بقلم: عز الدين الكومي
منذ مبادرة السلام العربية، التى قدمها الملك "عبدالله بن عبدالعزيز"، التي أقرها مؤتمر القمة العربي الرابع عشر الذي عقد فى بيروت بتاريخ 28 مارس2002م، والتى دعا فيها الملك "عبد الله" خلال مبادرته، إلى انسحاب "دولة الكيان الصهيوني" من جميع الأراضي العربية التى احتلت عام 1967، وتنفيذًا لقراري مجلس الأمن "رقم 242 و338"، و قرارات مؤتمر "مدريد" عام 1991م، ومبدأ "الأرض مقابل السلام"، وقبولها بقيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، عاصمتها القدس الشرقية.
وذلك فى مقابل قيام الدول العربية، بإنشاء علاقات طبيعية في إطار سلام شامل مع دولة الكيان الصهيونى، وانطلاقا من اقتناع الدول العربية بأن الحل العسكري للنزاع لم يحقق السلام والأمن لأي من الأطراف.
والشيء بالشيء يذكر، فبعد أن صافح "أبوعمار" "إسحاق رابين" الإرهابي الصهيوني، من أجل سلام الشجعان، كما كان يحلو للأخ "أبوعمار" أن ينعته، فيحصل الفلسطينيون على الكرامة والاستقلال الذاتي، في حين يحصل الصهاينة على الاعتراف والأمن.
وبعد هذا اللقاء فاز "أبو عمار" "ورابين" و"بيريز" بجائزة نوبل للسلام سنة 1994، عاد "أبو عمار" إلى "قطاع غزة" بعد مؤتمر "أوسلو" ليبشر ويعد الفلسطينيين بتحويل "غزة" إلى “سنغافورة الشرق الأوسط”.
وها هى بلاد العم "سام"، تعيد الكرة، لكن بمفهوم اقتصادى بحت، ليفصح لنا المعلم "ترامب" مع صهره الصهيوني "كوشنر" عن ملامح "صفقة القرن" الاقتصادية، فى العاصمة البحرينية "المنامة"، وهى عبارة عن ضخ مبلغ50 مليار دولار في الأراضي الفلسطينية والدول العربية المجاورة لها.
وبأن تضمن الصفقة إنشاء صندوق استثمار عالمي لدعم اقتصاديات الفلسطينيين والدول العربية المجاورة، ولعل سائلا يسأل: ما جدوى هذا المؤتمر الاقتصادى، وكيف يمكنه حل نزاع سياسى طويل الأمد؟!!
ولعل الإجابة عن هذا التساؤل تكمن فى أن المعلم "ترامب" أيقن بأن الحل الاقتصادى هو الوسيلة الوحيدة لإلهاء العرب، بناء على تعليمات الفتى المدلل "نتنياهو"، الذى يرفض أى حل سياسى مهما كان، فكان اللجوء إلى فكرة المؤتمر الاقتصادي!.
فراح المعلم "ترامب" يروج لفكرة أن المؤتمر يهدف لتحقيق الازدهار الاقتصادي، وتقديم مشاريع تنموية للفلسطينيين، كمقدمة لتحقيق سلام شامل مع الصهاينة، وإنهاء الصراع العربى الصهيونى!.
لكن الحقيقة غير ذلك، وأن القصد الذى ترمى إليه "صفقة القرن" هو إنهاء ملف القضية الفلسطينية، مقابل منح الفلسطينيين حفنة من الدولارات العربية، التى يدفعها مشايخ الخليج لتحسين ظروف الفلسطينيين المعيشية.
وهو ما يمكن أن نطلق عليه توهما "الأرض مقابل المال"، كما روجنا من قبل لأكذوبة "الأرض مقابل السلام"، وهو ما يعنى منح أراضي الفلسطينيين للصهاينة بلا مقابل، وإن كان المقابل أموالا عربية تدفعها دول الخليج على هيئة مشاريع استثمارية وبنى تحتية وفرص عمل لتنسى الفلسطينيين أرضهم وحقوقهم المشروعة.
ولو عدنا بالذاكرة إلى الوراء، لوجدنا أن فضيحة "أوسلو" صاحبها الكثير من الدعاية الضخمة للإعمار والرخاء والتنمية، مما جعل الأخ "أبو عمار" يتوهم بأن غزة ستكون سنغافورة الشرق الأوسط!.
ولكن بعد عقدين من الزمان، ها هي غزة محاصرة من قبل الصهاينة الأصليين وصهاينة العرب، فى ظل صمت عربى ودولي، خاصة بعد فوز حماس باستحقاق انتخابي ديمقراطي، بعد أن فشل عميلهم "دحلان" فى القضاء على "حماس" ، وتم طرده من غزة، بعدما تعهد لأسياده الصهاينة بإفناء حماس فى أقل من شهر!.
وإلى الحالمين بسنغافورة الشرق الأوسط، ما فائدة سنغافورة منزوعة الدسم؟ يستطيع ترامب أن يحولها إلى "هايتى"، بتغريدة واحدة من تغريداته المجنونة!.
ولمن لا يعرف الصهاينة، فعليه أن يرجع إلى تاريخ بني إسرائيل الذين فاوضوا "موسى" كليم الله– عليه السلام – على بقرة، ترى هل سيحترمون عهدا أو اتفاقا، سواء كان "الأرض مقابل المال" أو "الأرض مقابل السلام" الذي لم يحترموه من قبل؟!.
فدولة الكيان الصهيونى دولة توسعية، ولا تعترف إلا بمبدأ "إن ملكك يا إسرائيل من النيل إلى الفرات"، دولة لديها مشروع تريد تسويقه، من خلال صهاينة العرب، وإدارة ترامب، أما ما يقوم به العرابون فى ملاهى السياسة العربية، اللاهثون خلف سراب السلام، فهم يسبحون فى بحار الوهم والخيبة والعار!.
فالكيان الصهيونى لا يقبل بديلاً عن ابتلاع كل فلسطين، فلا يمكن أن يترك غزة للواهمين لتكون سنغافورة أو هونغ كونغ، ومؤتمر البحرين ما هو إلا أوسلو جديدة، وخدعة أخرى، وأحد ألعيب "شيحة" لتسويق التنازل عن فلسطين طواعية، مقابل أموال خليجية، وفى النهاية لا أرض ولا مال! علينا أن نفهم حقيقة هذه الاتفاقيات الموهومة، والقصد منها ليس سوى إنهاء القضية الفلسطينية والرضا بالأمر الواقع، وبث بذور الشقاق والخلافات بين العرب والمسلمين، لتحقيق أطماع الصهاينة، المعلنة والخفية. لكن هيهات هيهات طالما بقى أصحاب الأيادى المتوضئة، رجالاً ونساءً، من الذين تتوق نفوسهم للصلاة فى المسجد الأقصى، يا سادة: فلسطين أخذت بالقوة فمن ظن أن عودتها يكون بالمؤتمرات والتنازلات فهو واهم!.
في القدس قد نطق الحجر .. لا مؤتمر.. لا مؤتمر.. أنا لا أريد سوى عمر..
القدس أرض الأنبياء
والقدس حلم الشعراء
والقدس خبز وقمر
ولى زمان الخوف أثمر في مساجدنا الشرر
في فتية (الأنفال) و (الشورى) و (لقمان)
وحفاظ الزمر.
أضف تعليقك