• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانيتين

بقلم.. عامر شماخ

ادعاءات كثيرة أثارها الخصوم حول الرجل؛ كالزعم بأنه كان فاشلاًّ لم يقدم شيئًا فى السنة التى تولى فيها الرئاسة، وكان ضعيفًا قد أسهم فى انتشار الفوضى، وكان لا يُحسن الحديث إلخ تلك الاتهامات المجردة من الإنصاف.

والحقيقة أن الرجل -بمقاييس نجاح وفشل الدول الحديثة- كان يحمل كل أسباب النجاح، لكنه أُفشل، بعد تعرضه لمؤامرة كبرى لإزاحته عن السلطة، بدأت مع أول ساعة من جلوسه على الكرسى. واليوم وبعد رحيله وجب علينا إنصافه، وبيان الحقائق؛ خصوصًا أن هذا المقال يأتى مع ذكرى إعلان فوزه بالمنصب، وأيضًا مع ذكرى الهرج الذى وقع يوم (30/6)؛ ذلك اليوم الذى بدأت فيه محنة المصريين الكبرى ، والتى لا يعلم سوى الله متى تنتهى..

يمكننا اتهام المسئول بالفشل إذا أُعطيت له المدة الكافية للإنجاز فلم يقدم خلالها شيئًا ملموسًا رغم تهيئة الأوضاع واستقرار الأحوال، أو أنه اتخذ قرارات، سياسية واقتصادية واجتماعية، خاطئة أضرت بمواطنيه وبدولته، أو أن له سلوكًا مشينًا أو سفهًا ورعونة حالت دون نجاحه وصرفته عن أمور الحكم، أو أنه يحكم بالاستبداد ويجافى الشعب، أو أنه يولى المسئولية من لا يستحق التولية، أو أنه مشعل فتن مسعر حرب، أو معتد على أصل من أصول السلم الاجماعى.. وهذه كلها لم يفعلها «مرسى». 

إنما كان يملك -رحمه الله- كل مقومات النجاح كما ذكرت؛ فقد جاء باختيار الشعب، لذا كان سلوكه سلوك من يؤسس لقيم الديمقراطية بما تشمله من حرية وعدالة، والسعى للإنجاز الحضارى بعيدًا عن مسالك من سبقوه وعاصروه من رؤساء وملوك عرب، وكان مصرًّا على غرس القيم الإنسانية فى شعبه مهما كانت الظروف، وكانت مصر وقتها على فوهة بركان، ملتهبة بلهيب الثورة التى لم يمر عليها سوى عام ونصف العام، وقد تولّد عنها زعامة تلبست المصريين جميعًا؛ إذ صار -رحمه الله- فى مواجهة 90 مليون زعيم مصرى يتعاطون السياسة هم عدد سكان المحروسة، كل منهم له رأيه ومطالبه، ونقده وهجومه ورغم ذلك لم يتخل «مرسى» عن قناعاته، موقنًا بحق الشعب فى الحرية والكرامة، عاملاً بمبدأ «الحاكم أجير لدى شعبه» فلم تخرجه الاستفزازات -بل الاعتداءات- عن قيمه وأخلاقه النبيلة النابعة من دينه، وهذا ليس ضعفًا كما تصوره البعض، بل هى المسئولية التى جعلته يعامل شعبه بهذا الرقى وبهذا الود والحب والاحترام.

وإذا كان للتاريخ عينان؛ واحدة تبصر الحدث وتسجله وقت وقوعه، والأخرى تنقده وتصححه، وتثبته أو تمحوه فيما بعد -فإنا على ثقة أن «الرئيس الشهيد» سوف يسجله التاريخ رمزًا عظيمًا ظلمته الفئة الباغية من الفلول والعسكر ومن تبعهما من أصحاب المصالح الموتورين وأعداء الدين والطائفيين، ضمن مؤامرة دولية وإقليمية أُنفق عليها ما لا يُحصى عده من الأموال، وراهن هؤلاء المتآمرون على إسقاطه ولو كلفهم ذلك إسقاط مصر، وهو ما حدث بالفعل؛ إذ من يومها لم تقم لبلدنا قائمة..

كانت المؤامرة قوية وقذرة، فاقت قذارتها ما سبقها من مؤامرات، زينها إعلام كذوب، القائمون عليه منزوعو الأخلاق، استغلوا ظرف ما بعد الثورة، وبالغوا فى شحن الجماهير ضد الرئيس، وتحت هذا الستار الكثيف من الكذب أخرج المتآمرون جنودهم من البلطجية ليدمروا كل شىء، ولينشروا الفوضى فى كل مكان،؛ لئلا يكون هناك مجال لحكم أو لدولة؛ فهاجموا بيت الرئيس، والقصر الجمهورى، وحرقوا مقرات الإخوان، وبيوتهم، وقتلوا منهم أعدادًا كبيرة، ودمروا المقر العام للجماعة بعدما استباحوا ما فيه. باختصار: أدخلوا المصريين فى دائرة الرعب حتى صار مطلب قطاع كبير منهم ممن لم يدركوا أن هنالك مؤامرة: مغادرة الإخوان والرئيس، وقد أقنعهم الإعلام المضلل أيضًا بكذبة فشل الإخوان بعدما افتعلوا العديد من الأزمات التى مست عيش المواطن وحياته.

لقد مات الرئيس فجأة؛ لتفيق أعداد كبيرة من الوهم الذى صُدِّر إليهم من قبل من اتهامه بكذا وكذا، وقد فطنوا إلى المؤامرة، وإلى كذب إعلام العسكر، وتذكروا كيف امتنعت الشرطة عن العمل، وكيف أُغلقت مؤسسات الدولة بالجنازير، وكيف كانت تنقطع الكهرباء بفعل فاعل، وكيف تحولت القاهرة إلى ساحة انتظار كبيرة بسبب طوابير السيارات أمام محطات الوقود؛ ضمن أزمة مفتعلة، ثم تم شراء سكوت العالم -فيما بعد- إزاء المؤامرة إما بالرشا أو بشراء صفقات الأسلحة التى لا حاجة لنا فيها، أو بالتنازل عن الغاز أو الماء أو الأرض وسائر مقدرات المحروسة.

فى الواقع أن مصر والمصريين خسروا ذلك الرجل الصالح الهمام يوم سمحوا للمتآمرين بتنظيم مئات المظاهرات غير المسببة ضده، ويوم سمحوا لهم بارتكاب جرائم الإرهاب والعنف المسلح ضد فصيل عريض من أبناء الشعب، ويوم لم يدافعوا عن «مشروع النهضة» الذى تقدم به الرئيس والحزب الحاكم وقتها، ويكفينا من هذا المشروع –الذى نفذ الرئيس بعضًا منه رغم الظروف الحالكة- خطته فى الاكتفاء من الغذاء والدواء والسلاح، وهو الإنجاز الذى كان سيخرجنا من حالة التبعية والعمالة والذل التى نعيشها منذ عقود.

أضف تعليقك