كرّست التعديلات الدستورية، التي صوت عليها برلمان العسكر، تحكّم قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي بالقضاء، مهدرةً ما كان متبقيا من استقلاله.
وهدفت التعديلات البسيطة التي أدخلت في الأيام الأخيرة للإيحاء بالاستجابة لمخاوف القضاة وأعضاء الهيئات القضائية في ما يتعلق بمسألة إهدار استقلال موازناتهم، ووكالة وزير العدل عن السيسي في رئاسة المجلس الجديد لشئون الهيئات القضائية، لكن التغييرات، أكدت، في الحقيقة، التبعية المطلقة للهيئات القضائية للسيسي.
وتضمنت التعديلات، عودة النصّ على "استقلال الموازنات الخاصة بالهيئات القضائية" إلى المادة 185، مع حذف عبارة أن تدرج كل موازنة في الموازنة العامة للدولة "رقماً واحداً". ويعني هذا الأمر الاستقرار على حل وسط بين تبعية الموازنات لوزارة العدل واستقلال كل هيئة بموازنتها وعدم تمكن البرلمان والحكومة من مراقبتها. وستتم مراقبة جميع الموازنات بتفاصيلها الداخلية وتصرفات الهيئات المختلفة فيها، وبالتالي ينتهي عهد استقلال كل هيئة قضائية بموازنتها ونأيها عن الرقابة الداخلية.
وبذلك تتحقق أهداف السيسي، التي حاول تنفيذها منذ 4 سنوات، عندما أصدر سلسلة من القوانين والقرارات لإخضاع القضاة للحد الأقصى للأجور ولم يكن متمكناً من تنفيذها على نحو كامل بسبب استقلال الموازنات على النحو المقرر في دستور 2014.
ويضفي النص النهائي، حماية دستورية على القانون الذي أصدره السيسي في أبريل 2017، ويجعله صاحب القرار الأخير في تعيين رؤساء الهيئات القضائية من بين أقدم 7 قضاة، مما سيؤدي إلى انتفاء جدوى الطعون المرفوعة حاليا أمام المحكمة الدستورية العليا على قانون تعيين رؤساء الهيئات، باعتبار أن النصوص المشكوك في دستوريتها ستغدو دستورا بحد ذاتها، وينتفي أساس الطعن فيها.
كما تضمنت التعديلات استجابة جزئية لموضوع آخر ركز عليه القضاة الذين تم اختيارهم لحضور جلسات الحوار المجتمعي حول التعديلات الدستورية، ويتعلق بترؤس وزير العدل للمجلس الأعلى للهيئات القضائية الجديد في حال غياب السيس.
وينص التعديل النهائي للمادة 185 على أن يفوض رئيس الجمهورية أحد رؤساء الهيئات (وليس رئيس المحكمة الدستورية العليا بالذات كما كان يطالب القضاة) لرئاسة هذا المجلس الأعلى في غيابه، وبالتالي تم استبعاد وزير العدل تماماً من عضوية المجلس.
وأصبح المجلس يضم كلاً من رئيس المحكمة الدستورية ورئيس محكمة النقض ورئيس مجلس الدولة ورئيس النيابة الإدارية ورئيس هيئة قضايا الدولة، بالإضافة إلى رئيس محكمة استئناف القاهرة والنائب العام؛ وهؤلاء جميعاً في الوقت الحالي معينون باختيار شخصي من السيسي، عدا رئيس المحكمة الدستورية حنفي جبالي الموالي للسيسي لكنه تولى منصبه بالأقدمية، ورئيس محكمة استئناف القاهرة الذي يتولى منصبه بالأقدمية المطلقة أيضاً.
وبالتالي، فإنه من خلال تحكّم السيسي المطلق بتعيينات رؤساء الهيئات القضائية، بما في ذلك المحكمة الدستورية العليا بعد التعديل الحالي، سيكون هو الذي يختار بشكل مسبق أعضاء المجلس الأعلى للهيئات القضائية، الذين ستوكل إليهم ـ وفق النص الدستوري الجديد- مناقشة الشئون المشتركة للهيئات وأعضائها والتعيينات فيها وإبداء الرأي في تعديلات القوانين المنظمة لها.
لكن النص يتضمن ما هو أبعد من ذلك، حتى لا يترك أي فرصة لتمرير قرار أو موقف ضد إرادة السيسي، فعند أخذ التصويت على قرارات المجلس الأعلى، ولدى تساوي عدد الأصوات، سيتم ترجيح كفة السيسي أو من يفوضه لرئاسة المجلس الأعلى. علماً بأن المجلس الأعلى سيكون له أمين عام، سيعينه أيضا السيسي لمدة يحددها القانون الذي من المنتظر أن يكون على رأس أعمال الدورة البرلمانية المقبلة.
أما في ما يتعلق بالنصوص الخاصة بالهيئات القضائية، فلم يتم أي تعديل على النص المقترح للمحكمة الدستورية التي سيتم إهدار استقلالها بالكامل، إذ سيختار السيسي رئيسها المقبل ومن يليه من بين أقدم 5 نواب لرئيس المحكمة، ويعين عضو المحكمة الجديد من بين اثنين تُرشِّح أحدهما الجمعية العامة للمحكمة ويُرشِّح الآخر رئيس المحكمة، ويعين رئيس هيئة مفوضي المحكمة وأعضاءها بناء على مقترح من رئيس المحكمة بعد أخذ رأي جمعيتها العامة.
أما المادة 189 الخاصة بالنائب العام فبقيت كما جاءت في النسخة الأولى من التعديلات، إذ يصدر قرار من السيسي بتعيينه بعدما يختاره من ثلاثة قضاة يرشحهم مجلس القضاء الأعلى، الأمر الذي كان يتم من قبل بصورة عرفية، لكن النص الدستوري الجديد سيكسبه صفة دائمة وقاعدية.
وفي ما يتعلق بالمادة 190 الخاصة بمجلس الدولة، فقد أدخلت على التعديل المقترح تغييرات بسيطة تمثلت في استمرار المجلس في مهمته بمراجعة مشروعات القوانين والقرارات ذات الصفة التشريعية في العموم، لكن مع حذف سلطة المجلس في "صياغتها" والتي كان منصوصاً عليها في دستور 2014، كما تم تقليص سلطة المجلس في مراجعة مشروعات العقود التي تكون الدولة أو إحدى الهيئات العامة طرفاً فيها، بحيث يلزم النص الجديد بإصدار قانون يحدد قيمة العقود التي يراجعها مجلس الدولة، وبالتالي لم تعد مراجعة العقود من اختصاصه بشكل عام، فضلاً عن إلغاء السلطة الحصرية للمجلس في الإفتاء في المسائل القانونية.
أضف تعليقك