• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

عمقت وفاة الرئيس الشهيد محمد مرسي قبل أيام من الذكرى السادسة للانقلاب العسكري عليه في الثالث من يوليو 2013، من مأزق نظام الانقلاب بقيادة السفاح عبد الفتاح السيسي.

وكانت وفاة الرئيس المنتخب الذي قُدّم لمحاكمة استثنائية في ثوب مدني على جرائم لم يرتكبها، وعاش سنوات من الآلام البدنية والنفسية في محبسه الانفرادي، بمثابة صفعة قاسية يتلقاها نظام الانقلاب دولياً ومحلياً، للتأكيد على افتقاره للحدّ الأدنى من الإنسانية والعدالة والنزاهة في الخصومة.

وعلى الرغم من أن وفاة الرئيس الشهيد لم تشعل مباشرة نار انتفاضة غضب شعبية ميدانية، إلا أنها أظهرت حجم التعاطف الشعبي الكبير على وسائل التواصل الاجتماعي مع ظروف وفاة الرئيس مرسي، وكذلك الغضب من الإساءة المتكررة إليه إعلامياً، وتعمّد إهانته بصورة ممنهجة ظهرت بوضوح على صفحات الجرائد التي نشرت عقب الوفاة مهوّنة من الحدث، ومحاولة الاستهانة برئيس جمهورية كان الوحيد الذي انتخبه الشعب المصري في استحقاق ديمقراطي نزيه تريد الأجهزة المخابراتية والأمنية حالياً محوه.

ويروج إعلاميي الانقلاب بإيعاز من المخابرات العامة، لمزاعم أنّ وفاة الرئيس مرسي تسقط أي حقّ لمناهضي الانقلاب في المطالبة بالعودة للسلطة أو إلغاء ما ترتب على الانقلاب من تغيّرات سياسية ودستورية.

وهذه المزاعم تعترف ضمنياً بأنّ الرئيس مرسي كان يملك شرعية الرئاسة والسلطة المنتخبة حتى وفاته، على الرغم من أنّ أذرع السيسي وأجهزته التشريعية هي التي كانت ترفض دائما طوال السنوات الست الماضية الخوض في سؤال الشرعية.

ويهدف نظام الانقلاب من خلال لهجته الأخيرة بتصوير أنّ الرئيس المنتخب كان الطرف الآخر، والوحيد، في معادلة الحكم، بنفسه وبشخصه، إلى خدمة أغراضه بمحو كل أثر إيجابي لثورة يناير.

ومثل استمرار الرئيس مرسي على قيد الحياة، كابوسا للسيسي، فمجرّد نشر صوره في قفص الاتهام يذكّر بما قامت عليه سياسة السيسي من تصفية حسابات وقمع وترهيب وإلغاء للآخر. ومن هنا اكتسب الرئيس مرسي رمزيته التاريخية، التي تضاعفت وتعززت بوفاته الدرامية التي كان النظام يتوقعها، ولكنه لم يتوقّع حدوثها أمام منصة محاكمته.

وتعكس هذه المفارقة أنّ وفاة الرئيس مرسي حصلت أثناء محاكمته كما خلقت فرصة لنظام الانقلاب للمتاجرة بفكرة "انقضاء الشرعية"، كذلك كشفت عجز الأخير، إذ لا يمكنه ادعاء ظروف كاذبة للوفاة كالانتحار أو أنها ناجمة عن أسباب طبيعية مفاجئة.

وتتكامل فكرة توهّم نظام الانقلاب انقضاء الشرعية بوفاة الرئيس مرسي، مع العديد من الإجراءات والخطوات التي اتخذها في السنوات الأخيرة للقضاء على جميع رموز المشهد السياسي المصري قبل انقلاب يوليو، بما في ذلك ممثلي نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك والأجهزة المناوئة للسيسي.

فالمنافس المباشر للرئيس مرسي في انتخابات عام 2012، وهو رئيس الوزراء الأسبق أحمد شفيق، ألقي القبض عليه وتمّ ترحيله من الإمارات إلى مصر في ديسمبر عام 2017، وتحريك دعاوى قضائية ضده، وما زال في حكم الممنوع من مغادرة منزله، وكل تحركاته تحت الحراسة وبإذن المخابرات، ولم يعد يظهر إلا في مناسبات محدودة كالأفراح والمآتم، بعدما كان يمثّل صداعاً للسيسي، ومصدر قلق لناحية إمكانية عودته للمعترك السياسي.

