قال تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ (آل عمران: 173 - 174).
في مثل هذا اليوم منذ ست سنوات، استيقظ الشعب المصري على أكبر كارثة في تاريخه الحديث، وهي إعلان جنرالات العسكر اﻻنقلاب على إرادته الحرة باختيار أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر، وإجهاض التجربة الديمقراطية التي أفرزتها ثورة الخامس والعشرين من يناير، وتعطيل العمل بالدستور الذي استفتي عليه الشعب، وبذلك دخلت مصر نفقا مظلما لم تخرج منه حتى الآن، وغرقت على مدى هذه السنوات في مستنقع اﻻنقلاب؛ حيث غابت الحريات منذ اللحظة الأولى، بإغلاق القنوات الحرة ثم الوحشية في مواجهة المظاهرات السلمية، التي بلغت ذروتها في مجازر رابعة والنهضة وغيرها، والزج بعشرات الآﻻف من خيرة أبناء الوطن في غياهب السجون، بلا ذنب أو جريرة إﻻ حب الوطن، ورفض الانقلاب على الإرادة الشعبية.
وقد شهدت مصر في ظل هذا الانقلاب أبشع صور القمع والقهر والعدوان على الإنسان، وإهدار كرامته وحقه في الحياة، وأصبح القتل العشوائي سياسة ثابتة للعسكر، وشهدت أرض الفيروز جرائم حربا غير مسبوقة في حق سيناء وأهلها، وباع جنرالات العسكر تيران وصنافير ، وتنازلوا عن حقول الغاز في شرق البحر المتوسط للعدو الصهيوني، وأضاعوا حقوق مصر التاريخية في مياه النيل بالتوقيع على اﻻتفاقية الإطارية مع إثيوبيا، وأغرقوا مصر في استدانة كارثية سفيهة، رهنت حاضر الوطن ومستقبله للأجانب، واكتوى المواطن المصري بموجات متلاحقة من الغلاء الفاحش الذي ﻻ تبدو له نهاية.
وفي حمأة السعي المحموم من قائد الانقلاب للحصول على شرعية زائفة، اغتالت طغمة الانقلاب الرئيس محمد مرسي، ثم منعت جنازته، وصلاة الغائب على روحه الطاهرة، ولكن المسلمين الأحرار في شتي بقاع العالم أقاموا له آﻻف الصلوات، بدأت من رحاب المسجد الأقصى المبارك، الذي عاش حارسا له، واستشهد مدافعا عنه، في ملحمة صمود تاريخية، جعلت منه رمزا للحرية في ربوع الأرض.
وسعيا لحيازة الرضا الأمريكي والصهيوني بأي ثمن، من أجل البقاء في سدة الحكم، فرطت طغمة الانقلاب في المقدسات، وانخرطت في الترويج لصفقة القرن المشئومة التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، وإدماج الكيان الصهيوني الغاصب في المحيط العربي والإسلامي، وإقامة علاقات طبيعية معه، على حساب الحق الفلسطيني، والمقدسات الإسلامية.
وإذ يجدد الإخوان المسلمون عهدهم مع الله سبحانه وتعالي، ثم مع الشعب المصري، على مواصلة الكفاح من أجل حرية الوطن واستقلال قراره وكرامة المواطن واسترداد حقوقه، حتى إسقاط هذا الانقلاب، واستنقاذ الوطن من شروره؛ فإنهم يؤكدون ما يلي:
أولاً: الانقلاب العسكري المجرم هو أخطر كارثة مُنِيَ بها الوطن في تاريخه الحديث، وضعته في نفق مظلم وتهدد حاضره ومستقبله، ولا مخرج من هذا النفق المظلم إلا بإسقاطه، واستعادة المسار الديمقراطي، واسترداد الشعب المصري لإرادته وحريته وقراره.
ثانيا: الشعب المصري هو صاحب ثورة 25 يناير المجيدة، وهو صاحب السيادة، وهو مصدر السلطات، وعليه التعويل في إسقاط هذا الانقلاب، وانتزاع حريته، والقوى الثورية - وفي القلب منها جماعة الإخوان المسلمين - جزء لا يتجزأ من نسيج هذا الشعب، يناضلون بين صفوفه دون تردد حتى يفرض إرادته ويستكمل ثورته.
ثالثا: شهداء ثورة 25 يناير هم رموز التضحية والفداء، وهم مشاعل الحرية، والوجه الحضاري لهذا الوطن، والوفاء لتضحياتهم واجب يحتم علينا جميعا استكمال ما بدءوه، وعدم التفريط في الأهداف الوطنية النبيلة التي استشهدوا من أجلها، والسعي بكل السبل لتحقيق القصاص العادل لدمائهم الزكية.
رابعا: الأحرار في سجون العسكر هم رموز الوطنية المصرية، وهم الكنز الحقيقي لهذا الوطن، وعلى صخرة صمودهم وثباتهم تكسرت كل محاولات الانقلاب لتفتيت نواة الثورة الصلبة، وتحريرهم من سجون الطغيان واجب على الشعب المصري بأسره، لا سيما القوى الثورية - وفي القلب منها الإخوان- حيث جمعت بينهم ميادين الحرية، وامتزجت أصواتهم في هتاف واحد للوطن.
