بقلم: عزة مختار
قليلون الرجال الذين يحددون مسار حياتهم بدقة بين الأخطار، ويتوقعون موتهم، بل ويحددون معالم حياتهم، ويضعون شروطها مسبقا.
ست سنوات مضت على اللقاء الأخير للرئيس الشهيد، محمد مرسي، والذي ألقى فيه الوصايا الأخيرة على شعبه قبيل اللحظات الأخيرة لإعلان الانقلاب الدموي في البلاد، إذ حذّر الرئيس الشهيد شعبه من التهاون مع من يريدون اختطاف الثورة والقضاء عليها، حذّر من مغبة التضحية بالجيش، ومحاولة تفكيكه، أو العبث به، أو تفريغه من مهامه في حفظ حدود البلاد، حذر من الاختلاف والشقاق والانقسام، حذر من التهاون أو التفريط في الشرعية، شرعية الثورة، لا شرعية الشخص، وأنها لو كان ثمن من حياة، فحياته هو شخصيا ثمنا لها، فعاجلوه بالاغتيال، حين تركوه في غيبوبة عشرين دقيقة من دون أن يقدموا إسعافات لازمة لإنقاذه، وما زالت أسرار الجريمة لم تظهر.
ست سنوات، والرئيس الشهيد محمد مرسي يرسل بالرسالة تلو الرسالة بأن حياته في خطر، وأن الطعام الذي يقدمونه له غير آمن، وأنه محروم من الدواء والعرض على الأطباء، حتى اليوم الأخير، اليوم الذي أعلن فيه عن الحقيبة السوداء، والأسرار التي يريد البوح بها للمحكمة، وكأنه كان يعلم بقرب النهاية، وأن عليه الآن أن يتكلم، لكن الشهيد ما كان له أن يعرض أمن بلاده للخطر حتى في أحلك اللحظات، الرجل على شفا الموت، وربما كان يشعر به يسري في جسده، فطلب الحديث والبوح، ولم ينطق الفارس بكلمةٍ تمس الأمن القومي، وتهكم منه القاضي ليسقط مرسي علي الأرض، ويُترك حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة، ويصل إلى المستشفى ميتا بالفعل كما جاء ببيانهم.
وتنشر صحيفة الأندبندنت البريطانية، في عددها يوم 19 يونيو/ حزيران الحالي، تقريرا عن ملابسات اغتيال الرئيس مرسي بالقفص الزجاجي في المحكمة، أن كل الشواهد قبل المحاكمة بأيام، وفي أثنائها، تدل على أنّ هناك إعدادا مسبقا لاغتيال الرئيس، وتركه عمدا عشرين دقيقة بعد تعرضه للإغماء والسقوط، وتجاهل القاضي ورجال الأمن استغاثات الموجودين في المحكمة لإنقاذه، ثم استدعاء سيارة الإسعاف ونقله إلى المستشفى ليموت فيها أو قبلها لا أحد يدري بعد.
لم تظهر جماعة الإخوان المسلمين الخطوات الأساسية أو الرؤية المقبلة لأي إجراءات، يمكن أن تتخذها، غير ما صرح به أمينها العام محمود حسين، من التحرك على المستوى القانوني للمطالبة بفتح باب التحقيق الدولي في قضية الاغتيال مكتملة الأركان. وحين ووجه حسين بأن الموقف الدستوري في حالة وفاة الرئيس بناءً علي مواد الدستور القديم الذي هو جزء من منظومة الشرعية، يؤول الأمر لرئيس مجلس الشعب، وهو محمد سعد الكتاتني والمعتقل حاليا، ليدير فترة انتقالية يدعو خلالها إلى انتخابات رئاسية يختار فيها الشعب رئيسه الجديد، فكان جوابه أن الدستور القديم قام العسكر بتعطيله، وأن الأمر الآن عاد إلى الشعب ليقرر ويختار من يشاء، ولست أدري إن كان ذلك الجواب تخلّيا عن الشرعية برمتها، أو عن جزء منها، أو هو من باب التورية لحماية الكتاتني، وعدم وضعه في مواجهة العسكر فيقوموا بتصفيته بدم بارد كما فعلوا مع الرئيس الشهيد.
تتمثل الصدمة الكبيرة لدى الشباب والمتمسّكين بالشرعية عامة، أن الجميع، مطالبين بعودة الرئيس الراحل للحكم أو الرافضين لها، في أنهم جميعا كانوا متفقين على رد الاعتبار له باعتباره رمزا للثورة والثبات والصمود والصبر، بعودته إلى الحكم، ولو لأشهر معدودة، يدعو فيها إلى انتخابات، ويسلم مقاليد الحكم لغيره عن طريق الصندوق، ويسقط كل الاتفاقات الباطلة التي قام بها الانقلاب من تنازل عن جزيرتي تيران وصنافير وعن آبار غاز، ربط الشباب انتصار الثورة بعودة الرئيس، ورد الاعتبار له، فكان خبر اغتياله صادما، أدى ببعضهم إلى حالة عدم اتزان ويأس، ليس من طبيعة أفراد الحركة الإسلامية خصوصا. ومن هنا، على المعنيين بملف الرئاسة المصرية إعلاميا وفنيا وضع تلك النقاط في الاعتبار، لتعريف الناس والأجيال المقبلة به، حقا له وحقا لها.
أضف تعليقك