بقلم: عز الدين الكومي
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَام كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [سورة البقرة: 183]. فالصيام ليس من خصائص هذه الأمة وحدها، وإنما هو فريضة فرضت على أتباع الأنبياء من قبل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الغاية من وراء فرضية الصيام هي بلوغ درجة التقوى.
ورمضان شهر القرآن، قال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَن﴾. وقال البعض: إنه بدأ تنزيل القرآن في شهر رمضان، وقال البعض الآخر: إن القرآن تنزل من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا في شهر رمضان، ووقال بعضهم : إن هذا الشهر الكريم أنزل في فضله قرآن أو أنزل في وجوبه قرآن.
والصيام له خصوصية تختلف عن سائر الفرائض، فعن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قَالَ اللَّهُ : كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ… الحديث ). وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله من كلام أهل العلم عشرة أوجه في بيان معنى الحديث وسبب اختصاص الصوم بهذا الفضل، وأهم هذه الأوجه ما يلي :
1-أن الصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره، قال القرطبي : لما كانت الأعمال يدخلها الرياء، والصوم لا يطلع عليه بمجرد فعله إلا الله فأضافه الله إلى نفسه ولهذا قال في الحديث : (يدع شهوته من أجلي). وقال ابن الجوزي : جميع العبادات تظهر بفعلها، وقلّ أن يسلم ما يظهر من شوبٍ ( يعني قد يخالطه شيء من الرياء ) بخلاف الصوم.
2- أن المراد بقوله : ( وأنا أجزى به ) أني أنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته. قال القرطبي : معناه أن الأعمال قد كشفت مقادير ثوابها للناس وأنها تضاعف من عشرة إلى سبعمائة إلى ما شاء الله إلا الصيام فإن الله يثيب عليه بغير تقدير. وقد جاء فى حديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ) أي أجازي عليه جزاء كثيرا من غير تعيين لمقداره، وهذا كقوله تعالى : ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ).
3- أن معنى قوله : ( الصوم لي ) أي أنه أحب العبادات إلي والمقدم عندي. قال ابن عبد البر : كفى بقوله : ( الصوم لي ) فضلا للصيام على سائر العبادات.
4- أن الإضافة إضافة تشريف وتعظيم، كما يقال : بيت الله، وإن كانت البيوت كلها لله. وكما قال أهل العلم: التخصيص في موضع التعميم في مثل هذا السياق لا يفهم منه إلا التعظيم والتشريف.
ورمضان شهر المغفرة، فقد منح الله فيه الصائم ثلاث جوائز عظيمة كلها تغفر ذنوب العبد، فقال صلى الله عليه وسلم : (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ).
وهذا الحديث دليل على فضل صوم رمضان وعظيم أثره، حيث كان من أسباب مغفرة الذنوب وتكفير السيئات.
كذلك قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ).
والحديث دليل على فضل قيام رمضان، وأنه من أسباب مغفرة الذنوب، ومن صلى التراويح كما ينبغي فقد قام رمضان.
وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً:( مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ).
والحديث دليل على أن هذه ليلة عظيمة اختارها الله تعالى لبدء تنزيل القرآن، وعلى المسلم أن يعرف قدرها فيحرص عليها ويحييها إيماناً وطمعاً في ثواب الله تعالى لعل الله أن يغفر له ما تقدم من ذنبه.
ورمضان شهر الدعاء، قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}.
فقد وردت آيات الدعاء ضمن آيات الصيوم، إيماء إلى أن رمضان من أعظم أوقات الدعاء ومن أحراه بالإجابة، وكأنها تشير إلى أن رمضان من أعظم مواسم الدعاء لفضيلته ولحال الداعي فيه، وقد ورد ما يؤكد ذلك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ثلاثة لا تُرد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم”.
كما أنه عز وجل لم يقل : وإذا سألك عبادي عني فقل لهم إني قريب! بخلاف سائر السؤالات في سورة البقرة، بل قال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} فهنا تولى الله الإجابة بنفسه، وحذف الواسطة إيماء إلى قربه وسرعة إجابته دعاء عباده.
وقد ذكر بعض أهل العلم: أنه تعالى لم يقل: “وإذا سألك المؤمنون وإذا سألك المسلمون”، بل قال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي}، فذكرهم بوصف العبودية وأضافهم إلى نفسه تعالى، تشريفاً وتنويهاً بذلك المقام، فأعظم مقام للمخلوق كما يقول العلماء هو مقام العبودية، ولهذا وصف الله تعالى به نبيه في مقامات التشريف كالإسراء: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}، وفي هذا ما يدل على أن الدعاء من أشرف العبادات التي يندرج الداعي به في سلك العبودية.
فهذه فرصة عظيمة، لاستغلال هذا الموسم من مواسم العبادة، أن نرى الله من أنفسنا خيراً!!
أضف تعليقك