بقلم: أحمد حسن الشرقاوي
في بداية انقلاب العسكر الأخير على التجربة الديمقراطية بمصر في 3 يوليو 2013، قال المذيع المصري محمد الغيطي، على إحدى القنوات التلفزيونية المصرية، إن إخوان «بني عامر» كانوا سببا في سقوط الأندلس قبل 5 قرون، وإن «الإخوان المسلمين» سوف يكونون سبب سقوط الأمة الإسلامية في القرن الحادي والعشرين.
وبعيدا عن كون الغيطي واحدا من المعروفين في الوسط الصحافي المصري بالجهل والـ..، وبعيدا أيضا عن محاولات تشويه ما قاله بإظهار جهله، والزعم بأنه قال إن الإخوان المسلمين هم سبب سقوط الأندلس، والحق أنه لم يقل ذلك صراحة!!
بعيدا عن كل ذلك، أريد فقط أن أتناول فكرة الربط بين سقوط الأندلس منذ 525 عاما من ناحية، وجماعة الإخوان المسلمين من ناحية أخرى. أولا الرابط هنا باختصار شديد هو «الإسلام» أو الدين الإسلامي.. وكأن من يقول ذلك يريد تمرير فكرة خبيثة مفادها أن التمسك بالإسلام كدين وعقيدة تحكم سلوك المسلم وتعاملاته، كان سببا في سقوط الأندلس، وأن تمسك الإخوان المسلمين حاليا بالإسلام كعقيدة ومنهج وأسلوب حياة سيكون سببا في سقوط الأمة الإسلامية، وكأن الأمة كانت في قمة سامقة، وأنها سوف تسقط وتتهاوى من مكانها العالي المرتفع بين بقية الأمم.
الحقيقة أن المتابع لتاريخ ممالك الأندلس سوف يكتشف أن بعض تلك الممالك تم تخييرها بين التحول للمسيحية، أو غزوها بالقوة، كما أن الدعوات الحالية، خصوصا التي تأتي من الغرب، تطالب بــ «تليين» المواقف العربية والإسلامية من بعض القضايا الجوهرية في العقيدة، مثل الجهاد، ومقاومة الظلم، والاستكبار في العالم، وغيرها.
وبالتالي يمكن الوصول لنتيجة مفادها أن وراء هذه الدعوة فكرة خبيثة لا تستهدف الإخوان المسلمين بقدر ما تستهدف الدين الإسلامي العظيم. إذن، لماذا هذه المقدمة الطويلة؟!!
أولا، لأنها ضرورية للدخول إلى موضوع الزيارة الحالية لمختلس السلطة بمصر قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي إلى واشنطن.
وثانيا: لأن فهم الرسالة المتضمنة في مقولة أن «الإخوان سبب سقوط الأندلس» تستدعي التوقف عند إلحاح السيسي طوال السنوات الماضية في الحديث عن «تجديد الخطاب الديني»!
ثالثا: لأن الدور الوظيفي الذي قامت به الأنظمة العربية منذ تشكيلها على يد الاستعمار الإنجليزي لم يعد قاصرا على أداء وظيفة رعاية مصالح الغرب في بلادنا، ولكنه يتجه إلى درجة أدنى في هذا الدور الوظيفي ليتحول إلى «دور الخادم»، أو «الشرطي الحارس»، لتلك المصالح في مواجهة الشعوب نفسها إذا قررت رفض استغلال الغرب لها.
لن أتناول تفاصيل الزيارة وخيمة الاستقبال والمؤتمر الصحافي في البيت الأبيض، ولغة الجسد بين السيسي وترامب، أظنها جميعا مادة لاستهلاك الوقت والجهد، كما أن مساحة المقال محدودة.
لذلك أقول: يكفي لمن يتابع تلك الزيارة أن يرصد جوهر العلاقة بين القاهرة وواشنطن، وأظنها تحولت من «الدور الوظيفي» الذي يعمل وفق متغيرات سياسية ويجد لنفسه مساحة يحقق بها مصالحه، إلى «دور تابع ذليل»، ينفذ الأوامر، حتى وإن كانت ضد مصالح شعبه بصورة سافرة، وهدف المنقلبين العرب هو ضمان مساندة واشنطن لهم للبقاء على كراسي الحكم. والحقيقة، أنني لا أخفي ارتياحي دائما من فكرة «اللعب على المكشوف»، فهي توفر للشعوب «النائمة في العسل» فرصة رؤية أوضح للحقائق الصادمة في علاقة أنظمتها وحكامها بمن يكفل بقائهم في الحكم والسلطة.
أضف تعليقك