أكد الفنان السوري المعروف يحيى حوى، أنه غنى لثورات "الربيع العربي" لأنها هي التي زلزلت عروش رؤساء ولدنا وكبرنا في عهدهم وكنا نظن أننا سنموت في عهدهم أيضاً".
ويعد حوى المولود سنة 1976 واحداً من أشهر الفنانين السوريين في الخارج، ويوصف بأنه فنان ملتزم، حيث بدأ حياته حافظاً وقارئاً للقرآن الكريم وبدأ مسيرته الفنية بالأناشيد الهادفة والهادئة في عام 2002، فيما تُركز أغلب أغانيه وأناشيده على القيم الإنسانية العليا وحقوق الإنسان، كما أنه استطاع أن يُحقق انتشاراً عالياً في أوساط الشباب وتمكن من تكوين جمهور كبير أيضاً في أوساط الجاليات العربية في أوروبا وأمريكا، أما أشهر أغانيه فهي "حياتي كلها لله" التي حققت ملايين المشاهدات على الإنترنت، لكنها ليست سوى واحدة من أكثر من 150 عملا فنيا قام الفنان يحيى حوى بإنتاجها خلال السنوات الـ15 الأخيرة.
وفيما نص حوار "عربي21" مع الفنان يحيى حوى:
* ما هو اللقب المفضل لك؟ منشد أم قارئ للقرآن أم فنان أم فنان الثورة أم فنان الإنسانية؟
- أنا قارئ قرآن وفنان، فقراءة القرآن لا تتعارض مع الفن، ولستُ فنان لون معين بل أنا أغني لكل ما يستفزني من موضوعات وقضايا سواء كانت وطنية أو إنسانية أو اجتماعية أو غير ذلك.
* ولكن ألا ترى أن كلمة فنان دخيلة على عالم الإنشاد والمنشدين؟
- لا طبعا ليست دخيلة.. فكلمة "منشد" تعني الذي يؤدي الشعر بتلحين، أما كلمة فنان فتعني صاحب الموهبة الفنية الذي يبدع في عمله ويزينه ويتقنه ويتذوق الفن في ما حوله ثم ينقله بأداته، سواء كانت فرشاة رسم في حالة الرسام، أو قلم في حالة الكاتب والشاعر، أو الصوت في حالة المغني أو المنشد. فكل منشد يقال عنه فنان لأنه ينقل ما يراه من جمال في الشعر بصوته ويزينه ويتقن فيه ويبدع بأدائه.
وكلمة فن كلمة قديمة في اللغة وأطلقها كثير من العلماء على المؤلفات الكتابية مثل فن أصول الفقه، فن التجويد.. وهكذا.
* كنا في السابق نرى جمهوراً كبيراً ليحيى على صفحته وتفاعلا ضخما، لكن اليوم جمهورك مختلف معك دائماً أو في كثير من الأحيان.. برأيك هل يمكن أن يكون هذا دليلا على ضعف نجوميتك؟
- الاختلاف لا يدل على الضعف وإنما يدل على التنوع.. ولا يجب على كل من يسمعني أن يتفق مع آرائي أو أخضع أنا لرأيه.. لكل منا شخصيته ووجهة نظره، وخصوصا أن صفحتي لا تناقش أعمالي الفنية فقط ولكنها تناقش أفكاري الشخصية التي أؤمن بها أيضا، وطبيعي أن لا تتفق أفكار أي شخص 100% مع من حوله حتى وإن كانوا أهله.
هذا بالإضافة إلى أنني أفتح صفحاتي وحساباتي لجميع الانتماءات ولا أجذب فقط من يتفق معي في الرأي، فطبيعي أن يكون هناك اختلاف في الرأي بيني وبين جمهوري، وأنا أسعد بهذا جدا، فالاختلاف يولد التجديد والابتكار والنضج.
أما "في السابق" الذي تقصده والذي كان فيه جمهوري يتفاعل معي ويتفق معي، فهذا كان قبل ثورات الربيع العربي، حينها لم يكن هناك أصوات تتحدث في السياسة أو تحلم أن تتكلم فيها، وكانت هناك أمور كثيرة غير واضحة، ولم يكن هناك مجال للتعبير عن الرأي.. كما أن كل ما كان يقدم هو أغاني روحانية ومناجاة، فمن يختلف على هذه النوعية من الأغاني سواء كانوا ملتزمين أم لا؟.. ولكن بعد الثورة فإن الوضع تغير وظهر الاختلاف بين الناس نتيجة أن الناس بدأت تناقش أفكارها وتعبر عن آرائها، بل إن الأسرة الواحدة تتعدد فيها الآراء ووجهات النظر لأن كل شخص بدأ ببناء قناعاته وأفكاره بحسب معطياته التي قد تختلف عن غيره.
