بقلم: سليم عزوز
طار الحاكم العسكري بالسودان "عبد الفتاح برهامي" إلى القاهرة وهناك أدى التحية العسكرية لقائده الأعلى عبد الفتاح السيسي، فلا تنس أنه فريق أول، بينما الأخيرة يحمل رتبة المشير!
ومن القاهرة طار "برهامي" إلى أبو ظبي، ليلتقي بمحمد بن زايد، وقبل طيرانه من الخرطوم، كان نائبه حميدتي يطير إلى الرياض ليلتقي بالملك السعودي ونجله، في خطوة لا تُخطئ العين دلالتها!
فورثة الرئيس المعزول عمر البشير، حددوا موقعهم من الإعراب بهذا الانحياز السافر لمعسكر الثورة المضادة في المنطقة، فكيف لهم أن يدعوا الحديث باسم الثورة، أو باسم الثوار، ثم تكون قبلتهم العواصم الثلاث التي انقلبت على الربيع العربي، وطاردت الثوار بيت بيت.. زنقة زنقة؟!
في المقابل، فإن كريمة الصادق المهدي ذهبت إلى أبو ظبي سراً، وهى من قيادات تحالف الحرية والتغيير، الذي يدعي أنه الممثل الشرعي والوحيد باسم الثورة السودانية، على قاعدة منظمة التحرير الفلسطينية، التي كان لا يُذكر اسمها في نشرة الأخبار إلا متبوعاً بـ "الممثل الشرعي والوحيد باسم الشعب الفلسطيني"، وكأن هذه العبارة على طولها هى جزء من اسم المنظمة، الذي يُذكر في كل مرة بها!
عندما انفضح أمر الزيارة الكريمة، لكريمة الزعيم السوداني التاريخي سليل العائلة المهدية، قالت إنها ذهبت إلى هناك لتقديم الشكر لحكام أبو ظبي لاستقبال والدها بعد رفض مصر استقباله، في حين أن الشكر كان يمكن للوالد أن يؤديه بنفسه، في اتصال هاتفي، أو في مقال، أو خطبة جمعة، وهو ممن يخطبون الجمع في مساجد الطائفة، أو يمكن أن يقوم به ابنه، ولم يعد له من مستقبل سياسي، بانتهاء حكم البشير، وقد كان مستشاراً له، ويمكنه بعد التقاعد أن يبدد وقت فراغه في القيام بالواجبات الاجتماعية؛ بتقديم العزاء، والمشاركة في الأفراح، نيابة عن العائلة، وفي تقديم الشكر!
ولأن اللعب صار على المكشوف، فقد قام سفير كل من الإمارات والسعودية، بزيارة الصادق المهدي في منزله، وكان في استقباله الوالد وكريمته، ونشر أن الزيارة هى رداً لزيارة ابنة الصادق المهدي للإمارات.. لا بأس فزيارة المذكورة للإمارات كان لشكرها على موقفها مع والدها، وقد جاء سفير الإمارات لرد الزيارة، فلماذا يحضر السفير السعودي؟!
واللافت، أن تحالف قوى الحرية والتغيير، المتحدث الرسمي والوحيد باسم الثورة السودانية، لم يغضب لقيام سلطة الحكم بزيارة عواصم الثورة المضادة الثلاث، ولم يجدوا في أنفسهم حرجاً من أن يؤدي حاكم السودان التحية العسكرية، لحاكم القاهرة، بما يعني التبعية، وفق القواعد العسكرية المعمول بها في الجيش الواحد، وعبد الفتاح برهامي كان في حضرة قائده العسكري عبد الفتاح السيسي.. أنعم وأكرم!
الهلع من الانتخابات:
لم يغضب تحالف قوى الحرية والتغيير، لدور الهيمنة لعواصم الثورة المضادة على قادتهم العسكريين، ومن في حكمهم، لأنهم لم يفعلوا شيئاً مرفوضاً من وجهة نظرهم، وهناك كلام منشور عن زيارات قام بها ممثلين عن تجمع المهنيين لسفارة السعودية والإمارات في الخرطوم، على نحو كاشف بأن حل الأزمة بين المجلس العسكري والقوم يمكن أن يتم في السفارة السعودية أو الإماراتية، ليخرج الجميع من هناك، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، لاسيما وأن المناورات السياسية لابد لها من نهاية، والمجلس العسكري يملك من الأوراق ما يمكن أن يلاعب به التحالف، فهو يمسكه من يده الموجوعة، عندما يلوح بإجراء انتخابات مبكرة، فيصيب القوم بالهلع، لأنهم كرهوا لقاء الشعب، فكره الشعب لقائهم، فصاروا يريدون تمكينهم من حكم السودان بقرار من المجلس العسكري، حتى إذا قضوا منها وطراً، مدوا في الفترة الانتقالية إلى حين تمكينهم من إقصاء التيار الاسلامي من المشهد، فيجرون الانتخابات التي ينافسون فيها أنفسهم أو هكذا يتوهمون!
