تحمل وفاة الرئيس المصري الوحيد المنتخب، محمد مرسي، رسائل كثيرة يجب الالتفات إليها، والحرص على الاستفادة منها، حتى لا يذهب موت الرجل سدى. الرئيس الشرعي الحقيقي، في تاريخ مصر الحديث، لم تقتله السكتة القلبية أو أي عارض صحي طارئ، ما قتله هو الحكم العسكري وظلمه الذي طاول، ولا يزال، مئات آلاف المصريين الذين ينتظرون أيضاً مصيراً مشابهاً، وخصوصاً في ظل أحكام عرفية جائرة، ومحاكمات صورية، وتهم معلبة لا تمت إلى الواقع بصلة. يختصر مرسي هذه الحالة المصرية التي يحكمها طاغية، ويسير في هديها طغاة صغار، مدعومون من دكتاتوريين كبار قابعين خصوصاً في السعودية والإمارات.
محمد مرسي هو حالة كل مصري ينتظر اليوم في طابور طويل، يقوده إلى مقصلة الرأي الآخر الذي لا يعترف به عبد الفتاح السيسي ورعاته، فكل صوتٍ لا يتواءم مع صوت القطيع الذي تريده الأجهزة سيكون مصيره السجن والحرمان من لقاء أهاليهم والمحامين، وقطع الحد الأدنى من الرعاية الصحية عنهم، تماماً كما حدث مع محمد مرسي الذي سقط مغشياً عليه في قاعة المحكمة، قبل أن يفارق الحياة، بفعل حرمانه من أدويته ومراجعته لأطبائه.
لم يمت محمد مرسي بأسباب طبيعية، كما يريدون ترويجه، وهو ما سيركزون عليه في الأيام المقبلة. محمد مرسي قُتل عن سابق تصوّر وتصميم، ليس لمجرد شخصه، بل حتى للرمز الذي يمثله، باعتباره أول رئيس منتخب من الشعب مباشرة وبعملية ديمقراطية حقيقية، لا يمكن الجدال حولها. هذه الحالة هي ما يريد العسكر وعرّابوه قتلها. الفكرة الأساس هي إعدام مفهوم التعدّد والحرية والديمقراطية، والتي ربما لا يمثلها الراحل بشكل كامل، لكن آلية وصوله إلى السلطة كانت أساسيةً في ترسيخ مفهوم التحول الديمقراطي الطبيعي الذي يُفترض أن يكون قائماً في كل بلد.
مقتل محمد مرسي، وهو قتل حقيقي وليس وفاة، محاولة للقضاء على فكرة إمكان وجود حالة مدنية طبيعية في محيطٍ يحكمه العسكر، ويريدون الاستمرار فيه، حكم يدعمه ماء ملوثٌ يرغب في بقاء الأمة العربية ضمن مفهوم واحد، تديره طغمة عسكرية ظالمة. قتل محمد مرسي هو قتل لفكرة الحكم الديمقراطي المنبثق من قرار شعبي. لكن هذه الجريمة لن تؤدي غرضها، فهم لم يقتلوا مرسي، ولن يقتلوا الفكرة التي يمثلها، سيُشبَّه لهم ذلك، فقتل محمد مرسي سيعيد الوعي إلى الذين غرر بهم التحذير من الحكم الإسلامي، على الرغم من أن فكرة وجود مرسي في الحكم لم تكن مرتبطة بالحكم الإسلامي، بقدر ما هي مرتبطة بالقرار الشعبي الذي كان يمكن أن يبدل حكم الإخوان المسلمين عبر صندوق الاقتراع، من دون الحاجة إلى إعادة ترسيخ حكم عسكري لا يمكن تبديله.
قتل محمد مرسي يراد به القضاء على هذه الفكرة، ولكن سيكون له مفعولٌ عكسي، بدأنا نراه على ساحات التواصل الاجتماعي، فكما مثّل وصوله بداية مسار ديمقراطي لم تعشه مصر في تاريخها، ها هو موته سيؤجّج ثورة جديدة على حكم عسكري ظالم، يضع جميع المصريين في دائرة الشبهات. محمد مرسي ووصوله إلى السلطة فكرة، والفكرة لا يمكن أن تموت، وهم لم يقتلوه، ولكن شبّه لهم، ومسار التاريخ سيثبت ذلك.
أضف تعليقك