• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

سيطرة العدو الأجنبي على عمال بلد ما من خلال إحكام قبضتهم على شركات و مؤسسات هذا البلد يعني النجاح التام في احتلال هذا البلد بأسرع ما يمكن . وهذه حقيقة أدركها الإمام حسن البنا جيدا لذا كان حريصا جدا على الحد من انتشارها من جهة ، والعمل على إيجاد البدائل العملية من جهة أخرى ... وهذا ما كان فعلا كما يلي :

- راقبت الجماعة جميع الشركات الأجنبية، وعلى الأخص شركة قناة السويس بخصوص إحلال الأجانب محل المصريين، و"أعدت الجماعة ملفًّا خاصًا بشركة قناة السويس، وكلما اقتضى الأمر قدمت الشكاوى إلى مصلحة العمل بوزارة الشئون الاجتماعية وإلى رئيس الشركة"، وعكست مشاركة الإخوان الناجحة في الحملة ضد شركتي قناة السويس وشلّ قمة نشاط الجماعة في الحركة العمالية، وعلى الرغم من تحفُّظ الإخوان تجاه تشجيع الإضراب فإن تأييدهم لمطالب العمال- خاصةً كفاح شركة شلّ- زاد مكانتهم وتأييد العمال لهم في منطقة القناة".

- فرضت الجماعة كذلك رقابةً دقيقةً على مختلف المؤسسات التي يملكها أجانب في المدن الرئيسة لتطمئن على أن حقوق العمال لم تهدر.وقد وجدت أن مصر بها أكثر من ( 320) شركة أجنبية تحتكر كل المرافق العامة وكل المنافع الهامة في جميع أنحاء البلاد الشركات المصرية إلي سنة 1938 بلغ إحدى عشر شركة فقط مقابل 320 شركة أجنبية.

- أخذ الإمام وإخوانه يحاسبون الحكومة حسابا عسيرا ، ويتهمونها بممالأة الأجانب على حساب الوطن ، والتساهل بتأليف الشركات التى تلبس أثوابا مصرية مستعارة ، وبعجزها عن علاج مشكلة العمال العاطلين ، وبترددها فى قطع المفاوضات ، وإعلان الجهاد . واشتدت حملة جريدة الإخوان المسلمون على المفاوضات ، وعلى حكومة صدقى ، وعلى الإنجليز بوجه خاص.

- قام الإمام مع إخوانه بإيجاد البديل للعمال وذلك عن طريق إنشاء وإقامة الشركات الإخوانية ، أو المساهمة في إنشاء شركات مصرية ،ويتضح هذا بالأمثلة الآتية :

1 - شركة الإخوان المسلمين للغزل والنسيج :

تأسست هذه الشركة سنة 1948 برأس مال أساسي قدره 8000 ثمانية آلاف جنيه ، جمع منه فعلا 6500 جنيه ، وظل باب الاكتتاب مفتوحا حتى وقت الحل ، وبدأت الشركة عملها ، وكان عدد عمالها حوالى 60 عاملا جميعهم من المساهمين فى الشركة ، وفى عشرة أشهر صرفت أجور عمال 2700 جنيه أى بما يوازى نصف رأس المال ، وبالرغم من ذلك فقد بلغ صافى أرباحها فى هذه الفترة الصغيرة 1400 جنيه . وكانت تنتج البفتة ، والدمور ، والأقمشة الحريرية ، والجبردين المقلم ، وكانت منتجاتها تباع بأقل من أسعار أى بضاعة أخرى من مثيلاتها . وقد قامت الحراسة أثناء فترة الحل بتصفية هذه الشركة وبيعها نهائيا ، وقد رفعت الشركة قضية ، وصدر حكم قضائى لصالحها.

2 - شركة المطبعة الإسلامية والجريدة اليومية :

وكل منهما منفصلة عن الأخرى ، وسميت الأولى " شركة الإخوان للطباعة " الشركات الإخوانية .

