• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

كشفت حملة «باطل»، كيف أن النظام المصري مذعور، إلى حد أنه يواصل حجبها، وإلى درجة أنه حجب أكثر من خمس وثلاثين ألف موقع، لعدم تمكين المصريين بالداخل من التصويت، وقد تجاوزت أعداد المصوتين أكثر من الربع مليون مواطن، لحظة كتابة هذه السطور!

«باطل» هي حملة تستمد قوتها، من أنها فكرة عبقرية، فهي من ناحية تنطلق بعيداً عن الذباب الإلكتروني، فلم تدعو للتصويت بـ «نعم» أو بـ «لا» على التعديلات الدستورية وهو ما يفتح الباب لهذه الذباب للتزوير من خلال الصفحات الوهمية، ولكنها خاصة بالرافضين لهذه التعديلات، وهي من ناحية أخرى تتجاوز الخلافات بينهم، وهناك تباين في الموقف تجاه من يرفضون الحكم القائم وما أنتجه من آثار. فعند النظر لهذه التعديلات، نكتشف أن هناك معسكرين: المعسكر الرافض لهذه التعديلات فقط لأنه يعترف بشرعية السلطة القائمة، وهناك معسكر يعتبرها سلطة فاقدة للشرعية، ويرفض دستورها ابتداء، ولا يرحب بمناقشة تفاصيله، باعتبار أن إعلان رفض هذه التعديلات يمثل اعترافاً بالدستور نفسه، والاعتراف - بالتبعية - بالنظام ذاته، وهو ما يرفضونه

وتتباين المواقف في كل معسكر، فالمعسكر الأول فيه من يتحمس لفكرة المشاركة برفض هذه التعديلات، في مواجهة فريق يتبنى المقاطعة وباعتبار أن المشاركة تُمثل زخماً جماهيرياً يستغله النظام في الدعاية خارجياً وهو ليس مشغولاً بالأصوات الرافضة لهذه التعديلات، لأنه سيزورها حتما.

أما معسكر رفض الانقلاب، فيوجد بداخله اتجاه يرى بأن المواد المراد تعديلها هي نصوص تخص ثورة يناير، باعتبار أن النص مثلاً على قصر مدة الرئاسة على دورتين على الأكثر، كل دورة أربع سنوات فقط، هو مطلب ثوري، وقد انتقل من دستور 2012، إلى دستور 2014، ومن ثم فالوقوف ضد التعديلات يأتي من منطلق الانحياز للثورة، وذلك في مواجهة فريق آخر لا يرى أنه معني بالجهر برفض التعديلات!

فتأتي حملة «باطل»، لتوحد بين المعسكرين بتنويعاتهما، وهذا هو مكمن الخطورة فيها، فحتى الأرض، لم توحد بين فرقاء الثورة، الذين جمعتهم 25 يناير وفرقتهم 30 يونيو!

دعك من أصوات ترتفع الآن تقول إنها لن تقبل بأن يجمعها بالإخوان أي موقف، ولديهم استعداد للنضال ضد السيسي بمفردهم على أن يجمعهم بالإخوان جامع، فهؤلاء لا قيمة لهم على الأرض، ولا تأثير لهم في الميدان، وهم من استغلوا بياناً صدر من فريق في الإخوان عندما دعا الداعي للنزول للشوارع ضد التفريط في تيران وصنافير، وقالوا إن الإخوان سيشاركون في هذه المظاهرات، فاعتبروا البيان رمية بغير رام، ليعلنوا أنهم لن يشاركوا لهذا، ومع هذا كانت مظاهرات حاشدة، فالحقيقة أن الشباب لا يشغله هذه الدعوات وأصحابها ويراها تستهدف حماية النفس في مواجهة سلطة باطشة، ولا تعبر عن موقف حقيقي!

لقد مثلت حملة «باطل» شعاراً مقبولاً من الجميع، ووصلت لهذا العدد من المصوتين، في ظرف أيام قليلة، وهو عدد مرشح للزيادة، رغم محاربة النظام لها، وقيامه بحجبها، المرة تلو المرة، فكشف عن تهافته وضعفه، ولم نكن - في الحقيقة - بحاجة إلى المزيد من القرائن التي تؤكد حالة الاضطراب هذه!.