* بالحديث عن الآراء.. آراء يحيى حوى في الفترة الأخيرة أصبحت صادمة، وأفكارك تغيرت، هل يحيى حوى بدأ يخلع ثوب الالتزام والتدين؟
- تديني أو التزامي هو اختيار اتخذته لنفسي ولم يُفرض علي كي أخلعه، فهو طريقي الذي اخترت أن أسير فيه ولن أتخلى عنه ما حييت بإذن الله.
ولكن أفكاري إن لم تتغير فهذا يثير الخوف والشك في سلامة منطقي. من الطبيعي أن يكون الإنسان في مرحلة ما من مراحل عمره ونتيجة ما لديه من معطيات يميل إلى آراء معينة ويكوّن أفكاره الشخصية تبعا لها، ولكن كلما كبر وحصل على معلومات أكثر وعلوم أكثر وسافر وقابل ثقافات مختلفة ورأى وفهم أكثر فلا بد أن يغير أفكاره السابقة تبعا للجديد الذي تعلمه، وهذا تراه في كل الناس. وليس من العقل ثبات الأفكار ووجهات النظر فلو ظللت بأفكارك طيلة حياتك فهذا معناه أنك مازلت تفكر كالأطفال.
أما كون أفكاري صادمة أم لا فهذا يتحدد بحسب من يتلقاها، فتوصيف الأفكار أمر نسبي لغاية تحدده عقلية المتلقي لها وليس العكس، فهناك من يرى أفكاري صادمة وهناك من لا يراها كذلك وأنا لا أحجر على أحد في ما يراه.
* يحيى حوى يتماشى مع الرائج (بتاع كلو كما يقولون).. فيغني أحيانا ما هو ديني وأحيانا ما هو وطني وتارة أخرى يغني الاجتماعي وحتى إنه يغني للمسيح.. هل يتخبط يحيى حوى في مساره الفني؟
- أين التخبط في هذا؟.. هل مناقشة موضوعات مختلفة وتناولها بشكل مختلف وجديد يسمى تخبطاً؟! أم إن مناقشة أمور لم يتعرض لها أحد من قبل تسمى تخبطاً؟!
وهناك مثلاً موضوع "ثورات الربيع العربي" كيف لا أغني لها وهي التي زلزلت عروش رؤساء ولدنا في عهدهم وكبرنا في عهدهم وتزوجنا وأنجبنا، وأولادنا كبروا ومازلنا في عهدهم، وكنا نظن أننا سنموت أيضا في عهدهم، ثم تأتي ثورات تطيح بهم وتريدني أن لا أقدمها في أغاني؟!
أنا أعيش داخل هذه المجتمعات ولستُ في برجٍ عاجي.. أنا من البشر وأغني للبشر فطبيعي بل من واجبي أن أقدم كل ما يمسهم ويمسني سواء كان دينيا أم وطنيا أم اجتماعيا أم حتى عاطفيا.
* رغم أغانيك للثورة إلا أنك هاجرت وتركت بلدك.. ألا ترى أن هذا تناقض؟ المعارضة من بعيد سهلة.. لماذا لا تجلس في بلدك وتضحي بدمك من أجلها كما تقول في أغانيك؟
- لم أهاجر، وإنما أنا مُهجّر من بلدي وممنوع من الدخول لها، وعائلتي ممزقة ومشتتة بين الدول منذ قتل والدي على يد النظام الغاشم وأنا طفل في الخامسة من عمري، ولم أعش حياتي مثل غيري من الأطفال، وظُلمت وتيتمت ومع ذلك مازال قلبي مع بلدي وهمي همها وأحاول بكل جهدي أن أقدم كل ما أستطيع لها ولقضيتي سواء كنت داخلها أم خارجها.
وعلى مدار حياتي الشخصية أو الفنية لم أغير موقفي حتى يكون هناك تناقض، ولكن هذا كل ما أستطيع تقديمه لبلدي.. بل إنني في ذروة أحداث الثورة السورية ذهبتُ بالفعل لسوريا بعد انقطاع عنها أكثر من 25 سنة كنتُ خلالها ممنوعاً من دخول بلدي، وكل من يعرفني يعرف أني كنت على قائمة المطلوبين للنظام السوري، لذلك فإن كثيرا من الشباب في سوريا عندما أرادوا أن يثبتوا للعالم أن ريف إدلب محررة طلبوا مني التواجد فيها والغناء بشوارعها ليثبتوا أن هذا الفنان المطلوب رأسه للنظام يغني بها ويجول في الشوارع وليس للنظام أي وجود فيها. وبالفعل ذهبت ودخلت إلى ريف إدلب وتنقلت بين مناطق كثيرة في ريف ادلب. فأنا لم أترك بلدي بل أقدم كل ما أستطيع تقديمه لها سواء بصوتي أو مجهودي أو حياتي.