3- شركة المعاملات الإسلامية :

وقد تكونت برأس مال أساس قدره 4000 جنيه مصرى سنة 1939 ، ثم تطورت فى رأس المال من 4 أربعة آلاف جنيه إلى 20000 عشرين ألف جنيه ، وقامت الشركة بإنشاء خطوط نقل ، وأقامت مصنعا كبيرا للنحاس ، ينتج وابور غاز كامل سنة1945تطورا كبيرا، فقد أقبل الإخوان وغير الإخوان على الاكتتاب فى أسهمها ، وزيد وقطع غياره المختلفة راجت فى الأسواق المحلية والخارجية ، وخاصة أسواق الأقطار الشقيقة .

4 - الشركة العربية للمناجم والمحاجر :

وقد تكونت فى سنة 1947 برأس مال قدره 60000 ستين ألف جنيه ، وفى سنة 1948 اتحدت الشركة العربية للمناجم والمحاجر وشركة المعاملات الإسلامية ، لتوحيد الجهود ، للارتباط الوثيق بين ما تقوم به الشركتان . فشركة المعاملات تملك سيارات نقل ، ، ومصنعا كبيرا للبلاط والاسمنت بجميع أنواعه وهو يستهلك كميات كبيرة من كسر الرخام الناتج من شركة المناجم . ولدى شركة المعاملات مصنع للنحاس ، وورشة ميكانيكية . وقد استوردت شركة المناجم آلات حديثة لقطع وصقل الرخام ، إلا أن هذه الآلات التى كانت تقدر أثمانها بعشرات الألوف من الجنيهات ، تركت فى العراء بدون صيانة أيام الحراسة فى فترة الحل ، وبيعت خردة ، مما تسبب للشركة فى أضرار مالية جسيمة ، ورفعت قضية بذلك على الحراسة فى هذه الأيام للمطالبة بالتعويض .

5 - شركة التجارة والأشغال الهندسية بالإسكندرية:

وقد تكونت برأس مال قدره 14000 جنيه موزع على 3500 سهم للقيام بأعمال التجارة والهندسة .

6 - شركة التوكيلات التجارية:

وقد بدأت مشروعها فى السويس للتجارة أولا ، ثم توسعت أعمالها حاليا حتى شملت التجارة والنقل والإعلان ، وصار لها مركز رئيسى فى القاهرة بشارع محمد على حارة المزين ، وأصبح لها عدة فروع فى جميع أنحاء القطر المصرى تقريبا ، بالإسكندرية وبور سعيد ، والإسماعيلية ، والسويس ، والفيوم ، وبنى سويف . وتقوم الشركة حاليا بعمل مشروع اقتصادى تعاونى تكفل به اللوازم المنزلية ، والسلع الاستهلاكية للإخوان بأسعار الجملة .

وجدير بالذكر أن جميع أسهم الشركات الإخوانية موزعة على مجموعة كبيرة جدا من المساهمين ، بعكس ما ألف الناس فى الشركات الكبيرة فى مصر التى يتحكم فيها ويملك غالبية أسهمها قلة من الرأسماليين ، ولعل أوضح مثال لذلك هو شركة الإخوان المسلمين للغزل والنسيج ، فرأس المال الفعلى لها كان 6500 جنيه وكان عدد المساهمين 550مساهما ، ومعظمهم من العمال الذين كانوا يساهمون بمبلغ 25 قرشا شهريا فكانت الشركة بذلك سبيل ادخار للفئات التى لم تتعود الادخار ، وتكوين رأس مال صناعى من الطبقات الشعبية . ولا يفوتنا أن نذكر أن الادخار مأمور به فى الإخوان المسلمين ، فقد نصت واجبات الأخ العامل على " ان تدخر للطوارىء جزءا من دخلك مهما قل ، وألا تتورط فى الكماليات أبدا "

- في 12/ 7/ 1946 نشرت جريدة الإخوان هذه المقترحات التي قدمها قسم العمال إلى مكتب الإرشاد:

- إعداد دراسة لمعرفة حاجة البلاد الصناعية وإمكانياتها وذلك بالاشتراك مع وزارة التجارة والصناعة.

- تأسيس شركات مساهمة محدودة لتزويد البلاد بالمنتجات الصناعية، وذلك باستخدام رؤوس أموال الأغنياء.

