أكدت صحيفة لوموند الفرنسية، أنه في الوقت الذي تتواصل فيه المسيرات الاحتجاجية في الخرطوم من أجل نقل السلطة إلى المدنيين، يبقى الأمر في السودان رهينا بصراع النفوذ على المستويين المحلي والإقليمي.
وفي مقال لمراسلها من هناك جان فيليب ريمي، وأوضحت الصحيفة أن مما يمكن أن يخيب آمال المتظاهرين منذ الوهلة الأولى ما قاله قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي في قمة القاهرة الثلاثاء الماضي -بوصفه الرئيس الدوري للاتحاد الإفريقي- من أن رؤساء دول القارة أجمعوا على إعطاء مهلة ثلاثة أشهر للمجلس العسكري بالخرطوم لاستعادة النظام الدستوري من خلال انتقال سياسي من قبل السودانيين أنفسهم.
وقالت الصحيفة إن ظلالا من الشك تحوم حول هذا التصريح وإن كان ينم عن نية حسنة، إذ تتخوف حركة الاحتجاج في السودان وممثلوها من أنه ينطوي على حيلة لكسب الوقت وترسيخ المجلس العسكري الانتقالي تدريجيا في السلطة، خاصة أن الجنرالات الذين يتألف منهم المجلس يحظون بالرعاية الإقليمية من قبل السعودية والإمارات ومصر.
وكانت منظمة الاتحاد الأفريقي قد أصدرت في 15 أبريل، بعد أربعة أيام من الإطاحة بالرئيس عمر البشير، إنذارا أشد لهجة، يدعو المجلس العسكري لنقل السلطة إلى المدنيين خلال الأسبوعين المقبلين تحت طائلة التهديد بفرض عقوبات في 30 أبريل ، قد تشمل استبعاد السودان من المنظمة القارية.
وقد تتيح المهلة الزمنية التي تبدو في القاهرة أطول -حسب الصحيفة- كسر الجمود الحالي للمفاوضات بين السلطة العسكرية الحاكمة وممثلي الاحتجاج المتجمعين في إعلان الحرية والتغيير الذي تشكل رابطة المهنيين مكونه الرئيسي.
وأسفرت جولة المفاوضات الأولى عن الاتفاق على إنشاء مجلس سيادي وهيكل مختلط يقود البلاد، وحكومة مدنية تدير الشئون لفترة انتقالية تمتد من سنتين إلى أربع، مهمتها الأساسية ترميم الاقتصاد، واستعادة أساسيات الديمقراطية وذلك من خلال إعادة بناء الأحزاب السياسية، لأن معظم التشكيلات الحالية ليست أكثر من أشكال خاوية.
وقالت لوموند إن المتظاهرين ما زالوا أبعد ما يكونون عن التعب، وهم مستمرون في التعبئة بشكل جماعي للمطالبة برحيل الجيش وإنشاء سلطة مدنية، حتى إنهم قاموا باستخدام قطار ركاب لنقل المحتجين من مدينة عطبرة، حيث بدأت المظاهرات، إلى العاصمة الخرطوم التي تبعد منها ثلاثمائة كيلومتر.
وقطع إعلان الحرية والتغيير -الذي يشمل المهنيين والحركات المسلحة واتجاهات سياسة أخرى- المفاوضات مع الجيش بسبب الخلاف حول معالم المؤسسات الانتقالية في المستقبل، كما ذكرت الصحيفة التي أشارت أيضا إلى أن هذه القوى تتهم الجيش بعدم الوضوح في أجندته، خاصة بعد دعوته للأحزاب المنضوية تحت لواء النظام السابق.
وترى قوى إعلان الحرية والتغيير أن المجلس العسكري يهدف -من خلال دعوة أحزاب النظام السابق- إلى تخفيف تأثير ممثلي المتظاهرين وخلق انطباع بوجود "فوضى ديمقراطية" يمكن للجيش الاستفادة منها من أجل التمسك بالسلطة.
ومع ذلك -تقول الصحيفة- فالحركة المدنية ليست متجانسة تماما، وتشتمل على عدة اتجاهات ليست لها جميعها نفس الأهداف، خاصة أن البعض يشكك في غلاف السرية الذي يحيط بالمهنيين الذين يتحدثون عبر بيانات صحفية أو متحدثين رسميين، ولكنهم لم يقدموا هيكلا تنظيميا ولم يعلنوا التكوينات المحتملة للسلطة المدنية ولا التدابير الاقتصادية الطارئة التي يمكن اتخاذها لإنقاذ السودان من الأزمة الاقتصادية الحادة التي تزداد سوءا يوما بعد يوم.
وتعهدت السعودية ببرنامج إنقاذ يشمل ثلاثة مليارات دولار، بعضها يقدم نقدا للبنك المركزي، والباقي في صورة مساعدات على شكل أدوية وقمح وزيت وبنزين، إلا أن ذلك –حسب الصحيفة- ليس هو ما سينقذ الاقتصاد.
ومن ناحية أخرى، أشارت لوموند إلى وجود "ديناميكيات" تعمل داخل المجلس العسكري الانتقالي، حيث صعد الرجل الثاني في المجلس محمد حمدان دقلو (حميدتي) الذي تمت ترقيته إلى رتبة فريق أول، وهو على رأس قوة الدعم السريع (مليشيا الجنجويد السابقة المشاركة في أعمال العنف في دارفور حسب الصحيفة) التي تنتشر الآن في الخرطوم.
ولفتت لوموند إلى أن حميدتي أعلن أمام عدد من الضباط أنه لا يريد تولي السلطة، على الرغم من أن العديد من المصادر المطلعة تعتقد أنه يتمتع بدعم جميع "الرعاة" الإقليميين.
وختمت بأن حميدتي الذي تبرع بمبالغ مالية كبيرة لتزويد البنك المركزي بالسيولة والذي دفع رواتب للجنود، قد اشترى بذلك شعبية جديدة في الخرطوم من كل من الجيش والمتظاهرين.
أضف تعليقك