وصار المضحك، أن قوى الحرية والتغيير هى التي تريد فترة انتقالية تصل إلى أربعة سنوات، في حين أن العسكر يحددونها بسنتين فقط، وبعد مفاوضات "يقسموا البلد نصفين" فيتنازل العسكر ويتنازلون هم، ويتم الاتفاق على أن تكون الفترة الانتقالية ثلاث سنوات!
الورقة المهمة التي يلاعب بها المجلس العسكري تيار الحرية والتغيير هى استدعاء التيار الاسلامي، عندما يفشل الحوار، فتكون الدعوة لمظاهرات دفاعاً عن الشريعة، وعندما يعودوا إلى مائدة المفاوضات يتم تغييب التيار الديني!
وهو مشهد على تأزمه، فإن الإمارات والسعودية يملكان فيه "كلمة سر الليل"، نتيجة علاقتهم بطرفي الأزمة، فلا ينكر تحالف المهنيين مثلاً، هذه الجولات للقادة العسكريين، إلا من باب تجاوزهم لحدود الاختصاص، ولكن ليس في خطابهم إدانة للاستقواء بالثورة المضادة، ولو من باب رفض حضور الرجعية العربية (أليس هذا من أدبيات اليسار؟) إلى المشهد السوداني، فيصبح محمد بن زايد هو من بيده "عقدة النكاح"!
والمشهد هكذا، فإن البعض قد يرى أن استمرار البشير كان أفضل من الثورة، ولا يدركون أن البشير هو من قام بتعقيد المشهد، وفي نهاية الأمر كان السودان سيمر بهذه المرحلة، والحال كذلك فمن الأفضل أن يمر بها وهناك ثورة في الشارع!
الاختراق من محور الشر:
كل الطرق كانت ستؤدي إلى حضور رجال السعودية والإمارات، وكل رجال البشير مخترقين من قبل محور الشر، وبعلمه وإرادته، فلو مات فإن البديل له سيكون ممن هم على اتصال بالسعودية والإمارات، وإذا قرر أن يمتنع عن الترشيح ويدفع بديل له، فلن يكون بعيداً عن السعودية والإمارات، وإذا حصل عليه انقلاب عسكري، فسوف يكون ممن لهم اتصال بالسعودية والإمارات، وقد كان يشعر بأنه من القوة بمكان بحيث أنه يجمع هؤلاء حوله، ويمكنه أن يلاعب كل الأطراف، وأن يقيم علاقات مع دول الأضداد، وأنه عبقري المرحلة.
فعندما أبعد صلاح قوش رجل الإمارات، قرب الفريق طه بن عثمان رجل السعودية، وعندما أبعد الأخير أعاد الأول إلى بلاطه مع أنه ضبطه متلبساً بالتآمر عليه في مرحلة سابقة، ثم رغم علمه بأن الفريق طه يتآمر عليه وأبعده لم يمانع في تركه يغادر للسعودية ويحصل على جنسيتها!
كان يعتقد أن "رفاعي" هوايته اللعب بالثعابين، وأنه مادام يحيط نفسه بالأجهزة الأمنية المختلفة فلا يخيفه أحد، ولكل مؤسسة أمنية أوجد لها بديلاً، فالجيش مثلاً تقابله قوات الدعم السريع، وفي النهاية أخذ من مأمنه، فالفريق حميته الذي كان يصفه بحمايتي "باعه بالرخيص"، سنة الله في الذين خلوا من قبل، فخرجت عليه الثورة وهو في عز قوته، وأسقطته وهو يعتقد أنها ليست أكثر من "زوبعة في فنجان"!
من يقول أن البشير يمكن أن يعيد صلاح قوش ويقربه من جديد؟ وهو باعادته كان مرشحاً لخلافته وهو رجل الإمارات، الذي كان سيلعب لصالح الثورة المضادة جهاراً نهاراً!
مشهد حرص البشير على أن يكون معقداً، وقيام الثورة واسقاط البشير هو الخيار الأفضل لححلته مع الوقت، وإن بدا الفرقاء وقد جمعتهم عواصم الثورة المضادة، فهذه مرحلة مخاض عسير، لن تنتهي أبداً نهاية الثورة المصرية، ثم أن هناك من نتجاهل حضوره وهو الشعب السوداني في ميادين الثورة، فمن قال إن قوى التغيير يمكنها أن تفرط، ثم تقول للثوار عودوا إلى بيوتكم فيعودوا وقد فوضوها لإدارة الدولة والحديث باسم الثورة!
الرهان على الشعب السوداني.
أضف تعليقك