وائل قنديل
لا قيمة لأي إجراء لرفع مستوى المعيشة، بينما الدم لا يزال يسيل فى الشوارع والميادين.. لا معنى لرفع المعاشات، بينما المماتات سهلة، والجنازات تدور حاملةً أكفان شبابٍ وضع بذرة للحياة الأفضل والأرقى، فحصد الموت، برصاصةٍ في الرأس، أو حفلة تعذيب في معتقل أو مركز للاحتجاز.
ما سبق، جزء من رسالة إلى الرئيس المصري المنتخب، محمد مرسي، بتاريخ 13 فبراير/ شباط 2013 تحت عنوان "رسالة إلى الرئيس: أوقف الجنازات قبل رفع المعاشات". وكانت المناسبة الإعلان عن استشهاد الشاب محمد الجندي، أحد شباب الخامس والعشرين من يناير، في واقعةٍ لا يزال الغموض يكتنفها.
مضت ست سنوات وأكثر على هذه الرسالة، حتى وصلنا الآن إلى مرحلة الحاكم القناص الذي يستثمر في جنازات الجنود والضباط الصغار، الذين يستشهدون في معركةٍ مفتوحةٍ منذ استولى الجنرال القناص على الحكم، بعد سلسلة من المذابح ضد المدنيين، قضى بها على الحياة السياسية تمامًا، وجعل من مصر الكبيرة مجرّد منفذ متنقل للاتجار في منتجات الحرب على الإرهاب الذي بات وجودُه من متطلبات بقاء تاجر الموت في السلطة، بحيث صار لا يستطيع الحياة من دون إرهاب، يبتزّ به الداخل، ويتسول به من الخارج.
في فاجعة استشهاد ضباط وجنود في كمين في مدينة العريش فجر يوم العيد، يتجدّد السؤال الذي يبحث عن إجاباتٍ منذ ست سنوات: ماذا يشتغل هذا الشخص المسمّى عبد الفتاح السيسي في مصر والمنطقة؟
الشاهد أنه حبس مصر كلها في قمقم الخوف والفقر والاستبداد، بزعم أنه يحميها من الإرهاب، ويتطاول في طغيانه على الجميع، بذريعة أنه يحارب الإرهاب، ومن ثم فالقتل تعذيبًا، والإعدام بالجملة، من دون محاكماتٍ حقيقية، والتوسع في الاعتقالات وأحكام الحبس، والتفريط في الأرض، والتبعية للعدو المحتل، وشفط موارد البلاد لعسكرة كل شيء، من الاقتصاد والسياسة إلى الرياضة والدراما والإعلام.. كل ذلك صار مبررًا وقدرًا محتومًا على البلاد والعباد.
والنتيجة أن الإرهاب أصبح يضرب في المكان ذاته، والمواعيد نفسها بدل المرة عشرًا، وفي كل مرة تراق دماء مجنّدين غلابة وضباط صغار، فيما تاجر الموت والإرهاب يقيم حفلاته الاستعراضية المبتذلة، فيحبس أطفالًا بعمر الزهور في الزي العسكري، ويحشو رؤوسهم بسموم الانتقام من المجهول، ويلهو بينهم بأدوات الموت ضاحكًا في فجاجة، ويحرّضهم على قيم القنص والافتراس والتوحش.
يرسل الآباء إلى الموت، ويقيم للأبناء حفلات يستعرض فيها إنسانياته الكاذبة، وقوته الزائفة في معركةٍ عنوانها الحرب على الإرهاب، وجوهرها تثبيت الجنرال الذي يتغذّى على الدم في السلطة، ومن خلفه أسراب من الطبالين والزمارين وجراثيم السوشيال الميديا تنهش كل من يجرؤ على السؤال والمساءلة، وتبتذل الحزن والأسى على ضحايا هذا التحالف الشرير بين الطغيان والإرهاب، الذين يسقطون كل يوم، لا فرق بين مدني وعسكري.
والحاصل أن الذين يموتون في الأكمنة هم أبناؤنا وأخوتنا، مثل الذين يموتون في الزنازين وأقبية التعذيب، من أهالينا ودمنا ولحمنا. نحزن عليهم ونتألم لموتهم غدرًا وغيلة، في لعبةٍ قذرة بين إرهابين، إرهاب في قصر الحكم وآخر في كهوف الجبال.
يحاولون إرهابك وابتزازك باتهامك بالشماتة إن طرحت الأسئلة، وأشرت بإصبعٍ إلى المسؤول عن إراقة دمائنا، فقل لهم إن شخصًا لم يهتزّ له رمش، بينما مقتلة جماعية كانت تحصد أرواح مئات المصريين في ميداني رابعة العدوية والنهضة، واستمرت تقتل وتسفك الدماء في سيناء، لا يمكن أن يتأثر على الإطلاق باستشهاد جنود وضباط شباب في حربٍ مجنونة، اصطنعها عبد الفتاح السيسي لضمان بقائه في الحكم، ومحاولة غسل يديه من جرائمه الموثقة ضد الإنسانية.
أضف تعليقك