• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

خلال عام واحد فقط، أصدر الرئيس الشهيد محمد مرسي، قرارات ومواقف مؤثرة لمصلحة تحقيق أهداف ثورة 25 يناير 2011، وهي القرارات التي ربما تكون السبب الرئيس لسرعة انقلاب الجيش عليه لإنهاء تجربة الرئيس المدني المنتخب الأول في تاريخ مصر.

تسلّم الرئيس مرسي الحكم في 30 يونيو 2012، وهو مجردٌ من بعض سلطاته الأصيلة التي انتخبه الشعب ليباشر مسئوليته عنها، أبرزها سلطة التشريع، وذلك بسبب تطبيق الإعلان الدستوري الذي أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة حسين طنطاوي وعضوية قادة الجيش (ومن بينهم مدير المخابرات الحربية عبد الفتاح السيسي) في 17 يونيو، أي قبل إعلان فوز الدكتور مرسي على منافسه أحمد شفيق بساعات معدودة.

وكان الإعلان الدستوري، الذي كان يوصف إعلامياً بـ"المكمل" من وجهة نظر السلطة، و"المكبل" من وجهة نظر المعارضة الثورية، قد صدر بحجة ضرورة ملء الفراغ المؤسسي الذي تسبب فيه حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في 14 يونيو بحل مجلس الشعب المنتخب بحجة بطلان انتخاب الثلث الفردي وعدم المساواة بين المرشحين المستقلين والحزبيين، وبدت الفرصة سانحة للمجلس العسكري ليوجد لنفسه مكانة خاصة، ويضمن بقاءه في السلطة لفترة أطول، ويصبح رقيباً على ممارسات الرئيس الجديد الذي كانت المؤشرات تؤكد أنه سيكون مرسي، لا شفيق.

وقرر المجلس العسكري، في إعلانه "المكبل"، تحصين نفسه دستورياً، ومنح نفسه سلطة تكوين جمعية تأسيسية جديدة للدستور، فضلاً عن منح رئيس المجلس من بين بعض المسئولين، كرئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء والمجلس الأعلى للهيئات القضائية، أو خمس عدد أعضاء الجمعية التأسيسية، حق مراجعة النصوص الدستورية التي تضعها الجمعية التأسيسية في مشروع الدستور.

ورفض المجلس العسكري آنذاك التصديق على قانون معايير تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور، الذي كان قد أقره مجلس الشعب المنتخب قبل حلّه، ما عكس رغبة العسكر في الالتفاف على إرادة نواب الأمة، وتشكيل جمعية تأسيسية جديدة، بالمخالفة للإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس 2011، ولاستفتاء الشعب الذي أجري في 19 مارس 2011.

"قبلة الحياة" للبرلمان

وهنا اتخذ الرئيس مرسي أول مواقفه الثورية كرئيس للجمهورية، فأصدر بعد توليه الرئاسة بأسبوع واحد، قراراً جمهورياً بإعادة مجلس الشعب للانعقاد، وكان يعرف وقتها أن المحكمة الدستورية أو مجلس الدولة سوف يلغيان هذا القرار، باعتبار أن حكم حل البرلمان نافذ ولا تجوز مخالفته، لكن مرسي أصر على اتخاذ هذه الخطوة الخطيرة وتحمل مسئولياتها للنهاية، فمكّن مجلس الشعب من الانعقاد مباشرةً، لإصدار قانون معايير تشكيل الجمعية التأسيسية الذي كان قد أقره سلفاً ورفض المجلس العسكري التصديق عليه، ثم أقدم مرسي على مخالفة توجهات طنطاوي ومساعديه صراحة، بأن أصدر بمفرده باعتباره رئيس الجمهورية هذا القانون رقم 79 لسنة 2012، ليعطي قبلة الحياة للجمعية التأسيسية.

واستطاعت الجمعية التأسيسية بواسطة القرار والقانون اللذين أصدرهما مرسي آنذاك، استكمال عملها حتى إصدار دستور 2012، الذي مثّل نقلة واسعة في مجال الحقوق والحريات العامة والخاصة وضمان تداول السلطة والفصل بين السلطات، بعدما كانت مصر على شفا تشكيل جمعية تأسيسية معينة بالكامل بإرادة المجلس العسكري وحده.

