاهدوها”.

أضف تعليقك