- خصم حصة من أجور العمال الأسبوعية؛ بحيث تكفي في النهاية لشراء أسهم الشركة وتسديد ما دفعه المستثمرون السابقون.

فإذا تم ذلك فسيكون فيه حل حاسم لمشكلتين في آن واحد.. البطالة والنزاع المستمر بين العمال وأرباب العمل.

وتم تنفيذ ذلك عمليًّا فيقول بنين: "أما أهم نشاط للإخوان في شبرا الخيمة في هذه الفترة فكان إقامة مصنع نسيج هو شركة غزل ونسيج الإخوان المسلمين، وكان قرار إقامة هذا المصنع قد اتُّخذ في مايو 1946 من فرع الإخوان في شبرا من أجل حماية أعضائها من البطالة، وتم جمع رأس المال له عن طريق بيع 1950 سهمًا، يقدَّر ثمنها بستة آلاف جنيه مصري، وقد بدأ المصنع يعمل في ديسمبر 1947"، وعلى الرغم من صغر المصنع إلا أنه كان مربحًا للغاية؛ حيث بلغت نسبة أرباح الاستثمار فيه 15% في يوليو 1948".

مواقف الإمام البنا مع العمال وحرصه عليهم

وسنتكفي بذكر بدايات نشأة الجماعة ليظهر من خلالها أنها كانت عمالية بحتة فمن صور اهتمام البنا بالعمال هذا المشهد الذي يحيكه في مذكرات الدعوة والداعية يقول :

الدعوة في جباسات البلاح اتصل بعض عمال الجباسات الفضلاء بالإخوان بالإسماعيلية فنقلوا عنهم الفكرة إلى إخوانهم، ودعيت إلى زيارة الجباسات وهناك بايعت الإخوان على الدعوة فكانت هذه البيعة نواة الفكرة في هذا المكان النائي. وبعد قليل طلب العمال إلى الشركة أن تبني لهم مسجدا إذ كان عددهم أكثر من ثلاثمائة عامل. وفعلاً استجابت الشركة لمطلبهم وبني المسجد وطلبت الشركة من الجماعة بالإسماعيلية انتداب أخ من العلماء يقوم بالإمامة والتدريس، فانتدب لهذه المهمة فضيلة الأخ المفضال الأستاذ الشيخ محمد فرغلي المدرس بمعهد حراء حينذاك.

وصل الأستاذ فرغلي إلى البلاح وتسلم المسجد وأعد له سكن خاص بجواره. ووصل روحه القوى المؤثر بأرواح هؤلاء العمال الطيبين. فلم تمضي عدة أسابيع وجيزة حتى ارتفع مستواهم الفكري والنفساني والاجتماعي ارتفاعا عجيباً: لقد أدركوا قيمة أنفسهم وعرفوا سمو وظيفتهم في الحياة وقدروا فضل إنسانيتهم، فنزع من قلوبهم الخوف والذل والضعف والوهن واعتزوا بالإيمان بالله وبإدراك وظيفتهم الإنسانية في هذه الحياة - خلافة الله في أرضه - فجدوا في عملهم اقتداء بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ثم عفوا عما ليس لهم، فلم تأسرهم المطامع التافهة ولم تقيدهم الشهوات الحقيرة وصار أحدهم يقف أمام رئيسه عالي الرأس في أدب، شامخ الأنف في وقار، يحدثه في حجة ومنطق لا يقول ولا يقبل منه كلمة نابية أو لفظة جافية أو مظهراً من مظاهر التحقير والاستصغار كما كان ذلك شأنهم من قبل. وتجمعوا على الأخوة، واتحدوا على الحب والجد والأمانة.

ويذكر الأستاذ عباس السيسي في كتابه حكايات عن الإخوان هذا الموقف والذي صور اهتمام البنا بالرعيل المؤسس الذي كان من العمال فلنقرأه ونتعلم .

