بقلم: خليل العناني
لم نكن بحاجة لذكاء شديد، كي نعرف أن عسكر السودان سوف ينقلبون على الثورة وشبابها، وأنهم سوف ينقضّون عليها، حين تحين لهم الفرصة.
لم يكن السؤال ما إذا كانوا سيفضّون اعتصام القيادة العامة بالقوة، وإنما متى سوف يحدث ذلك، فجميع المؤشرات التي سبقت فض الاعتصام كانت واضحة، وجميعها تسير في اتجاه الانقلاب على الثورة، وتصفيتها، ونقض أي تعهداتٍ قد تؤدي إلى تسليم السلطة إلى المدنيين.
لذلك بدا الأمر مفاجئاً، حين تم الإعلان عن اتفاق تقسيم السلطة الذي توصل إليه المجلس العسكري الانتقالي مع ممثلي قوى إعلان الحرية والتغيير، منتصف مايو/ أيار الماضي. وذلك على الرغم من الخلافات وعدم الثقة التي سادت بين الطرفين في البداية.
وكان يبدو أن هذا الاتفاق لن يرضي مراكز الثورة المضادة في مصر والسعودية والإمارات. كما بدا أنه لم يحصل على موافقة كل أعضاء المجلس، خصوصا نائب رئيس المجلس، الفريق محمد حمدان (حميدتي)، والذي يبدو أنه لم يكن من المرتاحين للاتفاق، لذا فقد سعى إلى إجهاضه بكل الطرق.
ومن يتابع تحركات حميدتي، داخلياً وخارجياً، طوال الأسابيع الماضية، سوف يعرف بسهولة أنه الطرف الذي يسعى إلى تخريب الاتفاق بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير، والتحريض على الثورة والثوار، وصولاً إلى جريمة فض اعتصام القيادة العامة بالقوة والذخيرة الحية التي تسببت في مقتل وإصابة العشرات صباح الثالث من شهر يونيو/ حزيران الجاري.
كان حميدتي يقرأ حرفياً من كتاب الثورة المضادة، ويطبّق خطواتها بحذافيرها من دون إبداع، مستعيناً في ذلك بدعم قادتها ومموليها الإقليميين، ومستحضراً السيناريو المصري بعد انقلاب "3 يوليو" في 2013.
بدأ حميدتي التحضير لدوره الجديد في الساحة السودانية قبل شهور قليلة من إطاحة عمر البشير، وحاول التلاعب بمشاعر الثوار، حين ادّعى أنه رفض الاستجابة لطلب البشير بإطلاق النار على المتظاهرين. وقد انطلت حيلته على كثيرين من الثوار الذين وثقوا به، واعتبروه حامياً للثورة، ومتضامناً معهم ومع مطالبهم ضد البشير. وعلى الرغم من أن تاريخه الدموي في قمع التمرد في دارفور من خلال مليشيات الجنجويد التي شكلها، ثم تحولت إلى قوات " الدعم السريع"، فضلاً عن كونه مجرم حرب حسب المحكمة الجنائية الدولية، إلا أن حميدتي نجح في فرض نفسه أحد الأعضاء المهمين والبارزين في المجلس العسكري الانتقالي، بل وأقواهم وأكثرهم تأثيراً ونفوذاً.
وعلى مدار الشهرين الماضيين، سعى حميدتي إلى ملء الفراغ الذي تركته إطاحة البشير في 11 إبريل/ نيسان الماضي. وقد بدأ في تقمص شخصية رئيسه السابق، سواء بتبنّيه خطاباً شعبوياً، ناعماً أحياناً وحاسماً أحياناً أخرى، أو بتقوية علاقته بالقبائل والشبكات الاجتماعية القديمة التي كان يستثمر فيها نظام البشير.
كذلك مارس حميدتي التحريض على الثورة والثوار، من خلال تشويه صورتهم، واعتبارهم دعاة فوضى. وحاول استخدام السلفيين ضدهم بتحريضهم على الخروج للتظاهر ضد المعتصمين في ساحة القيادة العامة، قبل أن يدّعي أنه أقنعهم بإلغاء تظاهرتهم.
وقد سبقت فض اعتصام القيادة العامة محاولات لتلميع صورة حميدتي رئيسا محتملا للبلاد من خلال تسيير مظاهرات لدعمه، على غرار ما فعل عبد الفتاح السيسي في مصر بعد انقلاب "3 يوليو".
وكانت نقطة التحول حين قام حميدتي بجولته الخارجية، فزار الرياض، والتقى فيها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وهو اللقاء الذي عاد منه أكثر ثقة وإصراراً على ارتكاب حماقة فض اعتصام القيادة العامة.
ولم يكن له ليفعل ذلك، لولا حصوله على تطمينات من حلفائه الإقليميين بأن الأمر سوف يمر، ولن يحاسبه أحد. وذلك كما فعلوا من قبل في انقلاب مصر، وما تبعه من مذابح ومجازر راح ضحيتها المئات، خصوصا في مذبحة ميدان رابعة العدوية التي قتل فيها حوالي 800 شخص منتصف شهر أغسطس/ آب عام 2013، بل ولربما تم وعده بتوفير الدعم الدولي له، بعد أن يتخلص من الثورة السودانية.
ولذلك لم يكن غريباً أن تفض مليشيات الدعم السريع التي يديرها اعتصام القيادة العامة بالقوة، وتقتل عشرات الثوار، أياما قليلة من عودته من زيارته الرياض.
لن يقبل حميدتي وجود شريك له في السلطة، ولن يسمح للثورة السودانية بأن تستكمل مطالبها، حتى وإن تطلّب الأمر سفك المزيد من الدماء، فهو متمرّس في الخديعة والقتل، ولا عزاء للسودان وأهله.
أضف تعليقك