بقلم: أسامة جاويش
في أقل من ثمانية وأربعين ساعة فقط ذهب الرجلان الأقوى في السودان إلى عاصمتين مختلفتين والعنوان العريض، بحث سبل التعاون وسيناريوهات خروج السودان من الأزمة الحالية، محمد حمدان حميدتي نائب رئيس المجلس العسكري السوداني وقائد قوات الدعم السريع، الذي يعد الوجه الأبرز الآن في المشهد السوداني طار إلى الرياض ليلتقي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في زيارة خاطفة لم تدم إلا ساعات.
وبعدها بأربع وعشرين ساعة طار عبدالفتاح برهان قائد المجلس العسكري السوداني إلى القاهرة ليلتقي السيسي في قصر الاتحادية، لبحث سبل خروج السودان من النفق الضيق. وبين الزيارتين أعلن العسكر في السودان رفضهم لمقترح قوى الحرية والتغيير بمنحهم الأغلبية في المجلس السيادي المزمع تشكيله، وأكد المجلس العسكري تمسكه هو بأغلبية تشكيل هذا المجلس.
في نوفمبر من عام 2018 وبعد جريمة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، نشرت مجلة "ذا أتلانتيك" الأمريكية تقريرا لكبير الباحثين في جامعة جورج واشنطن، حسن الحسن، تحدث فيه عن تحول كبير في منطقة الشرق الأوسط مع صعود ولي العهد السعودي إلى صدارة المشهد، وهو ما عبر عنه الكاتب آنذاك بأن حكومات مصر والسعودية والإمارات هدفها الأساسي هو منع عودة ثورات الربيع العربي مرة أخرى، وأن كان التسلط والقمع هو السمة الغالبة لأنظمة الحكم في الشرق الأوسط، ولكن البديل سيكون أسوأ من هذه الأنظمة السلطوية وهو ما حدث منذ 2011 فعواصم الخليج ومقرات القيادة لبعض الجيوش العربية اتحدوا معا ضد إرادات الشعوب المقهورة وكانت كلمة السر في ذلك هي أموال الخليج.
في تسريب صوتي أذعته فترة عملي بفضائية مكملين في السابع من فبراير 2015 عرف إعلاميا بتسريب "السيسي يحتقر الخليج"، قال عبدالفتاح السيسي لمدير مكتبه عباس كامل آنذاك متحدثا عن خالد التويجري رئيس الديوان الملكي السعودي في عهد الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز: "تطلب منه عشرة مليار من السعودية وعشرة مليار من الإمارات وعشرة مليار من الكويت ويقفل لينا حساب السنة اللي فاتت ويدفع شوية فكة في البنك المركزي"، هكذا تعامل السيسي بمنطق التجار يريدون مني قمع الإسلاميين وقتل الثورة فليدفعوا طالما فلوسهم زي الرز .
مليارات الدولارات الخليجية انسابت على بلدان الربيع العربي ببذخ شديد، ففي مصر وجدوا ضالتهم في السيسي فأغدقوا عليه المليارات من الدولارات التي لا يعلم أحد حتى الآن أين ذهبت، ولا زال دعم الرياض وأبو ظبي مستمرا للنظام العسكري في مصر طالما ظل هذا النظام محاربا لأي صوت معارض وقامعا لمحاولات إحياء ثورة يناير من جديد في نفوس المصريين،.
وفي ليبيا لم يختلف الأمر كثيرا، ففايز السراج من وجهة نظر بعضهم ينتمي للإخوان المسلمين، وحفتر هو جنرال عسكري جديد وجدوا فيه ضالتهم فلا مانع من دعم عسكري ومالي وسياسي لما أطلقوا عليه الجيش الوطني الليبي في ليبيا بقيادة خليفة حفتر.
وفي تونس أموال إماراتية تم إنفاقها ببذخ من أجل إعادة رموز وممثلين عن نظام الديكتاتور المخلوع زين العابدين بن علي للواجهة مرة أخرى. ولكن الأمور جاءت لهم من حيث لم يحتسبوا فانتفضت الجزائر والسودان وأطاحتا ببوتفليقة والبشير في أقل من شهر، ليدرك ديوان الحكم في الرياض وإمارة أبوظبي وقصر اتحادية السيسي أن شيئا مما خططوا ورتبوا له لم يفلح ولم ينجح، وأن كابوسا اسمه ثورات الربيع العربي قد عاد للظهور من جديد.
في 2016 صعد إلى المكتب البيضاوي في البيت الأبيض رجل أعمال هو الأبرز منذ عقود في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان رأس مال الرئيس الأمريكي الجديد هو الحرب ضد المسلمين والمهاجرين في آن واحد. خطابات كراهية شديدة وعدم اكتراث بمبادئ الديموقراطية أو احترام لحقوق الإنسان، وحديث مستمر عن دول خليجية غنية يجب أن تدفع الكثير من أجل أن تحميها الولايات المتحدة، وهو ما حدث بعد ذلك بالفعل.
دونالد ترامب وجد صدى لصوته في العالم العربي، فالرجل يتحدث عن الأفكار المتطرفة وخطورتها فيجد بن سلمان وبن زايد والسيسي قد زادوه من الشعر أبياتا وأصدروا قوائم للإرهاب ضمت منظمات وأسماء من كل حدب وصوب، ترامب يتحدث عن كراهية الإسلام للعالم فيؤمن السيسي على حديثه ويزيد بأن مليار مسلم يريدون قتل بقية المخلوقات، وهناك عبدالله بن زايد يحذر أوروبا من تطرف المسلمين، وفي الصين بن سلمان يحرض ضد مسلمي الإيغور.
ترامب يتحدث عن الصفقات والأموال فيأتي إليه السيسي راضخا مرحبا بصفقة القرن ويأتي إليه محمد بن سلمان بأكثر من 500 مليار دولار صفقات للسلاح، أصبح ترامب داعما لسياسات الثلاثي بن سلمان بن زايد السيسي وأصبح ثلاثتهم تابعين لما يريده ترامب طالما ظلوا يمتلكون السلطة.
بالعودة إلى رحلتي حميدتي وبرهان للرياض والقاهرة، يبدو أن حنينا للماضي قد أصاب بن سلمان والسيسي فقررا استنساخ التجربة المصرية الأليمة ضد متظاهري الخرطوم والقوى السياسية المعتصمة هناك أمام مقر اعتصام القيادة العامة للجيش السوداني، فالتقارير تشير إلى نية المجلس العسكري التوحش ضد الجميع في السودان بعد أخذ الضوء الأخضر من حلفائه في الرياض والقاهرة ومن قبلهم أبو ظبي، وبالتأكيد لن تتحرك إدارة ترامب ضد ما سيجري وعلى الجميع في السودان أن يحذر من سيناريو أسود كهذا.
التحدي الآن بات كبيرا أمام من يؤمن بالتغيير في العالم العربي فلابد من تعاطٍ آخر مع من بات يتحكم في مقاليد الأمور الآن، فقد صرنا للأسف بين عقال يمتلك المال في الرياض وأبو ظبي، وجنرال يمتلك السلاح في القاهرة، ورجل أعمال يحكم أكبر دولة في العالم.
أضف تعليقك