تقصي الحقائق بوقائع الثورة

وتزامنا مع رغبته في إحداث إصلاح سياسي يلبي أهداف الثورة، اتخذ مرسي موقفا ثانيا مهما بتشكيل لجنة لجمع المعلومات والأدلة وإعادة تقصي الحقائق في وقائع قتل المتظاهرين، وأصدر قرارا آخر بتشكيل لجنة لحماية الحرية الشخصية بمراجعة قرارات الحبس وأحكام السجن العسكرية الصادرة ضد النشطاء السياسيين والمواطنين الآخرين في حوادث الثورة، انتهت بإصداره قانوناً بالعفو العام عن المئات منهم.

إلغاء الإعلان الدستوري "المكبل"

الموقف الثوري الثالث للرئيس مرسي هو إصدار الإعلان الدستوري في 11 أغسطس 2012 بإلغاء الإعلان "المكبل" نهائياً، ورد السلطة التشريعية لرئيس الجمهورية وحده، وبالتالي إلغاء الدور السياسي للمجلس العسكري، مع نقل سلطة تشكيل جمعية تأسيسية بديلة لأي سبب إلى رئيس الجمهورية المنتخب، بحيث يشكل الجمعية البديلة بعد التشاور مع القوى الوطنية، بحسب نص المادة الثالثة من الإعلان الجديد.

الإطاحة بطنطاوي وعنان

والموقف الرابع مرتبط بسابقه، وربما يكون هو القشة التي قصمت ظهر البعير، وجعلت قادة المجلس العسكري، وعلى رأسهم طنطاوي والسيسي، يتأكدون من استحالة التعاون مستقبلاً مع الرئيس مرسي، وهو قرار الإطاحة بطنطاوي من وزارة الدفاع، وبرئيس الأركان سامي عنان، حيث ارتأى مرسي ومستشاروه أن الضابطين الكبيرين فقدا شعبيتهما في الشارع، ومن السهل إبعادهما، خاصة بعد حادث مجزرة رفح الإرهابي، الذي وقع في 5 أغسطس من ذلك العام.

لكن هذا القرار، بما يهدف إليه من تجديد دماء الجيش وتحييده لصالح الثورة، انطوى على خطأ جسيم في اختيار خليفة طنطاوي، متمثلاً في السيسي، فلم يكن الرئيس مرسي يدرك عمق الصلة بين الضابطين، وكانوا يعتقدون أن الخطر الأكبر على الثورة مصدره عنان الذي كان يرى أنه الأجدر بالوزارة وقيادة الجيش، ويحاول التواصل مع جهات أجنبية لتحقيق هذه الرغبة.

إصدار الإعلان الدستوري الجديد

وفي نوفمبر 2012، اتخذ الرئيس مرسي موقفه الثوري الخامس، وهو إصدار الإعلان الدستوري الجديد، الذي رغم ما انتابه من شبهات استئثار بالسلطة، إلا أنه كان يتمحور حول تحقيق أهداف الثورة، بإعادة التحقيقات والمحاكمات للمتهمين في القضايا الخاصة بفترة الثورة الشعبية على نظام مبارك والمجلس العسكري، وإقالة النائب العام عبد المجيد محمود الذي ينتمي لنظام مبارك، والذي كان الثوار يحملونه مسئولية تأخر محاسبة رموز ذلك النظام، إلى جانب تحصين مجلس الشورى والجمعية التأسيسية ضد محاولات حلّهما بواسطة القضاء، وتمديد فترة الجمعية التأسيسية شهرين لإنهاء إعداد الدستور.

قانون "حماية الثورة"

والموقف الثوري السادس لمرسي، والذي يكاد يكون أهم ما أنجزه في رئاسته لمصر، رغم عدم تطبيقه أبداً، هو إصداره القانون 96 لسنة 2012، المسمى "حماية الثورة"، بالتزامن مع الإعلان الدستوري الأخير، ونصّ هذا القانون على إعادة التحقيقات في جرائم قتل وشروع في قتل وإصابة المتظاهرين والاعتداء بالقوة والعنف والتهديد والترويع على الحريات الشخصية للمواطنين وغيرها من الحريات والحقوق العامة، والمرتكبة بواسطة كل من تولى منصباً سياسياً أو تنفيذياً في ظل نظام حسني مبارك، على أن تكون من بينها جرائم قتل وإصابة شهداء ثورة يناير، وأن تعاد جميع المحاكمات في تلك الجرائم حال ظهور أدلة جديدة أمام دوائر خاصة بمحاكم الجنايات.