يقول الأستاذ عباس السيسي:

جاء لزيارة شعبة الإخوان المسلمون فى محرم بك بإسكندرية رجل فى سن الخمسين من صعيد مصر يرتدى جلبانا وخفين وشعره بارز من قبل صدره. عرفنا بنفسه فقال إنه محمد الأنصارى من الإخوان القدامى بمدينة الإسماعيلية. ويعمل فى هيئة السكك الحديد (عامل دريسة) يعنى من العمال الذين يقومون بتركيب وخلع قضبان السكة الحديد للقطارات - وعاش معنا فى الشعبة فى زيارات متقطعة - ولكنه لم يجد من الإخوان الشباب الاهتمام الواجب .. وشاء الله تعالى أن يعلن عن مجئ الأستاذ البنا فى زيارة للإسكندرية.. وأقيم فى الشعبة حفل كبير بمناسبة حضوره. ولما جاء الأستاذ البنا ودخل الحفل فوجئ بوجود الشيخ محمد الأنصاري فتوجه إليه وأخذه بالأحضان وسر بوجوده كثيرا وأخذه من يده وأجلسه بجواره عن يمينه. مع وجود كثير من كبار الإخوان وأساتذة الجامعة وعلية القوم - ولفت ذلك أنظار الإخوان وتعجبوا كيف أن الرجل عاش معهم ولم يقوموا بواجبه كما ينبغى - ولما وقف الأستاذ البنا ليلقى كلمته - قال يوجد معنا اليوم أخ كريم من الإخوان السابقين فى الدعوة والذين بايعوا من أول يوم وهو الأخ الفاضل الشيخ محمد الأنصارى الذى زاملنى فى الدعوة بالإسماعيلية فكانت تحية رائعة للرجل المتواضع. وكان درسا رائعا لمعنى الأخوة فى الله تعالى والتجرد لها بعيدا عن المظاهر الشكلية فرب رجل أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره.

ولم تمض شهور حتى تزعم الأستاذ البنا مسيرة كبيرة من أهل القاهرة متوجها من الأزهر الشريف إلى فندق الكونتننتال للإعلان عن استعداد جماعة الإخوان للتطوع بعشرة آلاف مقاتل فى سبيل تحرير فلسطين الإسلامية وكان ذلك أمام زعماء الأمة العربية - وفى أثناء مسيرة المظاهرة الشعبية الكبرى أطلق البوليس عيارا ناريا أصاب الأستاذ البنا فى يده . وفى نفس الوقت استشهد الشيخ محمد الأنصارى فى تلك المظاهرة - رحمه الله تعالى..ومثل هذه الصور كثيرا جدا والتي تعبر عن تقدير الإمام البنا لجهود ومكانة العمال ونكتفى بما ورد أعلاه .. وفي كتب تاريخ الجماعة العديد من هذه القصص لمن أراد الاستزادة ..

العمال عصب التغيير

وهكذا نجد كيف أن الإمام البنا رحمة الله عليه أدرك جيدا أنه لا سبيل إلى إحداث التغيير و من ثم استعادة المجد و التمكين لهذه الأمة إلا من خلال أعمدة قوية و سواعد فتية ، يمثل قطاع العمال أحد أهم هذه الأعمدة و تلك السواعد . من أجل هذا وجه لهم اهتماما خاصا جدا كما أسلفنا ، وكللت جهوده بالنجاح العظيم حيث ظهرت فئة جديدة من العمال هم عمال الإخوان الذين كانت لهم جهود كريمة و بصمات مؤثرة وبطولات مشرفة في خدمة دينهم و مجتمعهم .

وقد علمت الحكومات المتتالية أهمية طبقة العمال لما يتمتعون به من صفات الرجولة و النخوة و الشهامة و الفدائية و الغيرة ، وأنه متى ما سيطر الإخوان على العمال فإنهم قد ملكوا زمام الأمور كلها وحان وقت التغيير ، لذا حرصوا دائما و أبدا و بكل الوسائل غير المشروعة على إحداث هوة كبيرة و فجوة عميقة بين الإخوان و فئة العمال ولكن الله خيب مسعاهم ، وليتجه العمال تلقائيا و بفطرتهم السليمة للاندماج مع جماعة الإخوان و الالتحاق بركبها المبارك .

 

أضف تعليقك