أمّا المرشح الرئاسي صاحب المركز الثالث في الانتخابات نفسها وهو حمدين صباحي، فبعدما سمح السيسي بترشحه ليكون بمثابة "منافس ديكور" في مسرحية انتخابات 2014، تمّ منعه من ممارسة العمل العام، وقمع أدواته الإعلامية والحركية، وحرمانه من التواصل مع الجماهير. وانتهى الأمر إلى القبض على عدد من أنصاره، وعلى رأسهم المتحدث السابق باسمه حسام مؤنس، بتهمة مشاركة الإخوان أهدافهم والتحريض على التظاهر في القضية الأخيرة المعروفة بـ"خطة الأمل".

ويعيش المنافس الرئاسي صاحب المركز الرابع في انتخابات 2012، ظروفاً تبدو أخطر مما كان يعيشها الرئيس مرسي قبل وفاته، فرئيس حزب "مصر القوية" عبد المنعم أبو الفتوح المعروف بإصابته بأمراض مزمنة عدة، يمكث في حبس انفرادي في ظروف صعبة على ذمة التحقيق معه في قضية وهمية التفاصيل تمّ تحريكها ضده بعد انتقاده العلني للسيسي العام الماضي في مقابلة تلفزيونية في لندن.

وحتى المرشح صاحب المركز الخامس في انتخابات "مرسي" وهو وزير الخارجية الأسبق عمرو موسى، فقد ابتعد بالإكراه عن المشهد، وتمّ تهميشه بعد استخدامه كرئيس للجنة الخمسين لإعداد دستور الانقلاب في 2014 الذي وصفه السيسي بدستور "النوايا الحسنة" قبل أن ينقلب عليه بتعديلات أبريل 2019.

وطال البطش ذاته النشطاء والمنظرين الثوريين في فترة 2011-2012 بالحبس وتلفيق القضايا الوهمية للعديد، ومنهم علاء عبد الفتاح وأحمد دومة وشادي الغزالي حرب ومحمد القصاص وأحمد ماهر ومحمد عادل وانتهاء بزياد العليمي. فضلاً عن فرض منع من الكتابة في مصر على الكتاب والصحفيين سيف الدين عبد الفتاح وفهمي هويدي ووائل قنديل وعمرو حمزاوي والعشرات غيرهم، والتغييب الجسدي لآخرين، أبرزهم النائب السابق مصطفى النجار، بالإضافة إلى حملات مصادرة الأموال والمنع من السفر والإدراج على قائمة الإرهاب ضدّ الحقوقيين الإسلاميين واليساريين.

ويعكس هذا الاستهداف الممنهج رغبة الأجهزة السيادية في قطع دابر الحديث عن شرعية سياسية ترتبت على ثورة ديمقراطية حقيقية، ومنع أي طرف غير مدعوم من الجيش من ادعاء ملكية هذا الإرث أو الانتماء إليه أو التحدث باسمه. ومن ثمّ كان لازما الانتقام من كل أطراف البيئة السياسية التي أُفرزت عام حكم الرئيس مرسي الذي يمثّل صداعا حتى اللحظة في رؤوس جلاديه المتهمين بالتسبب عمداً في وفاته بالإهمال والتقصير والغبن.

وكثيرا ما قالت مصادر أمنية ومراقبون سياسيون، في أوقات زمنية مختلفة، إنّ "ترك قيادات الإخوان في السجون حتى الوفاة، هو قرار استراتيجي لنظام السيسي"، إلا أنه ما زال من المبكر الحكم على مدى نجاح أجهزة النظام في التعامل مع تبعات وفاة الرئيس مرسي تحديدا، ارتباطا بالتشديدات الأمنية الأخيرة التي طاولت السجون بمنع الزيارات عن السجناء وتخفيض أوقات التريّض. كما طاولت المجال العام بفتح قضايا جديدة لاستهداف النشطاء من خلفيات سياسية شتى لمجرد التفكير في منافسة أحزاب المخابرات في انتخابات برلمان العسكر المقبلة. وكلها تغييرات طرأت بعد وفاة الرئيس مرسي واستعداداً لذكرى الانقلاب السادسة.

وما زالت أجهزة الانقلاب غارقة منذ 6 سنوات في محاولة انتزاع شرعية الرئيس مرسي وتغيير تاريخه بالقوة وبالخطاب الدعائي الموحّد، وبتقارير الاتهام والأحكام القضائية، بحثاً عن تأصيل الانقضاض على السلطة انقلاباً على الديمقراطية وعلى ثورة يناير.

أضف تعليقك