بقلم: أحمد حمدان
لا أدري بأي الكلمات أبدأ؟ لكن الحدث جلل والمصاب عظيم، لكني وجدت البداية في كتاب الله، في قوله تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ (143) وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا ۗ وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا ۚ وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145). سورة آل عمران.
لم تكن حياة الرئيس محمد مرسي بحياة أبدية لا موت بعدها، بل حياة نهايتها الموت، وليس هذا هو المهم لكن المهم أن الدكتور مرسي كان ينتظر تلك اللحظة التي بايع عليها وظلت أقصى أمنياته، الموت في سبيل الله أسمى أمانينا، لم تكن فقط محض شعارات يتغنى بها بل كانت هدفاً ظل يسعى خلفه حتى لقي الله شهيداً لم يفرط ولم يهادن ولم يتنازل.
لم ينقص حبه لمصر بل زادته سنوات السجن شغفاً، من آخر ما قيل عنه في محاكمة اليوم عندما طلب الكلمة قبل أن يلقى الله شهيداً كانت كلمات معبرة عن كل معاني الحب للبلاد التي علاها الباطل وساد الظلم فيها، فكان يقول:
بلادي وإن جارت عليّ عزيزة .. وأهلي وإن ضنوا عليّ كرام
بلادي وإن هانت عليّ عزيزة .. ولو أنني أعرى بها وأجوع
عالم ظالم لا يعترف بالحقوق إلا إذا كانت له ولا يؤمن بها إلا لمصلحته، وهذه نهايتها. أجلس فأتابع الأخبار فأجد من كانوا يعارضونه يبكون اليوم عليه فلا أدري أندماً أم تمثيلاً يفعلون؟
إن الرئيس مرسي لم يكن يشغله سوى قضية الحرية التي أفنى حياته في سبيلها، باع الشهرة والمجد في أميركا التي يحلم الكثير بالذهاب إليها، لكنه عاد ليبني وترك لينفع بلاده بما استفاد من تجربة، أذكر يوم فوزه بالانتخابات عام 2012 حلم لم نكن نصدقه انتظرناه طويلاً ثم تحقق، لكن كانت أيادي الغدر والخيانة.
قتلوه قتلهم الله يوم تدخلت السعودية والإمارات بالمليارات لتخريب الثورة بأموالهما التي جنتاها من دعارتهما السياسية، لتفسدا بها كل ربيع فتحولانه إلى خريف، سيأتي على بلادهما بالنكال والخسران، وما ذلك على الله بعزيز.
إن مرسي لم يعد شخصاً نبكيه، بل صار رمزاً يشعل الثورة من جديد، مرسي المناضل الذي دفع حياته ثمناً لحرية شعب خرج للرقص يوم قتل مؤيديه، لم يعد مرسي لأهل مصر فقط بل صار رمزاً لكل حرّ في العالم، رمزاً للمدافعين عن الحرية في كل بقعة من الأرض في الماضي والحاضر.
إن مرسي الذي تربى في مدرسة الإخوان المسلمين لن تكون له نهاية أشرف من أن يموت مجاهداً، لكن ليعلم الجميع أن قاتليه باتت أيامهم معدودة طال الزمان أم قصر فلا يظن القاتل أن التخلص من أعدائه سيثبت ملكه؛ بل هي النهاية قد اقتربت منه. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
لم يكن موت الرئيس مرسي مفاجأة، بقدر ما كان متوقعاً في كل لحظة، لكن فاجعتنا كانت صدمة الفراق والتوقيت والأمل الذي عقدناه على هذا الرجل، فكنا نظن فرجاً قريباً به عما قريب لكن كانت مشيئة الله غالبة فلا مرد لحكمه وهو سريع الحساب.
إن ما يفعله نظام السيسي من تعمد القتل خارج القانون أو بالإهمال الطبي في السجون لجريمة لا يقبلها أي حر في العالم، لكننا وجدنا ذلك الصمت والبكم الذي أصاب الجميع في كل أنحاء العالم.
عالم ظالم لا يعترف بالحقوق إلا إذا كانت له ولا يؤمن بها إلا لمصلحته، وهذه نهايتها. أجلس فأتابع الأخبار فأجد من كانوا يعارضونه يبكون اليوم عليه فلا أدري أندماً أم تمثيلاً يفعلون؟
وجدت أعظم الكلمات التي عبرت بشكل كبير عن الموقف ما يحكيه الدكتور خالد حمدي عن شخصية ممن عاصروا الإمام حسن البنا فيقول سألت أحد من عاصروا الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله:
كيف كان وقع خبر استشهاد الإمام البنا عليكم يومئذ؟!
فقال: كنا على يقين أن مثله لن يموت إلا ميتة تليق به!! كذلك كان ظني بميتة مثلك يا سيدي الرئيس.. كنت أوقن أن أسداً مثلك.. وطوداً شامخاً مثلك لن يموت على فراشه رغم ما كنا نأمله من فك أسرك، واستكمالك مسيرة عدلك..
إن كان مرسي قد قتلوه فإن وراءه من يؤمنون بفكرته والفكرة باقية والأشخاص إلى زوال، فما جماعة الإخوان المسلمين إلا فكرة بدأها مؤسسها الأول الشهيد حسن البنا وقد اغتالوه وتعمدوا ألا يسعفوه حتى لفظ آخر أنفاسه فمات البنا وبقيت فكرته ويموت مرسي ويبقى حلم الحرية باقياً يشغلنا مهما بعدنا بالمسافة، فلا بد لنا من عودة واستكمال للمسيرة ويومها نستطيع أن نقف بشموخ وعز نتلقى العزاء في شهداء ثورتنا الذين قتلهم السيسي منذ انقلابه في الثالث من يوليو عام 2013 على أول رئيس مصري مدني منتخب انتخاباً صحيحاً نزيهاً.
موت فتح الجرح من جديد فجدد الحزن كيوم رابعة والنهضة، كيوم الحرس الجمهوري، كيوم مسجد الفتح، فتح الجراح من جديد، سالت الدموع، بكينا من حزن على بلد نسعى فيه للخير لننفعهم ويسعون للشر ويقتلوننا.
يموت مرسي ولا أدري أمن حسن الخاتمة أن يلقى الله في نفس اليوم الذي دخل فيه القتلة على عثمان بن عفان رضي الله عنه فقتلوه أم أنها من المصادفات؟ لكني أرى ترابطاً يدفع بالتدقيق أن سيدنا عثمان رضي الله عنه قد قتل، وأن مرسي أيضاً قد قتل.
فعلى مثله فلتبك البواكي، فلتبكوا كالنساء على رئيس لن يأتي الزمان بمثله. لا أملك إلا أن أقول حسبنا الله ونعم الوكيل، نحتسب الرئيس المصري محمد مرسي شهيداً عند الله. وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
أضف تعليقك