بقلم: وائل قنديل
لو كنت مكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لتمنّيت فوز مرشح المعارضة برئاسة بلدية اسطنبول، بعد قرار اللجنة العليا للانتخابات إلغاء فوزه، ودعوة المواطنين إلى التصويت في انتخابات جديدة. ولو أن لي صوتًا في هذه الانتخابات لأعطيته لمرشح حزب الشعب الجمهوري، حرصًا على حزب العدالة والتنمية (الحاكم)، وتجربته السياسية الفريدة في حكم تركيا، منذ مطلع القرن الجاري.
لا يمكن، بالطبع، التشكيك في قرار اللجنة العليا إعادة انتخابات بلدية اسطنبول، فالأتراك، المعارضة قبل السلطة، لم يتهموا اللجنة بالانحياز والفساد، فضلًا عن أنه على الرغم من مشاعر الإحباط والغضب التي بدت في تصريحات مرشح المعارضة، أمام إعلان قرار إلغاء فوزه، أسابيع بعد تسلمه السلطة على بلدية اسطنبول، رسميًا، إلا أنه وحزبه انخرطا في الترتيب لخوض المعركة الانتخابية، مجددًا، في الأسبوع الأخير من يونيو/ حزيران المقبل.
هذا الأمر يعني منتهى الوعي بضرورة الحفاظ على آلية ديمقراطية، ترسّخت عبر ممارسات وتجارب عدة، وصارت مكسبًا للجميع، من في المعارضة ومن في الحكم، بالدرجة ذاتها، كما يظهر القبول بقرار اللجنة السابق، خسارة مرشح الحزب الحاكم، إقرارًا بنزاهتها وابتعادها عن شبهات الدوران في فلك حزب الأغلبية، وقبل ذلك وبعده، إعلاءً للقوانين والتقاليد الديمقراطية فيما يخص الانتخابات.
ومما يتوجب ذكره في هذا الشأن أنّ الرئيس التركي طلب من مرشح المعارضة الذي أعلنت اللجنة العليا للانتخابات فوزه، بعد التحقيقات الأولية في شكوى الحزب الحاكم، البدء فورًا في ممارسة مهامه وصلاحياته، رئيسًا لبلدية اسطنبول، وهو المنصب الذي شغله أردوغان ذات يوم وصنع زعامته السياسية.
وأزعم أن ما صنع نجاح تجربة حزب أردوغان في إدارة تركيا على مدار عقدين تقريبًا، هو أن الحزب نجح في إقناع المنافسين له بأنه ليس تنظيمًا احتكاريًا مغلقًا على تيار أيديولوجي واحد، فضلًا عن الانتصار لمبدأ التنافسية السياسية، بصرف النظر عن أوزان المنافسين وأحجامهم، بالإضافة إلى القدرة على تبديد هواجس الأحزاب العلمانية، بشأن العبث بشخصية الدولة التركية، على نحو استبدادي وتعسّفي.
في هذا أتذكر لقاء شاركت فيه مجموعة صغيرة من الكتاب العرب مع نائب رئيس الحكومة التركية، بشير أطلاي، في أنقرة مايو/ أيار 2013، وكان الربيع العربي قد بدأ يثمر أحزابًا ممثلة للإسلام السياسي تصل إلى السلطة، مصر وتونس على سبيل المثال، وكان ذلك محور السؤال المطروح على الإدارة التركية، بما لها من تجربة في هذا المضمار. وكان رد نائب أردوغان، في ذلك الوقت، إنه كان هناك قلق علماني من تجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا لكننا استطعنا "إزالة هذا القلق بإعلاء قيم الحرية، إذ لا يجب أن نخاف من الحرية وأن نذهب إلى الاعتماد على المجتمع والثقة به".
بالطبع، كانت تعقيدات المشهد المصري في ذلك الوقت حاضرة في الأسئلة، فطلبت منه نصيحة للسلطة الحاكمة في مصر، فرد الرجل بأن السؤال صعب وحساس، ولا يستطيع الإجابة عنه بوضوح، لكنه تابع "مصر حققت ثورة كبيرة، وتشبه تركيا تماما من حيث التعدد الثقافي والسياسي، والمطلوب هو احتضان أكبر قدر ممكن من أطياف الشعب، من خلال لجنة حكماء تضع سياسات وإجراءات لتليين الوضع و تبتكر آليات تنفيس للاحتقان السياسي".
وبالنظر إلى المأزق الناتج عن قرار اللجنة العليا للانتخابات التركية، وبالأخذ في الاعتبار حالة الهياج التي انتابت أطرافا في الاتحاد الأوروبي، المتنمرّين أصلًا، ضد نظام أنقرة، فإن نجاح مرشح المعارضة في الانتخابات المزمع إعادتها سيكون انتصارًا للنظام السياسي التركي، ومكسبًا للحزب الحاكم، الخاسر، قبل أن يكون انتصارًا للمعارضة، ذلك أن هذا سيعطي إشارة إلى المتنمرين في الشمال والضباع الصغيرة في الجنوب، وتحديدًا في الخليج، بأن لدى الأتراك نظامًا راسخًا وتجربًة ديمقراطية في قمة نضجها، وأمة تركية واحدة ومتماسكة، مهما اختلفت الألوان السياسية.
أضف تعليقك