بقلم: وائل قنديل
من الأخبار المقرفة، المنبعثة من مستنقعات القهر والقمع في دولة عبد الفتاح السيسي، أن أستاذًا بجامعة المنصورة منع طالبة، تعاني مشكلة صحية، من استعمال دورة المياه، فبالت على نفسها أمام زملائها داخل قاعة امتحان مادة "النصوص اليونانية".
التفاصيل التي نشرتها صحيفة المصري اليوم تثير الغثيان والأسى على مجتمعٍ بات يرعى في حقول السادية والوحشية من أعلى هرم السلطة، حتى السفح، إذ تتلبس الأفراد حالة من الشراسة في مواجهة الآخرين، تشعر معها بأن سيكولوجية التغول صارت تجتاح الجميع.
توقفت كثيرًا عند موضوع الامتحان الذي شهد واقعة استئساد الأستاذ على الطالبة، حتى وقع لها ما وقع، مادة "النصوص اليونانية" حيث فلسفة سقراط وأفلاطون وأرسطو وقيم العدل والحق والخير والجمال التي لا بد أن نصوصها مرّت أمام هذا الأستاذ الذي اتخذ قراره بقمع الطالبة، وربما يكون قد وقع بصره على نصٍ لأفلاطون يقول فيه "على المرء ألا يسكن مدينة لا يكون بها ملك عادل، ووزير عالم، وقاض عفيف، ونهر جار، وطبيب حاذق".
على أن سلوك الأستاذ مع الطالبة يعبّر عن سياق عام، انحدرت فيه الحالة الإنسانية في مصر، أصبح معها التعذيب وظيفةً وهوايةً في آن، ولعلك عاينته بنفسك كثيرًا في مواقف عديدة، مثل سخرية القاضي من بريء يقف أمامه متوسلًا السماح له بمساحة للدفاع عن نفسه، كي لا يتم إعدامه، أو توحش سجانٍ على سجينٍ يحتاج العلاج فيحرمه منه في استمتاعٍ غريبٍ حتى تفيض روحه.
تجده، كذلك، في إعادة اعتقال المعتقلين، والشطط في تكرار حبس المحبوسين، والإمعان في استحداث وسائل حرمان البشر من حرياتهم المستحقّة، وذلك كله تعبيرٌ عن أننا بصدد نظام سياسي يستشعر في داخله وضاعةً لا قاع لها وانحطاطًا بلا حدود.
أن يتم اعتقال القيادي في "الاشتراكيين الثوريين"، هيثم محمدين، وهو لا يزال في عهدة السجن أصلاً، حيث يقضي فترة المراقبة، ثم تخترع له قضية جديدة، لتبرير استمرار حبسه، هو وشقيق مؤسس حركة 6 أبريل، وسيدة انتزعت من أبنائها انتزاعًا.. وأن تصطنع قضية جديدة على عجل، قبل أن يخلع الصحافي في "الجزيرة"، محمود حسين، ملابس السجن، تنفيذًا لقرار قضائي بإخلاء سبيله، فيؤخذ مرة أخرى إلى الزنزانة، بينما أبناؤه يحتفلون خارج مبنى النيابة بخروجه، وأن تسرّب الأخبار إلى صحف النظام، فتنشر، ويتم النقل عنها أنباء استعادة السيدة علا القرضاوي وزوجها حسام خلف، القيادي في حزب الوسط، حريتهما بقرار إخلاء سبيل، ثم تعود الصحف ذاتها وتسحب الخبر، فكل هذا أيضًا دلائل على أن السلطة باتت تتلذّذ بافتراس المواطنين، حتى يمكن القول إن أحكام وقرارات السجن والحبس لم تعد تطبيقًا لصحيح القوانين، وإنما هي استجابةٌ لتلك النزعة السادية المسيطرة على عقل النظام، فصار يمارس التوحش والانتقام، لمجرد الاستمتاع برغبة الافتراس.
القضية الجديدة التي تم اختراعها لحبس هيثم محمدين، ومن معه، تأخذ عنوان "إساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي"، وهو اتهامٌ يوجهه نظام ينبغي أن يكون في قفص المحاكمة بتهمة إساءة استخدام السلطة، وقبل ذلك جريمة الاستيلاء على هذه السلطة، بوسائل غير مشروعة، تستوجب كل وسيلة منها محاكمة على حدة.
لكن، لأن المنطق غائبٌ والقانون مقتول والعدل ميت، صار كل شيء معكوسًا، فالنظام الذي يسيء استعمال البرلمان، بعد إساءة تكوين هذا البرلمان، ويُمعن في إساءة استخدام مواقع السلطة، لكي يؤجر القرار السياسي، ويبيع الكرامة الوطنية في بورصة التبعية، إقليميًا ودوليًا، كما يفرط في إهانة القوانين، وصل إلى مرحلةٍ بات معها يسيء إلى أدوات السلطة ذاتها، مثل الأجهزة الأمنية والقضائية، وحتى التعليمية، ويضعها في مواجهة عدائية مع المجتمع، يتصاعد معها، يوميًا، إحساس المواطن بالاغتراب عن المكان والزمان، الأمر الذي يُنذر بجحيم مستعر، حال اندحار هذا النظام، وهو واقعٌ ومحتومٌ لا محالة.
أضف تعليقك