نشر ديفيد دي كيركباتريك، المراسل الصحفي الأمريكي السابق لصحيفة "نيويورك تايمز" في القاهرة، مقالا يوضح فيه الأسباب التي تجعل من الصعوبة تصنيف جماعة الإخوان المسلمين في مصر كمنظمة "إرهابية".
وأكد كيركباتريك، أن على الرئيس دونالد ترامب أن يقدم أدلة كافية موثقة على أن هذه الجماعة تشكل خطرا على الولايات المتحدة قبل اتخاذ مثل هذا القرار.
وأشارت صحيفة "نيويورك تايمز"، أمس الثلاثاء، إلى أن ترامب يدفع باتجاه وضع الجماعة على لائحة الإرهاب، وذلك بعد حديث بينه وبين قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي خلال زيارة الأخير إلى واشنطن مطلع أبريل الماضي، حيث أثارت الخطة اعتراضات من طرف وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) ووزارة الخارجية الذين اعتبروا أنه لا يمكن تصنيفها؛ لأن التعريف القانوني للإرهاب لا ينطبق على الجماعة أو أولئك الذين يتعاملون معها.
وقال الكاتب، في مقاله المنشور في "نيويورك تايمز"، إن جماعة الإخوان المسلمين انطلقت من مصر، ولكنها اليوم منتشرة في العديد من دول العالم، سواء كأحزاب سياسية أو منظمات إغاثية وخيرية، وبعضها يستخدم اسم الجماعة وبعضها لا.
وفي عديد من البلدان التي تنشط بها الجماعة تم الاعتراف بها، وبينها بلدان متحالفة مع الولايات المتحدة، مثل العراق والأردن والكويت والبحرين وتونس والمغرب وتركيا، حسب قول الكاتب.
وأضاف كيركباتريك أن المؤرخين الذين تناولوا تاريخ جماعة الإخوان المصرية منذ تأسيسها على يد حسن البنا عام 1928، يؤكدون أنه لم يكن هناك أي دليل على أنها قد تورطت بأعمال عنف.
ورغم ذلك، يقول الكاتب، فإن حكومة السيسي صنفت الجماعة على أنها تنظيم إرهابي، وتتهمها بشكل روتيني بالوقوف وراء الهجمات الإرهابية في مصر، في وقت تنفي فيه الجماعة مثل هذه الاتهامات.
وذكر كيركباتريك أنه "منذ الانقلاب العسكري الذي نفذه السيسي عام 2013 على الرئيس المدني المنتخب محمد مرسي الذي ينتمي للإخوان، انشق بعض أعضاء الجماعة وشكلوا منظمات مسلحة مارست العنف ضد الحكومة والجيش، وسارعت وقتها الولايات المتحدة لتصنيف هذه المنظمات على لائحة الإرهاب"، على حد زعمه.
ونفي الكاتب أي صلة بين الإخوان المسلمين والتنظيمات المسلحة، قائلاً: إنه "بسبب عدم عنف الجماعة فإن بعض أعضائها انسحبوا منها بحثاً عن منظمات مسلحة مثل القاعدة".
وأوضح أن السمة التي تميز الجماعة هي أنها تؤيد إجراء انتخابات ديمقراطية في جميع أنحاء الوطن العربي، ما يجعلها على خلاف مع الحكومات الاستبدادية في المنطقة، وبخلاف مع الجماعات الإسلامية التي تتبنى العنف.
وضرب الكاتب مثلاً فيما حققه "الإخوان" في مصر بالانتخابات، فمنذ ثمانينيات القرن الماضي، فازت الجماعة بمقاعد في البرلمان المصري، بعهد الرئيس محمد حسني مبارك، وبعد الإطاحة به عام 2011 فاز الإخوان بأغلبية ساحقة في انتخابات برلمانية حرة، كما فاز مرشح الجماعة، محمد مرسي، بمنصب الرئيس، لكن الجيش قرر حل البرلمان عام 2012 ثم انقلب على مرسي واعتقله عام 2013.
وفي تونس، وبعد الثورة عام 2011 فاز حزب سياسي ذو جذور إخوانية بأول انتخابات برلمانية، وهو حزب النهضة، قبل أن يتخلى بسلام عن السلطة عقب خسارته الانتخابات التي جرت بعدها، ويستمر في ممارسة دور رئيسي في المجلس التشريعي.
ما علاقة السعودية والإمارات؟
ورأى الكاتب أن السيسي وحلفاءه في المنطقة، السعودية والإمارات، هم الذين يدفعون بقوة لوضع الإخوان على لائحة الإرهاب، لأنهم يخشون من أن تصل أحزاب تابعة للجماعة إلى السلطة من خلال الانتخابات، فقد اتخذت الحكومات الثلاث إجراءات صارمة ضد الإسلاميين وضغطوا على حلفائهم من أجل تنفيذ إجراءات مماثلة.
الدول الثلاث، وفق الكاتب، ترى أن أيديولوجية الإخوان تسعى لاستبدال الدولة الإسلامية محل الدولة القومية، وهو ما يمكن أن يشكل تهديداً لاستقرار المنطقة، كما أنهم يجادلون بأن الجماعة مثل القاعدة في طبيعة الأفكار الرامية لتحقيق عالم إسلامي.
وكان البيت الأبيض طرح في عام 2017 فكرة وضع الإخوان على لائحة الإرهاب، غير أنه سرعان ما تخلى عن الفكرة، ولكن قبل ثلاثة أسابيع وخلال لقاء ترامب مع السيسي في واشنطن، أعاد السيسي طرح الموضوع مجدداً فرد عليه ترامب بأنه أمر منطقي.
بريطانيا، وبدافع من حلفائها في الخليج العربي، فتحت سابقاً تحقيقاً بخصوص الإخوان المسلمين، غير أن التحقيق وصل إلى نتيجة مفادها بأنه لا يمكن وضع الجماعة على لائحة الإرهاب؛ لأنها لا تنطبق عليها مواصفات التصنيف الخاص بالجماعات الإرهابية.
والسؤال الآن- كما يقول الكاتب-: هل يمكن للرئيس ترامب أن يعلن أن جماعة الإخوان جماعة إرهابية؟ الجواب كلا، بحسب الكاتب، الذي يبين أنه "يجب على إدارة ترامب أن تبين كيف تمارس الجماعة نشاطاً إرهابياً يهدد الولايات المتحدة أو مصالحها، وذلك بعد أن تعد وكالات مكافحة الإرهاب أدلة مكتوبة، كما على وزير الخارجية التشاور مع المدعي العام ووزير الخزانة قبل اتخاذ مثل هذا القرار، وسيكون بعد ذلك أمام الكونجرس الأمريكي سبعة أيام لرفض القرار أو قبوله، ثم أخيراً يكون بإمكان الجماعة التقدم بطعن خلال 30 يوماً أمام محكمة فيدرالية أمريكية".
وختم الكاتب بالقول إنه حتى الخبراء الذي يعتبرون أن جماعة الإخوان المسلمين جماعة "شريرة"، يقولون إنهم لم يروا أدلة كافية لإقناع المحكمة بتصنيف الجماعة كجماعة "إرهابية".
أضف تعليقك