بقلم : سامي كمال الدين
كنا نظن أن ثورات الربيع العربي هي التي أعادت الوعي للشعوب العربية المقهورة من المحيط إلى الخليج، حتى فوجئنا أن الانقلابات العسكرية على هذه الثورات وما نتجت عنه ساهمت بشكل أكبر في تعرية وكشف زيف الدعاة والفنانين والشخصيات العامة، وكان آخر سقوط ورقة توت هذا الأسبوع عن عالم جليل -أو كنا نظنه كذلك- يحصل على تقدير واحترام ملايين من المسلمين حول العالم، حتى شهدنا حديثه التلفزيوني في قناة روتانا خليجية مع عبد الله المديفر في أولى حلقات برنامج الليوان.
لم يكن عائض القرني عالما جليلا فقط، لكنه كان واحدا من أهم الأصوات الدينية للمملكة العربية السعودية، ما إن يحط الرحال في بلد حتى تفتح له أبواب بيوتها، من حكامها وسادتها إلى صغارها، وإذا تحدث استمع له الجميع، فكيف بالله استطاع إتقان دوره بهذه القدرة المدهشة، وكيف استطاع إجراء تحولات وانقلابات على مواقفه دون أن ينتبه أحد، أم كان الناس ينتبهون ويتغاضون لمكانته بينهم؟!
لم يكن هذا هو المفاجئ فقط في الحلقة الأولى من برنامج الإعلامي عبد الله المديفر الليوان، ولا الالتفاف الوحيد، فقد سارع القرني بالهجوم على الصحوة الإسلامية، التي كان أبرز وجوهها والداعين لها، بل واعتذر عن مشاركته في الصحوة، بل واعتذر للمجتمع السعودي عن تشددها وتقسيمها المجتمع، ولمخالفتها الكتاب والسنة، وأنها فصلت الجانب الشرعي الخاص بطاعة ولي الأمر، ولابد هنا أن نذكر أن هذا النهج والتحول والهجوم على الصحوة الإسلامية لم يبدأ من عند عايض القرني، وإنما من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي رأى أن تيار الصحوة هو السبب وراء التطرف والإرهاب، ليطيع القرني ولي الأمر كما أراد ولي الأمر لا كما أراد الله في كيفية معاملة ولي الأمر.
عموما ليست هذه مشكلة لدى شيوخ وعلماء السلاطين، فهم دائما أصحاب مخارج وتخريجات لأي قضية ولأي تصرف للحاكم، وكله بما لا يخالف شرع الله..!
«وفي الزواجات استبدلوا الأناشيد والفرح بالوعظ» هكذا يعلق القرني على الصحوة، فهل هذا يعني أن أغلب المجتمعات عاشت في سعادة بسبب انفتاحها، والمجتمع السعودي عاش في شقاء بسبب تشدد الصحوة أم العكس؟!
من الصحيح هنا الشيخ عايض القرني في التسعينيات تحت حكم الملك فهد والملك عبد الله أم عائض القرني تحت راية الأمير محمد بن سلمان؟!
ربما يخرج علينا عائض القرني ومن هم على شاكلته من علماء الملك ليبرروا قتل ابن سلمان لجمال خاشقجي وتقطيعه بالمنشار، وقد يصفونه بالخارج عن طاعة ولي الأمر لذا قتله ونشره!
عموما رأى القرني في الصحوة أنها اتبعت التشدد وحرمت الأغاني واهتمت بالهدي الظاهر، وهو الآن مع «الإسلام الوسطي المنفتح على العالم الذي نادى به ولي العهد « تكشف إلى أي مدى يتلاعب من هم مثله من العلماء والمشايخ بالشعوب البسيطة ويبيعون ويشترون فيهم، ويتلاعبون بعقولهم باسم الدين لصالح الحاكم وما يريده، بصرف النظر إن كان ما يريده الحاكم في صالح الدين أم في طالحه.
على شاشة قناة الجزيرة القطرية عام 2001 ظل الشيخ عائض القرني يدافع عن المملكة العربية السعودية وعن الملك فهد دفاعا مستميتًا مبرئا المملكة من أسامة بن لادن وكل تهم الإرهاب التي اتهمت بها.. وبعد 17 عاما يعود القرني ليقول إن قطر والجزيرة أرادوا شراءه بالمال ليهاجم السعودية والملك ويتهمهما بالإرهاب!
بل ويتهم قطر بأنها تدفع رواتب شهرية لدعاة سعوديين من تيار الصحوة، وأنها تحقد على السعودية، وتتقارب مع إيران والإخوان وطالبان على حساب السعودية!
إذا كانت قطر كذلك، فلماذا ظل الشيخ يخطب في مساجدها ونواديها وبيوتها منذ عام 2001 وحتى عام 2017؟!
إذا كانت الجزيرة كذلك فلماذا ظهر على شاشتها وتركوه يدافع عن السعودية والملك بهذا الشكل؟!
وهل أحد ينسى دور قطر والجزيرة في دعم السعودية ومساعدتها للنجاة من هذه التهمة وقتذاك، بل وحتى الأمس القريب كانت قطر تقف بجوار السعودية بصفتها الشقيقة الكبرى، وتوفر لها منابرها الإعلامية وسياستها الداخلية والخارجية وتؤازرها، حتى قامت الشقيقة الكبرى بالغدر بالشقيقة الصغرى وضرب حصار حولها!
عن عبدالرحمن بن أبي بَكرة، عن أبيه، قال: «كنَّا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: «ألا أُنَبِّئُكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثًا: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور - أو قول الزور» وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مُتَّكِئًا، فجلَس، فما زال يُكرِّرها؛ حتى قلنا: ليتَه سَكَتَ.
أضف تعليقك