وكان مما نشأ بناء على هذا القانون، نيابة حماية الثورة التي جمعت نخبة من أعضاء النيابة العامة والقضاة الشبان، كانت ستختص بالتحقيق في نتائج تقرير لجنة تقصي الحقائق، لكنها عملت لأقل من ستة أشهر، وتمّ إلغاؤها وتوزيع أعضائها بعد انقلاب يوليو 2013.

معاشات لشهداء ومصابي الثورة

ويمكن اعتبار قرار الرئيس مرسي بشأن معاشات شهداء ومصابي الثورة الصادرة في نوفمبر 2012 أيضاً، سابع مواقفه الثورية البارزة، حيث كان الأول من نوعه الذي يحدد الأحداث والوقائع التي يعتبر ضحاياها شهداء ومصابين للثورة، وهي أحداث ثورة 25 يناير وأحداث ماسبيرو وشارع محمد محمود وأمام مجلس الوزراء والأحداث والأماكن التي أقرها المجلس القومي لرعاية أسر الشهداء والمصابين، بحيث يتم منح المصابين بشلل نصفي أو عجز كلي أو غير القادر على العمل أو المصاب الذي تجاوز سن الـ55 عاماً، معاشاً استثنائياً مساوياً للمعاش الممنوح للشهيد، مع منح كل من أصيب بعجز جزئي خلال تلك الأحداث، ولم يكن قد تسلم وظيفة أو عملاً أو مشروعاً صغيراً معاشاً استثنائياً بحسب نسبة عجزه منسوباً إلى المعاش الممنوح للشهيد.

"تحجيم" الدولة العميقة

والموقف الثامن لمرسي يتضمن قرارات عدة حاول من خلالها انتزاع الأجهزة الأمنية والرقابية من براثن الدولة العميقة والاعتماد على شخصيات غير ملوثة ومحترمة مجتمعياً، ولبعضها تاريخ مهني محترم.

ففي أغسطس 2012، عيّن مرسي اللواء محمد رأفت شحاتة مديراً للمخابرات العامة، وقد كان مسئولاً قبلها عن التعامل مع الملف الفلسطيني الصهيوني ومشرفاً على الوساطة المصرية بين الطرفين، وفي سبتمبر من العام ذاته، عيّن رمز تيار الاستقلال القضائي المستشار هشام جنينة رئيساً للجهاز المركزي للمحاسبات، وأعطاه الضوء الأخضر لتفعيل دور الجهاز الرقابي على جميع مؤسسات الدولة دون استثناء وكشف مواطن الفساد.

غزة... وإنهاء العدوان

أما الموقف التاسع فكان له بعد إقليمي، ويتمثل في الدور الذي قام به الرئيس مرسي سريعا وبفاعلية لإنهاء العدوان الصهيوني على غزة في نوفمبر 2012، منهياً عملية "عامود السحاب" التي استغرقت ثمانية أيام، والتي بدأت بقتل أحمد الجعبري، رئيس أركان كتائب القسام الجناح العسكري لحركة "حماس".

واعتبر المراقبون أن الرئيس مرسي نجح في إدارة الأزمة لصالح الفلسطينيين، وفي إطار خطة أعلن عنها عقب توليه السلطة لـ"تخفيف العبء عن الفلسطينيين وتحسين أحوالهم المعيشية"، وربما يكون هو الرئيس المصري الوحيد الذي ألقى خطاباً من أجل غزة، عندما قال تعليقاً على العدوان الصهيوني: "لن نترك غزة وحدها، ونقول للمعتدي إن هذه الدماء ستكون لعنة عليكم"، ووجه رئيس وزرائه هشام قنديل بالتوجه إلى غزة، وأمر بفتح المعابر بصورة مستمرة.

دعم الثورات والانتقال الديمقراطي

وعاشر مواقف الرئيس مرسي التي عبرت عن اختلافه عمن قبله ومن بعده من رؤساء مصر، كان موقفه الثابت والمؤيد للثورات العربية والحراك نحو التداول السلمي للسلطة والانتقال السياسي الديمقراطي، فرفض التعاون مع حكومة بشار الأسد في سورية، ومنع دخول ممثليها إلى مصر، وأقام مؤتمراً لإعلان مساندته للثورة السورية.

كما أظهر الرئيس مرسي وجهاً جديداً للسياسة المصرية لدى رئاسته القمة الإسلامية الثانية عشرة بالقاهرة، واستقباله الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، بعد أشهر معدودة من زيارته إيران كأول رئيس مصري منذ قيام الجمهورية الإسلامية، ممثلاً لبلاده في قمة عدم الانحياز.

أضف تعليقك