في شهر فبراير الماضي نظمت الجمعية الفرعونية للطهاة مهرجانا بعنوان "أطول ساندويتش في إفريقيا" في احتفالية كبيرة أقيمت في "دريم لاند" بمدينة السادس من أكتوبر.
وشارك في إعداد هذا الساندويتش البالغ طوله 1250 متر، عدد كبير من طلاب وطالبات كليات السياحة والفنادق، إلى جانب عدد كبير من الطهاة من مختلف محافظات مصر.
المنظمون وجهوا الدعوة لممثلين عن موسوعة جينيس للأرقام القياسية ليوثقوا اللحظة التاريخية والإنجاز الكبير، فمصر لديها أطول ساندويتش في القارة الإفريقية ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان.
هجوم ضار من أهالي تلك المنطقة من عمال وأطفال وكادحين لا يجدون قوت يومهم، ولكنهم وجدوا ما يشبع بطونهم في هذا الساندويتش العملاق، شجار بالأيدي وعراك بالكراسي فالغنيمة كبيرة واللقطة لا تلزم هؤلاء المساكين في شيء، فكل ما يهمهم هو إشباع بطونهم الخاوية بفعل سياسات خاطئة لم تهتم يوما إلا للقطة مثل هذه.
تذكرت هذا المشهد المؤلم للأهالي وهم يلتهمون الساندويتش الأطول في إفريقيا، وأنا أشاهد لقطة افتتاح "أعرض" كوبري في العالم، واحتفاء الصحف المصرية والأذرع الإعلامية المصنوعة على يد السيسي بإنجازه الجديد الذي لا يقدره الخونة وأعداء الوطن من وجهة نظرهم.
أعرض كوبري انضم لقائمة طويلة من إنجازات السيسي، التي لا نستطيع الاحتفال بها لا لسبب إلا لأنها لا تعدو كونها لقطة سنيمائية لا تسمن ولا تغني من جوع.
الجسور في العالم والكباري الكبيرة يتم عادة الإشارة لها كإنجاز معماري وهندسي فريد عندما يتحدث أصحابها عن طول البحر الأكبر للكوبري "وهو المسافة المعلقة فوق المجرى المائي دون أعمدة سفلية (مثل كوبري سان فرانسيسكو وجسور البسفور وغيرها)، أما ما حدث في روض الفرج مع السيسي فهو بالضبط ما قاله له سابقا مدير مكتبه سابقا ومدير المخابرات العامة الحالي، اللواء عباس كامل، في تسريب صوتي سابق أذعته فترة عملي في قناة "مكملين" الفضائية عام 2015، وتحدث في هذا التسريب عن مشروع سكني "مليون وحدة سكنية" تنوي أبو ظبي الإعلان عنه في مصر كترويج للسيسي في انتخابات الرئاسة المصرية 2014.
وذكر عباس كامل للسيسي كلمة "اللقطة"، وهي ملخص الاتفاق بينه وبين سلطان الجابر مستشار بن زايد على الإعلان عن هذا المشروع وكأنه وعد لإنجاز قادم يعد السيسي به الشعب المصري ولكن شيئا من هذه المليون وحدة سكنية لم تحدث وتمت اللقطة بنجاح.
أعرض كوبري في العالم انضم إلى أقرانه في عهد السيسي، فبات لدينا في مصر أكبر مسجد في العالم وأكبر كنيسة في العالم وأطول برج في العالم وكل ذلك بداخل أكبر عاصمة إدارية في العالم، وكلها إنجازات يتحدث السيسي بها عن نفسه وعن حقبته الرائدة.
والحقيقة هنا يجب أن نسأل أنفسنا وبكل حيادية، لماذا لا نحتفل بإنجازات الرجل الذي أدخلنا موسوعة جينيس من أوسع أبوابها؟! بداية دخول موسوعة جينيس ربما يعد إنجازا لشخص تناول ألف بيضة مدحرجة في خمس دقائق، أو لشخص استطاع أن يبقى لمدة أطول تحت الماء دون أن يختنق أو ربما لمجموعة قامت بطهي أطول ساندويتش في العالم، والأمثلة كثيرة ولكن في دولة احتلت المكانة الأسوأ في الصحة على مستوى العالم، واحتلت المرتبة الأخيرة في التصنيف الخاص بجودة التعليم، والتصنيف الأخير في مؤشر السعادة عربيا، وتذيلت قائمة الدول عالميا في مؤشر جودة الحياة، وحلت في المرتبة الأسوأ عربيا في مؤشر توزيع الدخل والعدالة الاجتماعية، واحتلت صدارة الدول العربية في قمع حرية الصحافة، وارتفعت ديونها الخارجية من 34 مليار دولار لتصل إلى قرابة 100 مليار دولار، وارتفعت ديونها الداخلية إلى ما يقارب 3.5 تريليون جنيه مصري، بالتأكيد هذه الدولة لا يعد دخول جينيس لها إنجازا.
المواطن المصري الذي يريد الذهاب واستخدام هذا الكوبري سيصطدم بلائحة أسعار خاصة تجبره أن يدفع عشرين جنيها في كل مرة يعبر فيها بسيارته من فوق أعرض كوبري في العالم، وهذا بيت القصيد، فالسيسي والنظام يشيد هكذا مشروعات وعلى المواطن أن يشارك في دفع الضريبة.
فكل مشروعات السيسي التي يكللها باللقطة المطلوبة لا تخدم المواطن البسيط بأي شكل بداية من الإنشاء؛ فالجهة المنوط بها الإشراف والتنفيذ وعقد المناقصات والاتفاقات والمتابعة والتشغيل هي القوات المسلحة بأمر من السيسي وما لقطاته السابقة بتوجيه كامل الوزير، رئيس الهيئة الهندسية السابق ووزير النقل الحالي منا ببعيد.
القوات المسلحة تحتكر المنافسة فلا تجرؤ شركة مقاولات على المنافسة وفرص العمل في هذه المشروعات تكاد تكون معدومة للمواطن العادي، والنظام يقترض من أجل إتمام هذه المشروعات، وآخر القروض كان من الصين بمقدار خمسين مليار جنيه مصري لإتمام بعض المشروعات العالقة في العاصمة الإدارية الجديدة، التي لم ولن يستفيد منها المواطن الذي لا يجد قوت يومه.
الإعلام الموالي للسيسي يضخم من هذه المشروعات ويتحدث أن مصر تستيقظ وسيستمر في سياساته تلك، ولكن الحقيقة تجدها دائما هناك في شوارع العاصمة ومحافظات الأقاليم عندما تسأل أي مواطن بسيط عن شعوره بإنجاز مصر لأعرض كوبري في العالم، أو عن فرحته بدخول مصر موسوعة جينيس للأرقام القياسية، عندها فقط ستعرف لماذا لا نحتفل بإنجازات السيسي.
أضف تعليقك