خامسا: المقاومة المدنية السلمية هي اختيار الشعب المصري، واختيار الإخوان المسلمين لمواجهة الانقلاب، حفاظا على البلاد من الانزلاق إلى أتون الاحتراب الأهلي، وتفاديا لما يجلبه على الوطن من كوارث جمة، ومصائب كبيرة.
سادسا: وحدة الصف الثوري ضرورة لإسقاط الانقلاب، والحد الأدنى هو الاتفاق على مشروع وطني جامع، عابر للأيديولوجيا، انطلاقا من أهداف ثورة الخامس والعشرين من يناير، وعلى قاعدة مقاومة الانقلاب سلميا، حتى يتم إسقاطه، واسترداد الإرادة الشعبية ليقرر الشعب مصيره ومن يحكمه في انتخابات حرة نزيهة.
سابعا: المواطنة هي أساس بناء الدولة المدنية الحديثة التي نسعى لبنائها بعد إسقاط الانقلاب، والشراكة الوطنية هي الأساس في ذلك، والتوافق بين القوى الثورية هو أساس اتخاذ القرارات في المرحلة الانتقالية، التي تعقب إسقاط الانقلاب، فإذا تعذر الإجماع - في القرارات المصيرية - يتم اللجوء لاستفتاء الشعب.
ثامنا: مؤسسات الدولة بما في ذلك الجيش والشرطة والقضاء والإعلام هي ملك للشعب، والحفاظ عليها مسئولية وطنية، لكن يجب إصلاحها وتطهيرها وإعادة هيكلتها، ومحاسبة المفسدين فيها، وفي مقدمتهم قادتها ورموزها، وإلزامها حدود مهامها الدستورية؛ فيعود الجيش إلى ثكناته تاركا السياسة للسياسيين، والاقتصاد للاقتصاديين، وتصبح الشرطة مؤسسة مدنية تسهر على حماية المواطن، ويصبح القضاء مستقلاً عن السلطة التنفيذية، ويلتزم الإعلام المعايير المهنية.
تاسعا: العدالة الانتقالية الناجزة هي الأساس في محاسبة كل من أجرم في حق الشعب المصري، سواء قادة الانقلاب، أو أدواته في الأجهزة الأمنية القمعية، ومرورا بالقضاة المتورطين في إصدار أحكام مسيسة، وانتهاء بإعلامي الفتنة، وغيرهم في كافة المؤسسات.
عاشرا: التعذيب والقتل العشوائي والقتل بمنع العلاج أو تلقي الدواء، والإخفاء القسري، والتهجير العشوائي جرائم لا تسقط بالتقادم، وهي أول الجرائم التي يقدم أصحابها للعدالة الانتقالية الناجزة.
حادي عشر: القصاص العادل لدماء الشهداء، وتعويض أسرهم، وجبر الضرر اللاحق بالمعتقلين والمطاردين وأسرهم خطوة أساسية على طريق إعادة اللحمة الاجتماعية التي مزقها الانقلاب.
ثاني عشر: تدويل قضايا الشهداء وعلى رأسهم الرئيس الشهيد الدكتور محمد مرسي، وقضايا المعتقلين والمختفين قسريا واجب إنساني مشترك يجب أن يسعى لتحقيقه كل الثوار والأحرار، بعيدا عن الأيديولوجيات والحسابات السياسية الضيقة.
ثالث عشر: سقوط الانقلاب أمر حتمي وإن طال الزمان؛ لأن الله لا يصلح عمل المفسدين، ولأن الباطل زهوق، ولأن الشعوب لا تهزم، ولأن الحق الذي يسعي خلفه أصحابه يأبي النسيان ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا﴾ (الإسراء: 51).
وحرصا من الإخوان المسلمين على تفعيل الاصطفاف الثوري على أرض الواقع والتئام قوى الشعب الحية صفا واحدا، فإننا ندعو كل الحريصين على مستقبل مصر، بكل توجهاتهم وانتماءاتهم إلى مائدة حوار عامة يتم خلالها الاتفاق على خريطة عمل يلتزم الجميع بمقتضاها بالعمل على تقوية اللحمة الوطنية والتحرك على قلب رجل واحد لكسر الانقلاب وإعادة المؤسسة العسكرية إلى مهمتها الأساسية والحفاظ على أرض مصر ونيلها وثرواتها وتراثها واسترداد ما تم التفريط فيه منها ومحاكمة المفسدين والمجرمين بحق الوطن وأبنائه أمام قضاء عادل، والعمل على استعادة مصر لدورها الريادي والتاريخي في المنطقة.
والله أكبر وتحيا مصر.. والله أكبر ويحيا الشعب.. والله أكبر ولله الحمد.
اﻹخوان المسلمون
الثالث من يوليو 2019م
أضف تعليقك