* أغاني الفنانين بشكل عام فيها كلام جميل ولكنه بعيد عن الواقع.. فأنت تغني للإنسانية والفقر واللاجئين بينما يجلس المغني والمستمع في مكان فاره.. هل مجال الغناء والمنشدين الآن أصبح "سبوبة"؟
- ليس من حقي الحديث عن غيري ولكني أتحدث عن نفسي.. أنا لا أجلس مرفهاً مكتوف الأيدي، ولكني أقوم بالعديد من الأنشطة الاجتماعية سواء بشكل فردي أو من خلال مؤسسات مثل منظومة "وطن"، وقبلها كان مؤسسة "هيومن أبيل" في بريطانيا.
وأذهب في رحلات حول العالم لدعم القضية السورية بشكل خاص والقضايا المجتمعية الأخرى بشكل عام، وسواء كان ذلك باللقاءات والحديث عن قضيتي والتعريف بها، أو بالحفلات والغناء لجمع التبرعات، وأذكر أني في سنة من السنين شاركت في جولة عالمية لجمع التبرعات للقضية السورية من خلال حفلاتي الفنية وبفضل الله كانت حصيلة تلك الجولة ملايين الدولارات ذهبت جميعها ليد مستحقيها عن طريق منظمات دولية رسمية وموثوق فيها.
* بمناسبة حديثك عن الأنشطة الاجتماعية.. يحيى حوى سفير النوايا الحسنة لمنظومة "وطن" البريطانية.. فكيف يُمكن بناء دولة مثل سوريا بأموال دولة مثل بريطانيا يعتقد كثيرون أنها شاركت في تدمير بلادنا؟
- منظومة وطن ليست بريطانية ولكنها مؤسسة تم تسجيل أوراقها في عدة دول مثل بريطانيا وتركيا وكندا، فهي منظمة مجتمع مدني مستقلة غير سياسية وغير منحازة إلى أي فريق أو دولة، وتعمل ضمن مجموعة من البرامج المتكاملة لمعالجة القضايا الإنسانية الطارئة وإحياء المجتمعات بشكل مستدام.. وتعمل في كل من سوريا وتركيا، لا تمولها بريطانيا، وجميع العاملين فيها إما من سوريا أو تركيا أو هم مؤمنون بقضيتها الإنسانية فلا دخل لبريطانيا في أعمالها أو أموالها على الإطلاق.
ثم هل بريطانيا "جبل ذهب" لنذهب ونغرف ونصرف منها؟!.. الحركة فيها ليست بمثل هذه السهولة، كما أن تواجدنا في دول الغرب مطلوب لأنه يعطينا الفرصة لنشر قضيتنا والحديث عنها بألسنتنا وليس بما يُنقل عنا فنستطيع تحريك الماء الراكد والتأثير داخل هذه الدول لمصلحة شعوبنا وقضايانا.
* القضايا الوطنية عموما، وخاصة قضية فلسطين، هل تعتقد أنها تنتصر بالأغاني؟ أم إن الأغاني مفيدة لها؟
- الأغاني الصادقة التي تعكس حقيقة الواقع أكيد لها تأثيرها بالمجتمع وبالقضايا المصيرية، ولها دور حيوي في تحريك الشارع المحلي والدولي، مثل ما حدث أثناء ثورات الربيع العربي وكيف كانت ميادينها تصدح بالشعارات والأغاني التي ولدت من قلب الأحداث.. وأيضا لا يقتصر دور الأغاني على ذلك فقط بل لها دور جوهري في توثيق ألأحداث.
ثم من قال إن الفنان الذي يتحدث عن قضية ما بغنائه يلهو أو أنه يفعل شيئا بسيطا..؟ نحن بالأغاني نعرض أنفسنا لهجوم من المعارضين وخسارة جمهور وخسارة فرص مادية ونجومية، بل يصل الأمر إلى أننا نعرض أنفسنا وأهلينا للتهديدات والحظر، والله يحفظ الجميع ولكنها تصل للقتل أيضا كما حدث لفناني الثورة داخل سوريا.. كل من يصدح بكلمة الحق سواء في ساحة القتال أو في الإعلام أو الفن يقدم روحه قبل أغنيته.. ويغير في المجتمع.
أضف تعليقك