فالدليل الأكبر هو التراجع عن التعديل المعتمد للمادة (140) من الدستور، والذي كان ينص على تمكين السيسي من دورتين جديدتين، مدة كل دورة ست سنوات، فجاء تعديل اللحظة الأخيرة، بالمد له في عمر الدورة الحالية لعامين آخرين، على أن يمكن من دورة واحدة جديدة مدتها ست سنوات، وبنص دستوري ركيك، فُصل خصيصاً من أجله، مما يفقده خصائص القاعدة القانونية، التي هي «عامة ومجردة»، ثم أنه يرتكب أبغض الحلال القانوني، الخاص برجعية القوانين، فتطبيق القوانين بأثر رجعي لا يكون إلا للضرورة القصوى، وفي حالات نادرة، ولا يمتد إلى الدساتير أبداً!.

فلا يتصور السيسي نفسه بعيدا عن القصر، لأنه يدرك أن حجم الجرائم التي ارتكبها ستدفع به بعيدا عن مصر إذا خرج من الرئاسة، بل إن الأمان المطلق لن يجده وإن قبلت الإمارات نفسها أن تكون له الملجأ والملاذ، لذا فإنه مستعد لأن يقاتل من أجل التعديل، وعندما لا يتمكن من التعديل الذي يريد فإن هذا كاشف عن أوضاع غير مستقرة، وعن حكم يتوقع الإطاحة به في أي لحظة، لذا فإنه يتحايل من أجل البقاء، وقد جرى على مرمى حجر منه ما لم يكن يتوقعه، في السودان والجزائر؛ حيث خرجت الجماهير وأسقطت نظامين حاكمين، كانا يطمعان في الاستمرار لدورة جديدة، فإذ بالجماهير تمنعهما من استكمال دورتهما الحالية!.

لقد قامت دعاية عبدالفتاح السيسي على التخويف من مصير اليمن وسوريا، لكن الشعبين الجزائري والسوداني، لم يأبها لهذا المصير، فغاية ما حذر منه القوم في الجزائر والخرطوم هو المصير المصري، وبشعارات وصلت للآذان فخرقتها.

وإزاء هذا تأتي حملة «باطل» فتزيد حساباته إرباكا، وهذا التدافع للمشاركة فيها رغم الحجب، كاشف عن أن الثورة مستمرة، تنتظر اللحظة المناسبة، وكان المستقر أنها ماتت وشبعت موتاً!

وإذا كانت حملة باطل لا تعتمد التصويت على التعديلات الدستورية، فإنها لا تعتمد كذلك مجرد التوقيع البسيط كاستمارات «تمرد» مثلاً، أو «اللايك»، فالمشاركة معقدة بعض الشيء، فالمطلوب من المشاركين تسجيل الاسم، والرقم القومي، وبلد الإقامة، وكثيرون يترددون ولا يقدمون على ذلك، وهو ما قاله البعض لي ممن خرجوا دون تدوين بياناتهم، لكن في ظل الأوضاع الأمنية الحالية، فإذا وصل عدد المشاركين إلى مليون مشترك، فسيكون خبراً مقلقاً جداً للنظام الحاكم، فماذا لو كانت الدعوة للنفير العام، وحتى لو كانوا من محافظات مختلفة، فماذا لو كانت الدعوة لجمعة الزحف إلى القاهرة، وهي الجمعة التي تأخرت وكانت سبباً في تعطيل حركة القطارات ولم تعمل إلا بعد أن تأكد الانقلاب أن الإخوان أوقفوا الحراك!

على ذكر الإخوان، فالجماعة لم تشارك في «باطل» كتنظيم، ويتردد أنها طلبت من المرتبطين بها تنظيمياً عدم المشاركة، فلم يشارك من الإخوان إلا من فقدت الجماعة السيطرة عليه، وإلا كان عدد المشاركين قد تجاوز الملايين في الساعات الأولى لبدء الحملة!

والمعنى هنا أن كل الموقعين وقعوا كأفراد، وقيمة الفرد مهمة في الحالة المصرية، عندما تقول الجماهير: ثورة، فلا ينتظر أحد اجتماع القيادة التنظيمية لمنح الموافقة.

إن تجربة الجزائر والسودان كاشفة عن أنه عند الحضور الجاد والحاشد للجماهير، فسوف تمتنع القوة المسلحة عن الاشتباك بالمتظاهرين، وقد صنع البشير جيشاً على عينه، وقيادات أمنية تدين له بالولاء الشخصي ومتمردة على أي قيمة أخلاقية، حاولت فض الاعتصام لكنها في الأخير كان قائدها ضمن قيادات الأجهزة الأمنية الأخرى ينحاز لحركة الشعب!.

إن قيمة حركة «باطل» في أنها تحررت من زعيم يفكر لصالح فكرة تتزعم!.

أضف تعليقك